Ad

مع خطط ناسا لإعادة البشر إلى سطح القمر بحلول عام 2024، يتحول التركيز نحو إنشاء وجود مستدام على قمرنا. ومن الأمور الحاسمة في هذا المسعى القدرة على تسخير موارد القمر، وخاصة الماء. وقد حقق تحدي أكوالونار (Aqualunar) قفزة هائلة إلى الأمام من خلال الإعلان عن المتأهلين العشرة النهائيين، الذين سيتنافسون على تطوير حلول مبتكرة لاستخراج وتنقية المياه من سطح القمر.

تقف وراء هذا التحدي الدكتورة ميغان كريستيان، رائدة الفضاء الاحتياطية في وكالة الفضاء البريطانية، والتي ترأس لجنة تحكيم تحدي أكوالونار. وتؤكد أن الهدف النهائي للمشروع يتجاوز القمر، ويهدف إلى تطوير تقنيات يمكنها أيضًا توفير مياه الشرب النظيفة ودعم حياة الإنسان على الأرض.

الماء في فوهات القمر

القمر، الذي غالبًا ما يُنظر إليه على أنه جرم سماوي قاحل وجاف، يحمل سرًا كان مخفيًا على مرأى من الجميع لمليارات السنين. ويُعتقد أن الفوهات، وهي تلك الحفر الضخمة التي شكلتها الكويكبات والمذنبات، تحتوي على الماء. قد يبدو هذا غير بديهي، نظرًا لدرجات حرارة القمر التي تتراوح من -243 درجة مئوية إلى 127 درجة مئوية. مما قد يقودك إلى الاعتقاد بأن الماء لا يمكن أن يكون موجودًا. ومع ذلك، فإن المناطق القطبية للقمر هي موطن لفوهات مظللة بشكل دائم، حيث تظل درجات الحرارة أقل من -173 درجة مئوية، وهي باردة بما يكفي للحفاظ على الماء في صورة جليد.

وقد تمت حمايتها من أشعة الشمس القاسية، مما خلق بيئة مواتية لتكوين الماء في صورة بلورات جليد. تشير التقديرات إلى أن بعض الفوهات قد تحتوي على ما يصل إلى 1.5 مليار لتر من الماء، أي ما يعادل حوالي 600 حوض سباحة أولمبي. يتمتع هذا الكنز المتجمد بالقدرة على إحداث ثورة في فهمنا لجيولوجيا القمر، والأهم من ذلك، قدرتنا على استخدام موارده لاستيطان القمر في المستقبل.

أثار اكتشاف الماء على القمر موجة من الأبحاث، حيث استخدم العلماء تقنيات متقدمة مثل الرادار والتحليل الطيفي لرسم خريطة لتوزيع الجليد عبر سطح القمر. على سبيل المثال، وجدت مهمة إلكروس (LCROSS) التابعة لناسا في عام 2009 دليلاً على وجود جليد في فوهة كابيوس (Cabeus) المظللة بشكل دائم، والتي تقع بالقرب من القطب الجنوبي للقمر.

البحث العلمي عن الموارد القمرية

يعود مفهوم استغلال الموارد القمرية إلى الستينيات، عندما كشفت بعثات أبولو التابعة لناسا لأول مرة عن وجود الماء على القمر. ولكن، لم يبدأ العلماء جديًا في استكشاف إمكانية استخدام موارد القمر لدعم الاستكشاف البشري والاستيطان المحتمل إلا في التسعينيات.

ومن الرواد في هذا المجال الدكتور هاريسون شميت من ناسا، الجيولوجي ورائد فضاء أبولو 17، الذي اقترح فكرة استخلاص هيليوم-3 من القمر من أجل الاندماج النووي. أثار هذا موجة من الاهتمام باستخدام الموارد القمرية، حيث ساهم الباحثون والمهندسون من جميع أنحاء العالم في هذا المفهوم.

وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت وكالة الفضاء الأوروبية (ESA) وإلكروس عدة بعثات لمسح موارد القمر، بما في ذلك الماء والهيليوم-3. أدت هذه الجهود إلى اكتشاف رواسب مائية كبيرة في الفوهات المظللة بشكل دائم بالقرب من القطبين القمريين.

السباق لحصد مياه القمر

يقدم تحدي أكوالونار، وهو عبارة عن تعاون بين وكالة الفضاء البريطانية ووكالة الفضاء الكندية، جائزة بقيمة 1.2 مليون جنيه إسترليني للفرق المبتكرة التي يمكنها تطوير نظام لاستخراج وتنقية المياه من القمر. ولا يقتصر الأمر على إرواء عطش رواد الفضاء فحسب؛ يتعلق الأمر بتسخير مياه القمر لدعم السكن القمري على المدى الطويل وحتى الاستفادة منه لدعم الأمن المائي للأرض.

استخراج المياه من القمر

تم اختيار عشرة متسابقين نهائيين، حيث حصل كل منهم على 30 ألف جنيه إسترليني لإنشاء نموذج أولي يمكنه إظهار مفهومهم. وتتنوع الأفكار بقدر ما هي إبداعية، بدءًا من استخراج المياه من الحطام الصخري (طبقة غير متجانسة تغطي الصخور وتتألف من الغبار و التراب والصخور المتكسرة) (regolith) إلى استغلال الجليد القذر المدفون في الفوهات.

وتتنوع طرق التنقية المياه. حيث يقترح أحد المشاريع استخدام أجهزة الطرد المركزي لفصل الماء عن الحطام الصخري، في حين يستخدم مشروع آخر تكنولوجيا البلازما لقتل البكتيريا والملوثات الأخرى. وهناك مشروع آخر يستخدم الموجات الصوتية لتنقية المياه، وهي تقنية أظهرت نتائج واعدة على الأرض.

كيف يمكن للتكنولوجيا القمرية أن تروي عطشنا؟

لا يقتصر تحدي أكوالونار على استخراج المياه من القمر وتسخيرها فحسب؛ بل يتعلق أيضًا بخلق مستقبل أفضل لكوكبنا. إن النماذج الأولية المبتكرة التي تم تطويرها من خلال هذا التحدي لديها القدرة على إحداث ثورة في تنقية المياه على الأرض، حيث يكافح الملايين من الناس للحصول على مياه الشرب النظيفة.

وتؤكد الدكتورة ميغان كريستيان، رئيسة لجنة تحكيم تحدي أكوالونار، أن أحد الأهداف الأساسية للتحدي هو تطوير التكنولوجيا التي يمكن أن تفيد البشرية على الأرض. وأوضحت أنه في أي مكان نحتاج فيه إلى أجهزة خفيفة ومدمجة لتنقية المياه، سيكون لذلك أيضًا تأثير جيد هناك.

التطبيقات المحتملة واسعة. وفي البيئات الصناعية، يمكن لهذه الأنظمة أن تساعد في تنقية مياه الصرف الصحي والحد من التلوث البيئي. وفي المجتمعات الزراعية، يمكنها توفير المياه النظيفة للري، وزيادة غلة المحاصيل والحد من مخاطر الأمراض المنقولة بالمياه. وبالنسبة للمستجيبين لحالات الطوارئ، يمكن أن تكون أداة لإنقاذ الحياة في مناطق الكوارث حيث يندر الحصول على المياه النظيفة.

لا يقتصر تحدي أكوالونار على الفوز بالجائزة فحسب؛ يتعلق الأمر بدفع حدود الابتكار لخلق مستقبل أفضل للبشرية. من خلال الاستثمار في التكنولوجيا القمرية، فإننا لا نخطو نحو تأسيس وجود بشري مستدام على القمر فحسب، بل نخطو أيضًا خطوة حاسمة نحو إرواء عطش كوكبنا.

المصدر

Getting Water And Fuel Out Of The Moon Is A Step Closer Thanks To These Projects | iflscience

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فضاء

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 305
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *