إن مستقبلاً تطأ فيه أقدام البشر كوكب المريخ على تربة خصبة ومزدهرة تعج بالحياة، قد يبدو كخيال علمي، لكن فريقًا من العلماء من الأكاديمية الصينية للعلوم يقترح فكرة ثورية، وهي استخدام الطحالب لاستصلاح المريخ.
تعرف على شياوشوانغ لي وفريقه من علماء البيئة، الذين كانوا يدرسون القدرات الاستثنائية لنوع معين من النباتات الطحلبية، وهو (Syntrichia caninervis). لقد كان هذا النبات غير الوعائي يزدهر في أقسى البيئات على وجه الأرض. وقد أجرى الفريق تجارب على هذا الطحلب فائق المرونة، وأخضعه لسلسلة من الاختبارات القاسية لمعرفة ما إذا كان بإمكانه البقاء على قيد الحياة في الظروف القاسية على المريخ.
وتستكشف الدراسة، التي نُشرت في مجلة The Innovation، إمكانية استخدام النباتات الطحلبية كنباتات رائدة على المريخ، مما يمهد الطريق لتتبع أشكال الحياة الأخرى.
محتويات المقال :
من الصخور القاحلة إلى التربة الخصبة
كانت الأرض عالماً حيث تمتد المناظر الطبيعية الصخرية على مد البصر، منذ حوالي 470 مليون سنة، عندما كانت الحياة مقتصرة على المحيطات. لقد كانت مكانًا قاحلًا وغير مضياف، وخاليًا من المساحات الخضراء التي نعتبرها أمرًا مفروغًا منه اليوم. ولكن بعد ذلك، حدث شيء رائع. حيث اتخذت مجموعة من الكائنات الحية تسمى النباتات الطحلبية (bryophytes)، والتي تشمل الحزازيات، والنباتات الكبدية (liverworts)، والنباتات الزهقرنية (hornworts)، قرارًا جريئًا بترك المحيطات الآمنة والمغامرة بالذهاب إلى اليابسة.
ولم تكن هذه الخطوة الرائدة بسيطة. حيث كان على النباتات الطحلبية أن تتكيف مع بيئة جديدة تمامًا، فقد واجهت درجات حرارة شديدة، والأشعة فوق البنفسجية، ونقص المياه. ومع ذلك، فقد ثابروا، مستخدمين قدراتهم الفريدة لاستخراج العناصر الغذائية من الصخور. وقد سمح لهم هذا بالانتشار عبر الحدود الصخرية للأرض، مما أدى إلى إنشاء تربة تدعم تطوير أنظمة بيئية أكثر تنوعًا.
ولكن ما الذي يجعل النباتات الطحلبية مرنة للغاية؟ المفتاح يكمن في بيولوجيتهم الفريدة. على عكس النباتات الوعائية، التي لديها أنظمة معقدة لنقل المياه والمواد المغذية، تعتمد النباتات اللاوعائية على آليات بسيطة ولكنها فعالة للغاية للبقاء على قيد الحياة. حيث يمكنها امتصاص الماء والمواد المغذية مباشرة من خلال أوراقها، مما يسمح لها بالنمو في البيئات التي قد تموت فيها النباتات الأخرى.
طحلب (Syntrichia caninervis)
في الصحاري القاسية في الصين والولايات المتحدة، والجبال الجليدية في منطقة بامير، والتبت، والشرق الأوسط، والقارة القطبية الجنوبية، والمناطق المحيطة بالقطب الشمالي، تكيفت طحالب صغيرة ولكنها قوية، تدعى (Syntrichia caninervis)، من أجل البقاء رغم كل الصعاب. لقد تطور هذا النبات المتواضع ليزدهر في درجات الحرارة القصوى، التي تتراوح من -40 درجة مئوية إلى 65 درجة مئوية، ورطوبة نسبية منخفضة تصل إلى 1.4 بالمائة. إنه بطل حقيقي في التكيف، مما يجعله المرشح المثالي لريادة عملية إعادة تأهيل المريخ.
ينمو طحلب (Syntrichia caninervis) بكثافة أكبر في صحراء قربان تونغوت (Gurbantunggut Desert) في شمال غرب الصين مقارنة بأي مكان آخر في العالم، وهو دليل على صلابته المذهلة. هذا الطحلب ليس غريبًا على الشدائد، وقد أكسبته قدرته على تحمل أقسى الظروف مكانًا ليصبح أول نبات تطأ قدمه الكوكب الأحمر.
محاكاة ظروف المريخ
ولقياس إمكانات (Syntrichia caninervis) على المريخ، أخضعه الباحثون لسلسلة من الاختبارات القاسية، لمحاكاة الظروف القاسية الموجودة على الكوكب الأحمر. في المختبر، أخضعوا الطحلب للجفاف الشديد، والتجميد لفترة طويلة، والإشعاع، وظروف شبيهة بالمريخ.
حيث تم تجفيفه حتى الموت تقريبًا، ثم تم تجميده إلى -80 درجة مئوية لمدة ثلاث سنوات، وبشكل لا يصدق، تجاهل الطحلب الأمر كما لو كان مجرد إزعاج بسيط. وينطبق الشيء نفسه على الإشعاع، فجرعات 50 غراي التي قد تكون قاتلة للبشر لم تقتل الطحلب. في الواقع، عند 500 غراي، بدا أن نموها يتسارع.
لكن الاختبار الحقيقي جاء عندما قام الباحثون بمحاكاة ظروف المريخ في منشأة محاكاة الغلاف الجوي الكوكبي التابعة للأكاديمية الصينية للعلوم. هنا، تعرضت النباتات لضغوط مشابهة لتلك الموجودة على المريخ، ودرجات حرارة تراوحت بين -60 درجة مئوية في الليل و20 درجة مئوية خلال النهار، وتركيبات الغاز الجوي المشابهة لتلك الموجودة على الكوكب الأحمر. وكانت النتائج مذهلة للغاية، حيث تعافت الطحالب المجففة في 30 يومًا فقط، في حين استغرقت نظيراتها الرطبة وقتًا أطول قليلاً. وكان واضحًا أن (Syntrichia caninervis) مصمم للمريخ.
التأثير المحتمل في استخدام الطحالب لاستصلاح المريخ
فكر في الصحاري، والأراضي القاحلة، والمناطق التي دمرها النشاط البشري، كل ذلك يمكن استصلاحه بواسطة هذا الطحلب المتواضع. وقد يعني هذا زيادة في إنتاج الغذاء. ويمكن أن يساعد أيضًا في مكافحة تغير المناخ، حيث يمكن للتربة المتكونة حديثًا أن تمتص وتخزن ثاني أكسيد الكربون، وهو المساهم الرئيسي في ظاهرة الاحتباس الحراري.
علاوة على ذلك، فإن اكتشاف القدرات الاستثنائية لـ (Syntrichia caninervis) يمكن أن يؤدي إلى تطوير محاصيل أكثر مرونة، ومجهزة بشكل أفضل لتحمل الظروف القاسية. وقد يغير هذا القواعد بالنسبة للمناطق المعرضة للجفاف أو الفيضانات أو غيرها من الكوارث الطبيعية.
المصدر
This Plant Is So Extreme Scientists Think It Could Thrive on Mars / science alert
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :