بعينين يملأهما الحزن والحسرة يتذكر قاسم مزرعته التي كانت تمتلأ بكل أنواع الخضروات والثمار، فالمزرعة التي تقع في محافظة البصرة والتي تبلغ مساحتها هكتارًا واحدًا كان إنتاجها يكفي لإطعام أسرته المكونة من ثمانية أفراد، لكن اليوم يتصاعد الغبار من تحت قدميه وهو يمشى على أرضه بعد أن أدى تفاقم الحرارة والجفاف المرتبط بتغير المناخ، إلى فقدان ما يقرب من 90% من محاصيله الشتوية، بما في ذلك البامية والباذنجان[1].
قاسم هو واحد من آلاف المزارعين الذين فقدوا سبل عيشهم بسبب موجات الجفاف الشديدة التي ضربت معظم البلدان العربية. والتي تعد إحدي الآثار الناتجة عن تغير المناخ والإحتباس الحراري. فوفقًا لدراسة حديثة نشرت خلال الشهر الجاري، فإن موجات الجفاف الشديدة التي حدثت منذ عام 2020 وحتي اليوم دمرت حياة الملايين من البشر في كل من سوريا والعراق وإيران. وما كانت تلك الموجات الحارة لتحدث لولا الاحتباس الحراري الذي سببه الإنسان.
وأضافت الدراسة التي أجرتها مجموعة World Weather Attribution إن أزمة المناخ تعني أن حالات الجفاف الشديدة وطويلة الأمد لم تعد نادرة، ففي نهري دجلة والفرات، اللذان يغطيان أجزاء كبيرة من سوريا والعراق، كانت تحدث موجات الجفاف الشديدة بهذه الدرجة مرة واحدة كل 250 عاماً تقريباً. لكن اليوم ومع الاحتباس الحراري فمن المتوقع حدوثها مرة واحدة كل عقد من الزمان. فما هو الجفاف وكيف يتأثر البشر به؟ [2]
محتويات المقال :
ما هو الجفاف؟
يعرف الجفاف بأنه فترة غير معتادة من الطقس الجاف الناجم عن انخفاض في معدل هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة. ويؤثر الجفاف بالسلب على كافة مناحي الحياة. ويقدر أن حوالى 55 مليون شخص حول العالم يتأثرون بالجفاف كل عام، مما يهدد سبل عيشهم، ويزيد من خطر إصابتهم بالأمراض والوفاة والهجرة الجماعية.
عندما ترتفع درجات الحرارة يتبخر الماء، بصورة أسرع، وبالتالي يزيد خطر الجفاف أو إطالة فتراته. وتؤثر ندرة المياه على 40% من سكان العالم. وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 700 مليون شخص يواجهون خطر النزوح نتيجة للجفاف بحلول عام 2030. [3]
ما الذي يسبب الجفاف؟
يحدث الجفاف نتيجة لمجموعة من الأسباب الطبيعية والبشرية نذكرها على النحو التالي:
الأسباب الطبيعية
1-التغير في درجة حرارة المحيطات:
تعتبر ظاهرتي النينو والنينا من الأنماط المناخية التي يمكن أن تسبب الجفاف في بعض أنحاء العالم. فظاهرة النينو التي ترتفع فيها درجة حرارة المياه السطحية في المحيط الهادئ على طول الساحل الأوسط لأمريكا الجنوبية يمكن أن تؤدي إلى الجفاف في جنوب غرب الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا. كما أن ظاهرة النينا التي تنخفض فيها درجة حرارة المياه السطحية، تؤثر على أنماط العواصف، مما يؤدي إلى الجفاف في كل من إندونيسيا وأستراليا.
2- التيار النفاث:
هو عبارة عن رياح قوية تتدفق عالياً في الغلاف الجوي، ويمكن أن يؤدي التغير في التيار النفاث إلى حدوث الجفاف في بعض المناطق عن طريق جلب الهواء الجاف من أجزاء إلى أجزاء أخرى حول العالم.
الأسباب البشرية
1-تغير المناخ :
الاحتباس الحراري يجعل الطقس أكثر تطرفًا، وبالتالي يجعل الأماكن أكثر جفافاً عن طريق زيادة نسبة التبخر.
2- إزالة الغابات:
تلتقط النباتات والأشجار المياه وتطلق البخار في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى تكوين السحب ثم المطر. وقد لاحظ العلماء وجود علاقة ما بين إزالة الغابات والجفاف.
3- ارتفاع الطلب على المياه:
هناك عدة أسباب قد تجعل الطلب على المياه يفوق العرض، كالزراعة المكثفة والزيادة السكانية مما يؤدي إلى حدوث الجفاف في المناطق التي تعاني من ندرة المياه[4].
10 تهديدات يشكلها الجفاف على البلدان
يمكن أن يؤثر الجفاف الشديد على:
1-إمدادات المياه: تعرف حالات الجفاف من نقص كمية المياه المتاحة. فأثناء فترات الجفاف، قد يكون وصول المجتمعات المحلية إلى المياه محدودًا لأغراض الاستخدام المنزلي كالشرب والطهي والتنظيف وسقي النباتات. وقد يؤدي الجفاف إلى ارتفاع تكاليف المياه أو التقنين أو تدمير مصادر المياه المهمة كالآبار.
2- الزراعة: يؤثر الجفاف على الماشية والمحاصيل، بما في ذلك الذرة وفول الصويا والقمح. وعلى الصعيد العالمي، ضرب الجفاف العديد من مناطق سلة الغذاء الرئيسية في وقت واحد في عام 2012، مما زاد من عدم استقرار أسعار الغذاء. وفي البلدان التي تواجه بالفعل انعدام الأمن الغذائي، يمكن أن يؤدي ارتفاع التكاليف إلى اضطرابات اجتماعية، والهجرة، والمجاعة.
3- النقل: يمكن أن يؤدي الجفاف إلى انخفاض منسوب مياه الأنهار، مما يهدد التجارة النهرية. فمراكب النقل تحتاج إلى ما لا يقل عن تسعة أقدام من المياه للعمل. وغالبًا ما يصاحب الجفاف فيضانات شديدة. كما أن لحرائق الغابات التي يغذيها الجفاف تداعيات على السفر عن طريق إغلاق الطرق والسكك الحديدية.
4- الطاقة: يمكن أن يثير الجفاف مخاوف بشأن إنتاج الكهرباء من المحطات التي تتطلب مياه تبريد للحفاظ على عمليات إنتاج آمنة، وقد تصبح الطاقة الكهرومائية أيضًا غير متوفرة أثناء فترات الجفاف. وعندما تتزامن موجات الحر مع فترات الجفاف، يمكن أن ينمو الطلب على الكهرباء، مما يؤدي إلى تفاقم الضغط على الشبكة [5].
5- خطر المجاعة: يؤدي الجفاف إلى انعدام الأمن الغذائي بتضرر المحاصيل. وعندما لا يتمكن جزء كبير من السكان من الحصول على الغذاء، يُعرف هذا بالمجاعة ويؤدي إلى انتشار سوء التغذية الحاد والمرض والوفاة في جميع أنحاء المنطقة المتضررة.
6- سوء التغذية: يؤدي نقص الأغذية إلى سوء التغذية الحاد، فالأطفال الذين يعانون من سوء التغذية يصبحون عرضة للأمراض والتأخر الشديد في النمو. كما أنهم أكثر عرضة للوفاة بسبب حرمانهم من الفيتامينات والمعادن الأساسية اللازمة لنموهم السليم.
7- زيادة الأمراض: يؤثر الجفاف على الوصول إلى مصادر مياه الشرب النظيفة، مما يؤدي إلى تفشي الأمراض المعدية كالكوليرا والتيفويد. ويمكن أن تنتشر هذه الأمراض أيضًا في الأماكن التي تعاني من ضعف في أنظمة الصرف الصحي. وضعف شبكة الصرف الصحي هو أحد الآثار الجانبية الأخرى لعدم توفر المياه النظيفة.
8- حرائق الغابات: تتسبب الظروف الجافة في حرائق الغابات التي تعرض المنازل للخطر، وتؤثر على جودة الهواء، وتؤدي إلى تفاقم أمراض الرئة المزمنة.
9- النزوح البيئي: بدون الحصول على المياه النظيفة أو الغذاء، يضطر الكثيرون إلى مغادرة منازلهم وتركها بشكل دائم من أجل البقاء على قيد الحياة. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن “ندرة المياه تؤثر على 40% من سكان العالم. وأن ما يصل إلى 700 مليون شخص معرضون لخطر النزوح نتيجة للجفاف بحلول عام 2030”.
10- الصراع: وجدت الأبحاث أن الجفاف يؤدي إلى تفاقم الصراعات. فهجرة الأشخاص بشكل جماعي من مناطق الجفاف والمجاعة يمكن أن تؤدي إلى زيادة التوترات السياسية والصراعات بسبب زيادة التنافس على الموارد. [6]
سوريا والعراق وموجات الجفاف
أدى انخفاض وعدم انتظام معدلات هطول الأمطار خلال موسمي الشتاء 2020/2021، المصحوب بدرجات حرارة أعلى من المتوسط، إلى ظروف جفاف في شمال وشرق سوريا، أدت تلك الموجات إلى خسائر كبيرة في إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية، إضافة إلى الانخفاض غير المسبوق في مستويات المياه في نهر الفرات. إن الانخفاض في مستويات النهر دائما ما يعقبها انخفاض في القدرة الإنتاجية لقطاع الطاقة. فينقطع التيار الكهربائي، مما والذي أثر على حياة أكثر من ثلاثة ملايين شخص في جميع أنحاء الشمال الشرقي السوري. [7]
ووفقًا لدراسة أجرتها منظمة السلام الهولندية “باكس”، فقد شهدت سوريا ثلاث موجات جفاف منذ عام 1980، كانت أشدها بين عامي 2006 و2010، فبحسب الدراسة، وخلال صيف 2021 شهدت سوريا مرة أخري مستويات منخفضة من هطول الأمطار وانخفاضًا حادًا في تدفق المياه إلى نهر الفرات. وقد أثر انخفاض هطول الأمطار على الغطاء النباتي وتربية الماشية لافتقارهم إلى المراعي ومصادر المياه.
وتشير الدراسة إلى أن المجتمعات الرعوية في سوريا تعاني بشكل متزايد من تأثير تغير المناخ وانخفاض أسعار الماشية، مما يدفع هذه المجتمعات إلى حافة الفقر [8].
لم يختلف الحال كثيرًا في العراق، ففي نهاية عام 2021، سجلت المنظمة الدولية للهجرة ما يقرب من 20 ألف شخص نازح بسبب ندرة المياه وملوحتها وسوء نوعيتها في 10 محافظات من أصل 19 محافظة عراقية [9]. كما شهدت واحدة من كل 15 أسرة عراقية في أواخر عام 2021 هجرة فرد واحد على الأقل من أفرادها للبحث عن فرص اقتصادية جديدة وفقًا للمجلس النرويجي للاجئين. ومع تزايد حدة التغيرات المناخية وموجات الجفاف من المرحج أن يتزايد النزوح بشكل كبير. [10]
وتعاني الدولة الواقعة في الشرق الأوسط من آثار ارتفاع درجات الحرارة منذ عدة سنوات، حتى أن التقارير الحكومية تحذر من أن نهري دجلة والفرات قد يجفان تمامًا بحلول عام 2040. [11] وفي تقريرها الصادر في مارس 2023 أوضحت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن حالات الجفاف أصبحت أكثر تواتراً وأن حدوثها وشدتها سيستمران في الزيادة بسبب تغير المناخ[12]. كما حذرت دراسة أجرتها وكالة ناسا من أن احتمال حدوث موجات جفاف كبرى -تدوم لعقد أو أكثر- من المتوقع أن تزيد نسبتها من 12% إلى أكثر من 60%. [13]
الجفاف في المنطقة العربية
تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين أكثر المناطق عرضة لتغير المناخ في العالم. فوفقًا لتقرير الأمم المتحدة لن تنجو أي بلد من مخاطر التغيرات المناخية فدول الخليج ستواجه استنزاف الموارد المائية في غضون الخمسين عام المقبلة، كما تواجه أنظمة إنتاج الغذاء والمياه في جميع أنحاء بلاد الشام انهيارًا وشيكًا. [14]
ووفقًا لمعهد الموارد المائية فإن منطقة الشرق الأوسط تعاني من ندرة المياه بصورة كبيرة. فالبحرين والكويت ولبنان وعمان وقطر يتعرضون للإجهاد المائي بسبب انخفاض العرض المقترن بالطلب من الاستخدام المنزلي والزراعي والصناعي. وتشير التقديرات إلى أن 83% من السكان يتعرضون للإجهاد المائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا[15]. ومن المتوقع أن يعيش مليار شخص إضافي في ظل الإجهاد المائي بحلول عام 2050.
بناء القدرة على الصمود في مواجهة الجفاف
عند معالجة حالات الجفاف، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو الحاجة إلى تخزين المياه لنوبات الجفاف. ولكن تبين أن الحفاظ على رطوبة التربة أمرًا بالغ الأهمية لاستدامة أنظمتها وحمايتها من تأثير الجفاف. لذلك فمن الأهمية بمكان الحفاظ على الغابات والمناظر الطبيعية وغيرها من النظم الطبيعية التي تعمل على تحسين صحة التربة والاحتفاظ بالمياه.
وينبغي على الدول أن تستثمر بشكل استباقي في نظم المعلومات والاستشعار عن بعد كأنظمة الإنذار المبكر، وحلول أخري كتحلية المياه. هذا بالإضافة إلى التوسع في خطط إعادة استخدام المياه وإعادة تدويرها، وتجميع مياه الأمطار. [16] في الوقت الحالي فإن جميع المناطق حول العالم معرضة لحدوث الجفاف، ولكن تبقي البلدان العربية والنامية أكثر عرضة للآثار الاجتماعية والاقتصادية للجفاف بسبب أن نسبة كبيرة من سكانها يعملون في الزراعة.
المراجع:
(1)context
(3)who
(5)c2es
(8)paxforpeace
(9)un
(10)nrc
(12).ipcc
(16)worldbank
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :