محتويات المقال :
الإنشاءات مسبقة الصنع «Prefabricated construction»، وتسمى أحيانًا بالإنشاءات المعيارية «Modular Construction»، هي وسيلة إنشاء حديثة تعتمد على بناء وتركيب أجزاء ومكونات المباني بعيدًا عن موقع الإنشاء وتحت ظروف مصنعية متحكم بها، ومن ثم تركيب وتجميع مكونات المبنى في الموقع المراد. تدعى هذه الوسيلة بالإنشاءات المعيارية لاعتمادها على مكونات معيارية، تتراوح في الحجم بين مكونات كهربائية أو سباكة أو بنائية محددة، مرورًا بمكونات خدمية كاملة كالحمامات، وانتهاءً بوحدات كاملة يتم تصنيعها ومن ثم جمعها في مواقع البناء. تشتهر المنازل المشيّدة بهذه الطريقة باسم المنازل مسبقة الصنع.
بالطبع، هناك العديد من المكونات المعيارية المستعملة في أي عملية البناء، مثل معايير الطوب الأحمر والتي تحددها الهيئات الهندسية لضمان جودة وسلاسة عمليات البناء. لكن التصنيع المسبق «Prefabrication» يستعمل للدلالة على المكونات الأكبر حجمًا والتي تشتمل على أجزاء أصغر، كغرف الخدمات أو الوحدات السكنية. [1] [2]
يوفر التصنيع المسبق عدة فوائد لعملية البناء. فمن جهة الإنشاء فتصنيع الوحدات في بيئة وظروف متحكم بها يرفع من جودة البناء ومستويات العزل (الحراري أو المائي). كما أنه يرفع من وتيرة البناء ويسمح بإنشاء عددٍ أكبر من الوحدات في زمن أقصر (إذ يتضمن العمل الميداني مهماتٍ أقل ويمكن الاستمرار في العمل في ظروفٍ جوية أصعب). ومن جهة التخطيط العمراني فتطبيق هذه الطريقة يسمح بتوفير عددٍ أكبر من الوحدات السكنية بحيث تكون موحدة المعايير والمساحات ومضمونة الجودة. وعلى المستوى المعماري المحض، فاستعمال الوحدات المعيارية «Modules» لا يشكل قيدًا بالضرورة على التصميم المعماري، ويمكن دمجه مع العديد من المواد والتقنيات الأخرى. كما أن المباني والمنازل مسبقة الصنع لا تُظهر أي فوارق مُلاحظة عن المباني التقليدية حال اكتمالها، سواء خارجيًا أم داخليًا. [3]
أما من جهة الاستهلاك والاستدامة، فالتصنيع المسبق يسمح بتضمين تقنيات ومعايير أفضل لضمان العزل الحراري أو التدفئة على سبيل المثال. كما أنه يقلل من انبعاثات الكربون الصادرة عن مواقع الإنشاء ويقلل من مخلفات عمليات البناء.
من أكثر أنواع الإنشاءات المعيارية ومسبقة الصنع انتشارًا الآن هي «الألواح العازلة الهيكلية – Structural Insulated Panels»، وهي ألواح مصنّعة ومجهزة حسب الطلب يمكن تشكيلها حسب الحاجة والشكل المطلوبين، وتحتوي على نظم العزل الخاصة بها قبل التشييد. نظام الألواح العازلة الهيكلية ينتشر في أوروبا نظرًا لسرعته وكفاءته وامكانية تشكيل الألواح بأشكال مختلفة، ناهيك عن خصائصه الحرارية الممتازة. من النماذج الناجعة لتطبيق هذا النظام هو حي الإبداع المناخي بمدينة ليدز ببريطانيا، والذي يعتبر مشروعًا رائدًا في العمارة المستدامة وتوفير الطاقة ويوفر منازل مسبقة الصنع بجودة عالية. [4]
تتراوح أنظمة الإنشائات المعيارية في الحجم والتعقيد. فتتراوح بين أنظمة “الطوب الخشبي” التي تستعمل الخشب لبناء جدران باستعمال مكعبات خشبية أشبه بمكعبات الليجو، وبين أنظمة أكثر تعقيدًا تعتمد على معيارية أساسات وهيكل المبنى نفسه. من امثلة هذه النظم الأخيرة وأكثرها شهرة نظام «والتر سيجال – Walter Segal method»، وهو نظام يستعمل وحدات معيارية لإنشاء هياكل خشبية للمباني، بحيث تكون خفيفة الحمل ومتاحة للتشييد الذاتي دون الحاجة لشركات مختصة. تمكين الأفراد من التشييد والبناء باستخدام تقنيات الوحدات المعيارية ذاتيًا هو أحد أهداف تطوير هذه النظم ابتداءً؛ إذ أنها توفر بديلًا سهلًا ورخيصًا وفعّالًا عوضًا عن الاعتماد على شركات مختصة ذات تكلفة كبيرة.
مؤخرًا، برزت الصين كمثال لعمليات البناء السريعة. فقامت مثلًا في بداية جائحة كورونا بمدينة ووهان بتشييد مستشفى كاملة باستعمال نظام التصنيع المسبق خلال 10 أيام لاستعياب المرضى. [5] ولكن حتى لو استبعدنا عامل الإدارة الصينية المركزية، فحتى الشركات الصينية الخاصة بدأت تتوسع في هذا المجال. فمنذ فترة قريبة أتمت شركة «Broad Group» الصينية بناء برج سكني مكون من عشرة طوابق في مدة لم تتجاوز 29 ساعة. المبنى مكون من وحدات معيارية مصنعة مسبقًا، وكل ما احتاجه في موقع الإنشاء هو تركيب أجزائه وإيصال المياة والكهرباء. [6]
جدير بالذكر أن شركة “برود جروب” قد خططت عام 2012 لبناء أعلى ناطحة سحاب في العالم بارتفاع 838 مترًا باستعمال تقنية التصنيع المسبق. وكان مخططًا أن يتم الانتهاء من البرج خلال 7 شهور في البداية، وتقلصت مع بداية الإنشاءات إلى 90 يومًا فقط. إلا أن بناء البرج توقف عام 2013 وسط مخاوف حول سلامته وتوقف دعم الحكومة. [7] ويبدو أن التصنيع المسبق والإنشاءات المعيارية تنال رواجًا في دول شرق آسيا ذات الكثافة السكانية العالية. فأطول برج معياري في العالم الآن هو برج “كليمينت كانوبي” في سنغافورة، بارتفاع 135 مترًا. وقد تم بناؤه باستعمال وحدات اسمنتية مصنعة مسبقًا.[8]
مع تقدم تقنيات التصميم الحاسوبي والطباعة ثلاثية الأبعاد، بدأت هاتان التقنيات بالاندماج. إذ قام مهندسون من شركة آروب Arup البريطانية بتشييد منزلٍ عن طريق تصميمه حاسوبيًا ومن ثم طباعته باستخدام روبوت خاص. يتكون المبنى من غرفة معيشة وغرفة نوم ومطبخ وحمام، بمساحة 100 متر مربع وارتفاع 3.2 متر.
صمم المهندسون جدران المنزل، باعتبارها وحدات المبنى الأساسية، باستعمال برنامج راينو. تزن كل وحدة 1400 كجم (ما يجعل وزن المبنى كله 50 طنًا) وأخذت من 60-90 دقيقة للطباعة. استعمل هذا المشروع مزيجًا اسمنتيًّا معاد التدوير وسريع الجفاف ليستطيع مجاراة سرعة الطباعة ثلاثية الأبعاد. كما أن آلة الطباعة التي قامت بتشييده تتمكن من الطباعة مباشرة في موقع المبنى ولا تحتاج للطباعة في معمل. أخذ تشييد المبنى (أو طباعته بالأحرى) أسبوعًا ليكون آهلًا للسكن. [9] [10]
في ظل موجات التمدّن والتحضّر وتوقع ازدياد نسبة سكان المدن من العالم إلى 70% بحلول 2050، فإن الإنشاءات المصنّعة والمعيارية بشتى تقنياتها توفر حلولًا لتوفير مساكن ومنشآتٍ موفرة وفعّالة ومستدامة، بالأخص في الأماكن التي تشهد مشاريع تطوير عمرانيّ كبيرة.
المصادر: [1] Prefabrication [2] Modular architecture [3] للمزيد حول تاريخ الإنشاءات مسبقة التصنيع: المنازل الجاهزة [4] Climate Innovation District [5] China completes hospital in 10 days [6] dezeen: Modular Apartment Block in 28 Hours [7] dezeen: World's tallest Modular building [8] dezeen.com Clement Canopy [9] 3d-printed Concrete House [10] dezeen.com 3d-Printed House
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…
قام فريق من الباحثين بتطوير نموذج ذكاء اصطناعي للنباتات يسمى "PlantRNA-FM"، يمكنه فك شفرة "اللغة"…
في عام 1656، طرح الفيلسوف ويليام مولينو تجربة فكرية على جون لوك. إذا اكتسب شخص…
قام العلماء من جامعة بريستول في المملكة المتحدة بتطوير أول بطارية تعمل بالطاقة النووية في…