في صحاري مصر الحارقة، عثر علماء الآثار على قبر عمره 4100 عام لطبيب عالج الفراعنة بنفسه. وتعود المقبرة المكتشفة في موقع سقارة إلى طبيب يدعى “تيتي نب فو”، يحمل مجموعة من الألقاب المرموقة التي تشير إلى خبرته في المجالات الطبية المختلفة. وقام فريق من علماء الآثار السويسريين والفرنسيين بدراسة المقبرة ومحتوياتها، وكشف أسرار أحد أكثر الأطباء احتراما في مصر القديمة.
محتويات المقال :
البحث القديم عن المعرفة الطبية
إن السعي وراء المعرفة الطبية قديم قدم الحضارة الإنسانية نفسها. وفي مصر القديمة، كان هذا المسعى مقدسًا، ومدفوعًا بالحاجة إلى فهم تعقيدات جسم الإنسان وأسرار الحياة والموت. لآلاف السنين، غاص الأطباء المصريون في ألغاز العالم الطبيعي، بحثًا عن إجابات للأسئلة الأساسية المتعلقة بالصحة والمرض.
في هذا المشهد القديم، لم يكن الطب مجرد علم، بل كان فنًا يتطلب فهمًا عميقًا للكون وتوازن الكون. حيث اعتقد الأطباء المصريون أن جسم الإنسان هو صورة مصغرة للكون، تحكمه نفس مبادئ الانسجام والتوازن التي تنظم النجوم والفصول. أدى هذا النهج الشامل في الطب إلى مزيج فريد من الممارسات الروحية والعلمية، حيث تعايش السحر والطقوس والجرعات مع أشكال أكثر عقلانية للتشخيص والعلاج.
عندما ننظر إلى المشهد الطبي المصري القديم، نجد كنزًا من المعرفة، حيث تم تسخير الأعشاب والمواد الطبيعية الأخرى لشفاء المرضى والجرحى. نحن نرى مجتمعًا تُعتز فيه المعرفة الطبية وتنتقل عبر الأجيال، حيث يُبجل الأطباء لحكمتهم ومهارتهم، وحيث كان السعي وراء المعرفة الطبية دعوة مقدسة.
نقوش جدراية رائعة
إن الدراسات الأولية تشير إلى أن المقبرة قد تعرضت للسرقة في عصور سابقة على الأغلب، لكن الجدران ظلت سليمة تحمل نقوش محفورة ومرسومة رائعة الجمال. حيث نقش علي إحدى جدران المقبرة شكل باب وهمي ملون بألوان خلابة، كما صور مناظر للعديد من الأثاث و المتاع الجنائزي وكذلك قائمة بأسماء القرابين، يعلوها أفريز يحمل ألقاب واسم صاحب المقبرة، كما وجد سقف المقبرة مطلي باللون الأحمر تقليدا لشكل أحجار الجرانيت وفي منتصف السقف نقش يحمل اسم وألقاب صاحب المقبرة. كما عثرت البعثة أيضاً على تابوت حجري نقش الجزء الداخلي منه بخط من الكتابة الهيروغليفية يحمل اسم وألقاب صاحب المقبرة.
ألقاب متعددة للطبيب الذي عالج الفراعنة
لقد قدمت النقوش الجدارية معلومات قيمة عن وضع “تيتي نب فو” وصورت أشياء مختلفة من المحتمل أن تكون قد استخدمت في ممارسته الطبية.
لقد حصل على لقب “ساحر الإلهة سركت”، وهي الإلهة التي ارتبطت بالعقارب وكان يُعتقد أنها توفر الحماية من لسعاتها. هذا اللقب يعني أنه “كان متخصصًا في اللدغات السامة”. وتقول النقوش أيضًا أن الطبيب كان “مديرًا للنباتات الطبية”، وهو اللقب الذي ظهر في اكتشاف آخر واحد فقط من مصر القديمة.
وبالإضافة إلى هذه الألقاب، تشير النقوش إلى أنه كان “رئيس أطباء الأسنان”، وهو لقب آخر نادرًا ما يُرى. حيث أن الأدلة على وجود أطباء أسنان مصريين قدماء نادرة للغاية.
وتشير هذه الألقاب إلى أن “تيتي نب فو” كان في قمة مهنته. حيث كان بالتأكيد الطبيب الرئيسي في البلاط الملكي، لذا فمن المؤكد أنه كان يعالج الفرعون بنفسه. وزُين قبر “تيتي نب فو” بلوحات جدارية ملونة تصور مجموعة متنوعة من الحاويات، مثل الجرار وما يشبه المزهرية. كما تظهر صورًا تجريدية ملونة وأشكالًا هندسية.
إن الفراعنة الذين خدمهم “تيتي نب فو” غير مؤكدين. فوفقًا لكولومبيرت، ربما كان من بينهم بيبي الثاني (حكم من عام 2246 إلى 2152 قبل الميلاد تقريبًا) أو حكام لاحقين.
تراث أفضل طبيب في مصر القديمة
بينما نتعمق في حياة هذا الطبيب الذي عالج الفراعنة الموقر وعمله، نبدأ في الكشف عن التأثير الدائم لإرثه. إن خبرته في علاج اللدغات السامة، ومعرفته بالنباتات الطبية، ودوره كرئيس لأطباء الأسنان، لها آثار بعيدة المدى على الطب الحديث. ويضع عمله في هذه المجالات الأساس للأجيال القادمة من الأطباء والباحثين، ويقدم رؤى قيمة حول تطوير علاجات وأدوية جديدة.
علاوة على ذلك، فإن اكتشاف المقبرة بمثابة تذكير بأهمية الحفاظ على تراثنا الثقافي. ومن خلال دراسة القطع الأثرية والنقوش، نكتسب فهمًا أعمق للأشخاص والمجتمعات التي سبقتنا. وهذا بدوره يلهم جيلًا جديدًا من العلماء والمؤرخين والمستكشفين لمواصلة البحث عن المعرفة والاكتشاف.
وبينما نتعجب من اللوحات الجدارية الملونة والكتابات الهيروغليفية المعقدة، نتذكر قوة البراعة والإبداع البشري. إن قصة “تيتي نب فو” هي شهادة على الإمكانات اللامحدودة للعقل البشري، وهي تشجعنا على السعي لتحقيق التميز في مساعينا الخاصة.
المصدر
4,100year-old tomb of doctor who treated pharaohs discovered at Saqqara | live science
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :