عمارة

القاشاني واستخدام الخزف في العمارة الإسلامية

كثيراً ما نرى على الإنترنت صوراً لمباني مزينة بزخارف جميلة زرقاء أو ملونة، وغالبًا ما تكون في إسطنبول أو إيران أو غيرها. أتعرف أن هذه الزخارف مكونة من الكثير من القطع الصغيرة الملوّنة؟ قد تكون كلها بلونٍ واحد، أو قد تتعدد ألوانها مشكّلة لوحات غاية في الجمال. لنتعرف على استخدام الخزف في العمارة الفارسية، وكيف انتقلت إلى العمارة الإسلامية، وعن الاسم المميز الذي يطلق على هذه التقنية: ( القاشاني ) أو القيشاني.

أصل كلمة قاشاني

يرجع أصل كلمة قاشاني (أو كاشاني) إلى مدينة قاشان (كاشان) في بلاد فارس (غرب إيران الوسطى حاليًا). وقد كانت مركز إنتاج الخزف في بلاد فارس، التي كانت تنتج الفخّار المزيّن والبلاط المصقول وتصدرها إلى البلدان القريبة. [1]

أصل التقنية

يعود استخدام القرميد المصقول في البناء إلى حضارة بلاد الرافدين في النصف الأول من الألفية الثالثة قبل الميلاد. حيث قام السومريون والأكاديون بتغطية الأسطح الخارجية لمبانيهم بأحجار قرميد مصقولة. وانتقل هذا التقليد إلى إيران خلال الألفية الثانية قبل الميلاد. [2]

قامت حضارة عيلام والإمبراطورية الأخمينية باستخدام القرميد المصقول لتغطية المعابد والقصور. وخلال الفترة السلوقية والفرثية (الأرسكيدية) والساسانية تم تزيين المباني بالتلوين واستخدام الجص. وفي عام 903 م في القرون الأولى للإسلام أثناء حكم الخلافة العباسية، وصف ابن رسته جامع بغداد الكبير بأنه كان مزيّنًا بقرميد مصقول أزرق اللون. كما وصف اليعقوبي المئذنة الخضراء في بخارى شرقي إيران. لقد كان استخدام البلاط منتشرًا في تزيين المباني منذ الفترة الغزنوية، وقد بلغ قمّته في الفترة السلجوقية. [2]

تطوّر فن القاشاني

ذُكِرَ سابقًا أن تزيين المباني بالبلاطات المصقولة انتشر وتطوّر في منطقة بلاد فارس بحلول القرن الثاني عشر. وقد بدأت فيها هذه التقنية من القرميد المصقول ثم تطوّرت إلى طريقة ربط عناصر مصقولة بأسطح قطع القرميد باستخدام الجصّ. ثمّ ظهرت طريقة استخدام البلاطات بشكل فسيفسائي (موزاييك) باستخدام تشكيلات مكوّنة من عدة ألوان مختلفة أو من لون واحد. ويمكن ملاحظة ذلك في الأمثلة المبكرة كقبة السلطانية في زنجان شمال غرب إيران حاليًا، والتي بنيت عام 1312م. [3]

Related Post
الشكل 1: قبة السلطانية (1312م) واستخدام القاشاني الأزرق على القبة
الشكل 2: قبة السلطانية (1312م) واستخدام القاشاني الأزرق على القبة

تطوّرت تقنية التزيين باستخدام البلاط المصقول بسرعة خلال القرن الرابع عشر. وقبل حلول سبعينات القرن الرابع عشر، كانت التقنية قد بلغت قمة جديدة باكتمال تقنية بلاطات (هفت رنگي – والتي تعني بالفارسية “ذات الألوان السبعة”)، والتي تكوّن بترتيب عدة ألوان ضمن وحدة تزيينية واحدة. انتشرت هذه التقنية في آسيا الوسطى حيث قام تميورلنك بتأسيس إمبراطوريته. [3]

الفترة التيمورية

بدأ تيمورلنك عام 1380م ببناء قصر اق سراي في شهرسبز (أوزبكستان حاليّاً) مسقط رأسه، والتي تبعد عن سمرقند مسافة 70 كم. ولم يبقَ من القصر الآن سوى جانبي المدخل / الإيوان (بارتفاع 38 متر للأجزاء المتبقية). لكن في الأصل، كان هذا المدخل الضخم مغطى بشكل كامل بالبلاطات المصقولة الملونة وببلاطات هفت رنگي.

وقيل إن البناء قد استمر بعد وفاة تيمورلنك عام 1405م، ويمكننا رؤية آثار البلاطات المستخدمة. وبالإضافة إلى ذلك، تم التنقيب داخل المدخل الضخم للقصر عن أرضية واسعة مغطاة بالبلاط الفسيفسائي وبلاط هفت رنگي. وبذلك، يمكننا القول أن فترة بناء هذا القصر كانت العصر الذهبي لاستخدام الخزف والبلاط المصقول في الفترة التيمورية المبكرة. [3]

الشكل 3: بوابة قصر اق سراي واستخدام القاشاني فيها
الشكل 4: بوابة قصر اق سراي واستخدام القاشاني فيها
الشكل 5: نموذج من بلاطات هفت رنگي المستخدمة في قصر اق سراي. [3]

الفترة العثمانية

أدخل العثمانيون هذا الفن إلى دولتهم عام 1415م، حين تمّ إحضار حرفيين فارسيين من تبريز لتزيين الجوامع في مدن بورصة وأضنة. وقد تأثر هذا الفن في القرن الخامس عشر بخزف مينغ الصيني الأزرق والأبيض. تمّت إضافة ألوان جديدة كالأخضر والأسود والبنفسجي. ومن أبرز الابتكارات في هذه التقنية إدخال القطب الأرمني في التلوين وهو ملوّن كثيف أحمر اللون. [4]

الشكل 6: تفصيلة من الجامع الأخضر في بورصة
الشكل 7: تفصيلة من قصر طوب قابي سراي في اسطنبول

نلاحظ أن استخدام هذه التقنية كان يقتصر على القصور والأضرحة، ثم الجوامع والمباني المهمة بشكل عام. ويظهر استخدام هذه التقنية وتطوّرها عبر العصور كيفية تأثر الثقافات والحضارات ببعضها البعض وانعكاس ذلك بشكل مباشر على العمارة والفنون.

المصادر

  1. Kāshān | Iran | Britannica
  2. (4) Technical and Comparative Study Monochrome Turquoise Nare Tile of the Ilkhanid and Safavid Eras (Case Study: Soltanieh Dome and Sheikh Safi Al-Din Ardabili’s Shrine) | Soodabeh Yousefnejad – Academia.edu
  3. (4) Vietnamese glazed tiles and Persian tiles | Takashi Sakai – Academia.edu
  4. pottery – Later Persian | Britannica
Author: Nour Al Barri

Architecture major & amateur artist. I love reading and I am interested in archeology and cultural heritage

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Nour Al Barri

Architecture major & amateur artist. I love reading and I am interested in archeology and cultural heritage

Share
Published by
Nour Al Barri

Recent Posts

لغز “أطلانطس اليابان”: هل “هرم يوناجوني” الغارق يعيد كتابة تاريخ الحضارات الإنسانية؟

هرم يوناجوني": الحقيقة الكاملة للغز الياباني الذي يتحدى الأهرامات منذ اكتشافه صدفة عام 1986، تحوّل…

أسبوع واحد ago

جيمس واتسون.. رحيل العبقري الجدلي الذي غيّر وجه البيولوجيا للأبد

وداعاً "أيقونة الحمض النووي": جيمس واتسون ببالغ الحزن والتقدير، أعلن العالم عن رحيل أحد أبرز…

أسبوع واحد ago

“عاشق العلم بروح التصوف”.. رحيل الدكتور أحمد شوقي وإرث “كراسات علمية” الخالد

ببالغ الحزن والأسى، ودعت الأوساط الأكاديمية والعلمية في مصر والعالم العربي قامة من قامات الوراثة…

أسبوع واحد ago

نظرية “إعادة التدوير الحيوي” تكتسح “داروين” وتُعيد تعريف الحياة

الحياة منظومة تتجدد ذاتياً لا آلة عشوائية! في إنجاز تاريخي هزّ أركان علم الأحياء التطوري،…

أسبوعين ago

مملكة أورارتو القديمة: موقعها، تاريخها وأهم آثارها

تعد مملكة أورارتو واحدة من أبرز الحضارات الحديدية في الشرق القديم، إذ نشأت في القرن…

أسبوعين ago

المتحف المصري الكبير رمز لاستمرارية البصمة الجينومية للحضارة المصرية

لطالما مثلت مصر، بموقعها الاستراتيجي عند ملتقى قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا، نقطة محورية للتفاعل البشري…

أسبوعين ago