محتويات المقال :
الشخصية الانطوائية وسماتها
تعرف جمعية علم النفس الأمريكية الشخصية الانطوائية (introverted) على أنها ميل الشخص نحو العالم الخاص الداخلي لنفسه وأفكاره ومشاعره بدلاً من التوجه نحو العالم الخارجي، عالم الأشخاص والأشياء. ويعد نمط الشخصية الانطوائية من السمات التي تظهر في نطاق واسع من السلوكيات والمواقف [1].
الشخصية الانطوائية عند كارل يونغ
تحدث عالم النفس السويسري كارل يونغ (Carl Jung) عن نمط الشخصية الانطوائية في كتاب Psychological Types (1921). وقارنها مع نمط آخر، نقيض لها، وهو الشخصية المنفتحة (extroverted) [2].
يشرح يونغ أن وراء هذين النمطين المختلفين يكمن موقفان مختلفان من الحياة. وهذا يعني أن طبيعة رد فعل الشخص للظروف والعوامل المحيطة تختلف باختلاف نمط شخصيته. وتبدأ هذه الأنماط بالتكوّن في مرحلة مبكرة من حياة الشخص. كما يحدد يونغ الفرق بين نمطي الشخصية هذين عن طريق الاختلاف بتوجه الليبيدو، أو الطاقة النفسية للشخص [2].
وهنا يجب توضيح الفرق بين مفهوم الليبيدو عند سيغموند فرويد (Sigmund Freud) وعند يونغ. فقد عرف فرويد الليبيدو على أنه الطاقة الجنسية التي تقود كافة رغبات البشر واندفاعاتهم وغرائزهم. حتى وإن لم يعلموا ذلك أو يدركوه، فهذه الطاقة هي الدافع الذي يتشكّل منذ مراحل الطفولة المبكرة.
لكن يخالف يونغ فرويد هنا في توصيف الليبيدو، فلا يحصر هذا المفهوم في الطاقة الجنسية وحسب. بل يصفه بشكل أعم على أنه الطاقة النفسية التي تحفّز الأفراد عبر العديد من الطرق المهمة. وتتضمن هذه الطرق المجالات الروحية والفكرية والإبداعية. كما يرى يونغ أن الليبيدو هو مصدر إلهام الأفراد للسعي وراء المتعة والحد من النزاعات، ويعمل على تحفيز العديد من السلوكيات [2] [3].
سمات الشخصية الانطوائية ومواطن الضعف فيها
إذاً، ما هو دور الليبيدو في تحديد نوع الشخصية سواء الانطوائية أم المنفتحة؟
في الواقع، يمثل اتجاه هذه الطاقة العامل الفارق في تمييز الشخصية الانطوائية عن المنفتحة. إذ يتسم الأشخاص الانطوائيون بتوجه طاقتهم النفسية نحو الداخل. فيكون التركيز على عوامل شخصية وذاتية، لا خارجية. وهذا عكس المنفتحين الذين تتوجه طاقتهم النفسية نحو العالم الخارجي [4].
يجد الأشخاص الانطوائيون السعادة في وحدتهم، ويتميزون بامتلاك خيال خصب. كما يفضلون التفكير والتأمل على القيام بالأنشطة الفعلية. فتراهم منعزلين وهادئين، ويميلون إلى الانسحاب عن المجموعات. كما يتحفظون في التعبير عن أفكارٍ أو مشاعر أو انطباعات ذات تأثيرٍ إيجابي. بل يغلب الشك على مواقفهم وآرائهم، ويفضلون العمل منفردين. وقد تكون هذه من مواطن الضعف لديهم. ويضاف إليها عدم ثقتهم بالأشخاص عموماً، واتسامهم بالخجل والتردد، وتجنب الحياة الاجتماعية [1] [4].
تدفع هذه السمات ومواطن الضعف إلى تشكيل صور نمطية أو أفكار مغلوطة عن الانطوائيين. فيراهم المجتمع، وخاصة الأفراد من ذوي الشخصيات المنفتحة، على أنهم أنانيون ومملون، وأن حياتهم تتمحور حول ذواتهم. وهذا غير دقيق، فطبيعة تعامل المرء مع عالمه تختلف باختلاف شخصيته، على الرغم من تشابه الطرق المستخدمة في مقاربة هذا العالم، بنوعيه الداخلي والخارجي [4].
تعامل الشخصية الانطوائية مع العالم
يتحدث يونغ عن أربع وظائف نفسية يمكن للمرء – الانطوائي أو المنفتح – أن يستخدمها، أو إحداها، في تعامله مع العالم. وهذه الوظائف هي التفكير (thinking) والمشاعر (feeling) والحس (sensation) والحدس (intuition). وينتج عن بروز إحدى هذه الوظائف لدى الشخص، وتقاطعه مع نمطي الشخصية الانطوائية أو المنفتحة، أنواع أكثر للشخصيات حسب ميل أصحابها وطريقة استخدامهم للوظائف [4].
بالنسبة للتفكير، يهتم الانطوائيون بالأفكار المجردة بدلاُ من الحقائق بحد ذاتها. فالغرض من التفكير لديهم لا يتمثل بجمع المعلومات، ولا بفهم العلاقة مع العالم الخارجي. أما من ناحية وظيفة المشاعر، فيغلب المظهر البارد على من يعتمد هذه الوظيفة من الانطوائيين. إلا أنهم في الواقع أشخاص متعاطفون ومتفهمون لأصدقائهم. كما أنهم قادرون على التضحية بالذات عندما يتطلب الأمر ذلك. وفيما يتعلق بوظيفة الحس، فالانطوائيون هنا يكونون حساسين وذوي خيال واسع لدرجة قد يصعب فهمهم أحياناً. ولديهم القدرة على تخيل أشياء غير موجودة، وهذا ما يجعل منهم مهندسين أو فنانين ناجحين. وأخيراً، عندما تكون وظيفة الحدس هي السائدة، يرتفع مستوى الإبداع لدى الشخص الانطوائي، والذي يكون قادراً باللاوعي على بناء احتمالات مستقبلية متعلقة بالظروف المحيطة بتجارب موجودة في الحاضر [4].
جوانب أخرى
تشير الدراسات إلى أن عدد الأشخاص الانطوائيين يوازي عدد المنفتحين، ولكنهم بالطبع أقل ظهوراً وأكثر هدوءاً. ويعزى هذا الميل في الشخصية إلى عوامل وراثية وبيئية. ولكن يمكن أن يتعلم الانطوائيون التصرف بطريقة أكثر انفتاحاً إذا اتبعوا خطة لتغيير بعضٍ من أنماط سلوكهم. مثلاً، يمكنهم التدرب على المبادرة ببدء حديث مع أحد ما بدلاً من انتظار الشخص الآخر ليتحدث أو الانسحاب من الموقف الاجتماعي [5].
ولكن هذا لا يعني أن الشخصية الانطوائية هي أمر سلبي. بل على العكس، يتسم هذا النمط بجوانب إيجابية في طريقة تعامله مع العالم. إذ يستمتع الانطوائيون بأحاديث غنية وعميقة بدلاً من المواضيع السطحية التي لا طاقة لهم عليها. كما يمكن للانخراط بالعالم الداخلي أن يزيد من مستوى الابتكار والإنتاج الإبداعي لدى المرء. ونرى أمثلة لفنانين أو مؤلفين انطوائيين أغنوا العالم بنتاجهم الفكري كالكاتبة جي كي رولينغ مؤلفة سلسلة هاري بوتر الشهيرة، والعلماء أمثال ألبرت أينشتاين وإسحق نيوتن، والقادة كالرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن والناشطة الحقوقية روزا باركس. ولا تخلو حياة الانطوائيين من الأصدقاء. فمع أن دائرة صداقاتهم قد تكون ضيقة، إلا أنها عميقة ومنتقاة بعناية بعيداً عن العلاقات الاجتماعية العابرة أو المؤقتة [5] [6].
اقرأ أيضاً: مقدمة في علم النفس
المصادر
- جمعية علم النفس الأمريكية
- Psychological Types – Carl Jung
- Simply Psychology
- Philosophy Lander Edu
- Psychology Today
- Happier Human
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :