...
Ad

في عالم البحث العلمي، تعد الاستشهادات مقياسًا حاسمًا لتأثير البحث وأهميته. ومع ذلك، تزايد القلق بين الباحثين وهيئات الرقابة نظرًا لزيادة عدد الاستشهادات الزائفة في السنوات الأخيرة، حيث كشفت دراسة حديثة عن سوق سوداء يمكن للعلماء من خلالها شراء عدد الاستشهادات للأبحاث الخاصة بهم والتلاعب بها، والذي قد يؤدي إلى تشويه المقاييس المستخدمة لتقييم عملهم.

نبذة تاريخية عن التلاعب بالاستشهادات

لا يعد التلاعب بالاستشهادات  ظاهرة جديدة. فيمكن إرجاع جذورها إلى الأيام الأولى للنشر الأكاديمي. ويعود مفهوم الاقتباس كمقياس للإنتاجية العلمية والتأثير إلى خمسينيات القرن العشرين، عندما قام يوجين جارفيلد بتطوير مؤشر الاستشهاد العلمي. في البداية، كان المقصود من هذا المقياس توفير وسيلة لقياس تأثير الأوراق العلمية، لكن سرعان ما تحول المشهد وأصبح أداة لتقييم الباحثين أنفسهم.

ومع تطور المشهد الأكاديمي، اشتدت الضغوط من أجل النشر والاستشهاد. فشهدت الثمانينيات ظهور ما عرف باسم “مصانع الأوراق العلمية”، التي أنتجت دراسات منخفضة الجودة وباعتها للباحثين. غالبًا ما تقوم بإدراج عدد من الاستشهادات المزيفة بداخل الأوراق، لتضخيم عدد الاستشهادات الخاصة بمؤلفيها بشكل مصطنع.

في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، سهّل ظهور المنصات الأكاديمية عبر الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي،  على تبادل الأفكار والتعاون ما بين الباحثين وبعضهم البعض. ومع ذلك، فقد نشأت فرصًا جديدة للتلاعب بالاقتباسات. فبدأت الملفات الشخصية المزيفة والدراسات الزائفة والخدمات المدفوعة التي تقدم استشهادات مزيفة في الظهور. ووصلت السوق السوداء للإنترنت والتي انتشرت بسرعة فائقة.

إن انتشار التلاعب بالاقتباسات له عواقب وخيمة، حيث أنه يقوض نزاهة البحث العلمي. ويشوه المقاييس المستخدمة لتقييم الباحثين، ويسيء تخصيص الموارد كالتمويل وفرص العمل. ويمكن أن يؤدي حتى إلى الترويج لأبحاث خاطئة أو نشر أبحاث منخفضة الجودة، والتي يمكن بعد ذلك الاستشهاد بها من قبل باحثين آخرين، مما يؤدي إلى إدامة دورة نشر الأبحاث الاحتيالية.

الكشف عن أسواق الاستشهادات المزيفة

أدى اكتشاف سوق الاستشهادات المزيفة وانتشارها إلى حدوث صدمة في المجتمع العلمي. والتي اشتبه الباحثون في وجودها لكن حجم المشكلة لم يظهر للنور إلا مؤخرًا.

ولمحاولة اثبات وجود سوق سوداء للاستشهادات، أنشأ فريق من الباحثين ملف شخصي لعالم مزيف في Google Scholar، وقاموا بتحميل 20 دراسة مختلقة تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي، وعمل الفريق على شراء 50 استشهادًا من إحدي شركات مافيا التلاعب بالإستشهادات مقابل 300 دولار، وخلال 40 يومًا حصل الملف على 50 استشهادًا من دراسات في 22 مجلة، كان من بينها 14 استشهادًا مفهرسة بواسطة قاعدة البيانات العلمية Scopus.

الآثار المترتبة على هذه النتيجة مثيرة للقلق، حيث يلعب عدد الاستشهادات دورًا مهمًا في تقييم الباحثين. وتسلط العملية  التي قام بها الباحثين الضوء على الجانب المظلم للنشر الأكاديمي، حيث يمكن للضغط من أجل النشر وتجميع الاستشهادات أن يدفع العلماء إلى اتخاذ تدابير يائسة. وكما لاحظ الباحثون، أنه يمكن التلاعب بالاستشهادات بسهولة عن طريق إنشاء مطبوعات أولية مزيفة ومن خلال الخدمات المدفوعة.

مراجع زائفة وعواقب حقيقية

تخيل عالمًا يتم فيه إجراء البحث العلمي في غموض تام، دون وجود أقران لمراجعة الأبحاث، أو قراء لمشاركة هذا النتاج. قد يبدو هذا وكأنه سيناريو خيالي، لكنه حقيقة مخفية عن الجميع. فبعيدًا  بداخل أروقة النشر العلمي، توجد مقبرة واسعة من الأوراق البحثية التي لا تزال غير مستشهد بها وغير مقروءة وغير معروفة.

هذه الأبحاث، التي يشار إليها غالبًا باسم “الأكاديميا المظلمة”، هي نتيجة ثانوية للمشهد الأكاديمي التنافسي الذي زاد خلال الفترة الاخيرة. فمع نشر ملايين الأوراق البحثية كل عام، أدى الحجم الهائل للإنتاج العلمي إلى خلق بيئة تأخذ فيها جودة الأبحاث مرتبة أدني. وفي خضم جنون النشر هذا، يقوم العديد من الباحثين بنشر أوراق بحثية تخضع لمراجعة غير ذي جدوي، ومكتوبة بشكل سيئ، ونادرًا ما تُقرأ.

ففي عام 2019، قدرت دراسة نشرت بمجلة PLOS ONE أن ما يصل إلى 82% من الأوراق البحثية في العلوم الطبيعية والاجتماعية والإنسانية تظل غير مستشهد بها بعد خمس سنوات من نشرها. ويثير هذا الرقم المذهل تساؤلات حول القيمة الحقيقية لهذه الأوراق والدوافع وراء نشرها. هل ينشر الباحثون من أجل تطوير المعرفة، أم أنهم مدفوعون بالرغبة في حشو سيرتهم الذاتية وزيادة عدد الاستشهادات الخاصة بهم؟

ولهذه الظاهرة آثار بعيدة المدى، فعندما يتم نشر الأبحاث دون الخضوع لمراجعة صارمة من قبل الأقران، فمن الممكن نشر معلومات خاطئة ومضللة، وبالتالي تقويض الثقة في المجتمع العلمي.

في نهاية المطاف يجب اتخاذ تدابير أكثر صرامة لمنع التلاعب بالاقتباسات. كالتحقق من صحة الأوراق المستشهد بها واكتشاف الأنماط المشبوهة لسلوك الاقتباس. إضافة إلى ذلك، يجب على المؤسسات الأكاديمية ووكالات التمويل اتخاذ خطوات جادة لمكافحة الضغوطات من أجل النشر وتجميع الاستشهادات، والتي يمكن أن تدفع الباحثين إلى الانخراط في سلوك غير أخلاقي، وبالتالي فإن المعركة ضد المراجع المزيفة هي معركة من أجل نزاهة العلم نفسه.

المراجع

The citation black market: schemes selling fake references alarm scientists (nature.com)

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Asmaa Wesam
Author: Asmaa Wesam

حاصلة على الماجستير في الصحافة، مهتمة بقضايا الصحة والبيئة.

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم

User Avatar

Asmaa Wesam

حاصلة على الماجستير في الصحافة، مهتمة بقضايا الصحة والبيئة.


عدد مقالات الكاتب : 54
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.