إن تطور الكلى هو عملية معقدة لطالما أذهلت العلماء. بالنسبة لأليكس هيوز، الأستاذ المساعد في الهندسة الحيوية في قسم الهندسة بجامعة بنسلفانيا وفي علم الخلايا والتطور في كلية الطب بجامعة بنسلفانيا، فإن الكلى هي عمل فني. ويعمل هيوز وفريقه على فهم كيفية بناء الطبيعة للكلى، بهدف نهائي هو إنشاء أنسجة الكلى الاصطناعية التي يمكن أن تحدث ثورة في علاج أمراض الكلى المزمنة.
تلعب الكلى دورًا حاسمًا في الحفاظ على توازن السوائل والكهارل (Electrolyte) في الجسم، وتنظيم ضغط الدم، وتصفية الدم من الفضلات. ومع ذلك، فإن نمط الحياة الحديث قد وضع عبئا كبيرا على الكلى، مما أدى إلى أزمة صحية عالمية. حيث يعاني واحد من كل عشرة أشخاص في جميع أنحاء العالم من مرض الكلى المزمن، وهو مرض يصعب اكتشافه في البداية وغالباً لا يتم تشخيصه إلا بعد فوات الأوان.
يركز مختبر هيوز على فهم الآليات الكامنة وراء نمو الكلى واستخدام تلك الأفكار لإنشاء أنسجة الكلى من الصفر. وهذا يمكن أن يقلل من الحاجة إلى غسيل الكلى وزرعها، وهما الخياران الوحيدان لعلاج الفشل الكلوي حاليًا.
محتويات المقال :
أزمة صحية عالمية
مرض الكلى المزمن (CKD) هو قاتل صامت، يؤثر على أكثر من 850 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، ويعاني منه أكثر من واحد من كل سبعة أمريكيين. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد المذهل، مما يجعل مرض الكلى المزمن السبب الرئيسي الخامس لسنوات العمر المفقودة على مستوى العالم بحلول عام 2040. ومن الصعب اكتشاف المرض في البداية، حيث لا يدرك ما يصل إلى 90٪ من الأمريكيين المصابين بمرض الكلى المزمن حالتهم. إنه مرض يتطور بمرور الوقت وغير قابل للشفاء، مما يؤدي إلى الفشل الكلوي. وهذا يترك للمريض خيارين فقط للعلاج، غسيل الكلى أو زرع الكلى.
لا يقتصر عبء مرض الكلى المزمن على الأفراد؛ كما أنه يؤثر على الأسر ونظام الرعاية الصحية ككل. غسيل الكلى هو عملية مكلفة وتستغرق وقتا طويلا، حيث يقضي المرضى ساعات طويلة متصلين بالآلات التي تقوم بتصفية دمهم من الفضلات. علاوة على ذلك، تبلغ قائمة الانتظار لزراعة الكلى حوالي 100 ألف شخص، مع فترة انتظار تتراوح من ثلاث إلى خمس سنوات.
كشف أسرار نمو الكلى
إن تطور الكلى هو عملية رائعة ولكنها غير مفهومة جيدًا. على عكس القلب والدورة الدموية، اللذين لهما بنية موحدة، تأتي الكلى بجميع الأشكال والأحجام، ولا يوجد زوجان متماثلان تمامًا. إن عملية التفرع التي تشكل الأنابيب الكلوية (tubules) متغيرة بشكل كبير، مما يؤدي إلى اختلافات كبيرة في عدد النيفرونات (وحدة أنبوبية كلوية)، الوحدات الوظيفية للكلية، من شخص لآخر.
هذا التباين له آثار كبيرة على فهمنا لمرض الكلى المزمن، حيث أن الأشخاص الذين لديهم عدد أقل من النيفرونات قد يكونون أكثر عرضة لهذه الحالة. تخيل الكلية كشبكة توزيع المياه في المدينة، مع أنابيب صغيرة تتفرع بنمط معقد. ولكن كيف تعرف هذه الأنابيب أين تنمو ومتى تتوقف؟
ولإنشاء الكلى الاصطناعية، يدرس العلماء كيفية تطور الكلى الحقيقية. وقد اكتشفوا أنه مع نمو أنابيب الكلى، فإنها تخلق موجات ضغط ميكانيكية صغيرة. ويبدو أن هذه الموجات توجه تكوين النيفرونات. فمع نمو أنابيب الكلى وزيادة كثافة ازدحامها، فإنها تخلق موجات إجهاد صغيرة. هذه الموجات تشبه ناس في مصعد مزدحم يستمرون بدغفع بعضهم البعض.
وفي مقاطع الفيديو التي أنشأها مختبر هيوز لتوضيح العملية، تتشكل النيفرونات المتجاورة واحدة تلو الأخرى، وكأنها تتبع إيقاعًا. وما زالت هذه مجرد فرضية، لكن يعتقد العلماء أن الخلايا الجذعية الموجودة حول هذه الأنابيب تستمع بفعالية إلى موجات الضغط الميكانيكية هذه لتوجيه عملية اتخاذ القرار بشأن متى تتشكل النيفرونات أو متى لا تتشكل.
وإذا تمكن الباحثون من محاكاة هذا الإيقاع، فقد يتمكنون من توجيه تطوير الكلى الاصطناعية، وهو ما يمثل قفزة هائلة إلى الأمام في علاج مرض الكلى المزمن.
إنشاء كلى اصطناعية
في الوقت الحالي، لا تزال أنسجة الكلى الاصطناعية، في هيئة مجموعات من الخلايا المعروفة باسم العضويات، بعيدة كل البعد عن الفائدة السريرية. ففي حين تتضمن الكلى الطبيعية مجموعة منظمة من أنواع الخلايا المختلفة، فإن العضويات تنتهي عادة إلى كتل فوضوية من الخلايا في الأماكن الخطأ.
يعد التنظيم المكاني للكلى أمر بالغ الأهمية، فلا يمكن لمحطة تنقية المياه أن تعمل إذا لم تصطف الأنابيب. ومن المؤسف أن الأنابيب في العضويات عادة ما تظهر تفرعات غير كافية وتفشل في التصريف إلى نقطة خروج واحدة. بعبارة أخرى، لا يمكنها الوفاء بأهم وظائف الكلى، تصفية الدم من المخلفات وضمان خروجها من الجسم.
إن جزءاً من المشكلة هو أن الأعضاء الكلوية تتطلب ثلاثة أنواع مختلفة على الأقل من الخلايا الجذعية، نوع للأنابيب، ونوع للنيفرونات، ونوع للهياكل الداعمة مثل الأوعية الدموية. وعلى النقيض من الأعضاء المعوية، على سبيل المثال، والتي تحاكي أنسجة الأمعاء ويمكن زراعتها من نوع واحد من الخلايا الجذعية، فإن الأعضاء الكلوية أكثر تعقيداً بطبيعتها.
اقترح مختبر هيوز حلاً جديدًا لهذه المشكلة، إنشاء مجتمعات صغيرة من أنواع الخلايا المختلفة، على شكل فسيفساء. ومن خلال ضبط نسب كل نوع من الخلايا الجذعية، تمكن الباحثون من التأثير على تكوين العضويات. هذا الاكتشاف الخارق لديه القدرة على إحداث ثورة في مجال تطوير أنسجة الكلى الاصطناعية.
إن النسبة “الذهبية”، كما يسميها هيوز، هي التركيبة المثالية لنمو أنسجة الكلى. ومن خلال الضبط الدقيق لنسب أنواع الخلايا الجذعية المختلفة، يستطيع الباحثون تصميم عضويات تشبه إلى حد كبير أنسجة الكلى الطبيعية. ويقربنا هذا الابتكار خطوة أخرى من إنشاء كلى اصطناعية وظيفية يمكنها تخفيف عبء أمراض الكلى المزمنة.
تسخير قوة موجات الإجهاد الميكانيكية والعضويات المصممة
يتصور الباحثون مثل أليكس هيوز مستقبلًا حيث يمكن زراعة أنسجة الكلى الاصطناعية لتحل محل الكلى التالفة أو المريضة، مما يقلل الحاجة إلى غسيل الكلى وزرعها.
تخيل المستقبل حيث يمكن لمرضى الكلى الحصول على زراعة الكلى المصممة خصيصًا، والتي يتم زراعتها من الخلايا الجذعية الخاصة بهم ومصممة بدقة لتقليد البنية والوظيفة المعقدة لكليتهم الأصلية. ولم تعد هذه الرؤية مجرد خيال علمي، حيث يعمل الباحثون بلا كلل لسد الفجوة بين أنسجة الكلى المزروعة في المختبر والتطبيقات السريرية.
ومع استمرار الباحثين في تحسين تقنياتهم ودفع حدود ما هو ممكن، فإن حلم زراعة الكلى الاصطناعية التي يمكن أن تتكامل بسلاسة مع جسم الإنسان يقترب من الواقع. قد تكون الرحلة من المختبر إلى العيادة طويلة وشاقة، ولكن المكافأة المحتملة تستحق الجهد المبذول.
المصادر
Developing kidneys from scratch | eurekalert
Highly parallel production of designer organoids by mosaic patterning of progenitors | cell
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :