...
Ad

في اكتشاف رائد، لاحظ العلماء أن مجموعة من الحيوانات المجهرية التي تعيش في المياه العذبة، والتي تسمى دوارات بدليويديا، كانت تقوم بسرقة جينية للمضادات الحيوية. ومن الممكن أن تؤدي هذه القدرة المذهلة إلى تطوير مضادات حيوية جديدة آمنة للبشر والحيوانات الأخرى.

يكشف البحث، الذي نُشر في مجلة (Nature Communications)، أن الدوارات اكتسبت جينات من البكتيريا والميكروبات الأخرى لملايين السنين، واستخدمتها لإنتاج مواد كيميائية معقدة تساعدها في الدفاع عن نفسها. وتفاجأ العلماء الذين قاموا بهذه الدراسة، بقيادة كريس ويلسون من جامعة أكسفورد، عندما اكتشفوا أن الجينات التي اكتسبتها الدوارات لم تكن مجرد قطع عشوائية من الحمض النووي، بل كانت تعليمات لصنع المضادات الحيوية

العدوى الفطرية

تشكل العدوى الفطرية تهديدًا مستمرًا للحيوانات المجهرية مثل دوارات بدليويديا (bdelloid rotifers). حيث تتعرض هذه المخلوقات المجهرية لمجموعة واسعة من مسببات الأمراض الفطرية التي يمكن أن تسبب أمراضًا مدمرة. ومن أجل البقاء، يحتاجون إلى آليات دفاعية فعالة لمحاربة هذه العدوى.

أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها الحيوانات المجهرية هو أن أجهزتها المناعية ليست معقدة مثل تلك الموجودة في الحيوانات الكبيرة. ولا تحتوي على نفس مجموعة الخلايا المناعية، مثل الخلايا الحبيبية المتعادلة والخلايا البلعمية الكبيرة، التي يمكنها ابتلاع مسببات الأمراض الفطرية والقضاء عليها. مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى الفطرية.

بالإضافة إلى ذلك، طورت مسببات الأمراض الفطرية استراتيجيات متطورة للتهرب من أجهزة المناعة لدى الحيوانات المجهرية. على سبيل المثال، يمكن لبعض الفطريات إنتاج سموم تثبط الاستجابة المناعية، مما يجعل من الصعب مقاومة العدوى.

تاريخ المضادات الحيوية

كانت المضادات الحيوية جزءًا مهمًا في الطب الحديث لعقود من الزمن، لكن أصولها تعود إلى ملايين السنين من الحروب القديمة بين الكائنات الحية الدقيقة. قبل وقت طويل من اكتشاف البشر لقوة المضادات الحيوية، كانت البكتيريا والفطريات تستخدم بالفعل هذه الأسلحة لمحاربة بعضها البعض من أجل البقاء.

في ساحة المعركة البدائية هذه، وُلدت المضادات الحيوية الأولى. حيث طورت البكتيريا، على وجه الخصوص، ترسانة من الأسلحة الجزيئية للتغلب على منافسيها. كانت هذه المضادات الحيوية المبكرة فعالة بشكل لا يصدق، مما سمح للبكتيريا بالنمو في مواجهة المنافسة الشديدة.

لقد استفدنا كبشر كثيرًا من هذا التاريخ القديم لتطور المضادات الحيوية. ومن خلال تسخير قوة هذه المواد الكيميائية الميكروبية، قمنا بإنشاء أدوية منقذة للحياة والتي أحدثت ثورة في الرعاية الصحية. ومع ذلك، فإن اعتمادنا على هذه المضادات الحيوية أدى أيضًا إلى تطور ميكروبات مقاومة لها، مما جعل العديد من هذه الأدوية غير فعالة.

الدوارات

لقد طورت الدوارات (rotifers) استراتيجية فريدة لحماية نفسها من العدوى الفطرية، فهي “تسرق” جينات المضادات الحيوية من البكتيريا. وتسمح لهم هذه القدرة الرائعة بإنتاج عوامل جديدة مضادة للميكروبات. ولكن كيف يحصل هؤلاء الكائنات على هذه الجينات ويستخدمونها؟

الجواب يكمن في بيولوجيتهم الفريدة. حيث تلتقط الدوارات الحمض النووي من البيئة المحيطة بها منذ ملايين السنين، وهي عملية تُعرف باسم نقل الجينات الأفقي (Horizontal gene transfer). هذه الظاهرة ليست فريدة من نوعها بالنسبة للدوارات، ولكن ما يلفت النظر هو حجم ومدى اكتساب الجينات في هذه المخلوقات المجهرية. لقد خضعت الجينات المكتسبة حديثًا، بما في ذلك تلك التي تحتوي على شيفرة المضادات الحيوية، للتطور داخل الدوارات، مما سمح لها بالتكيف والازدهار في بيئتها.

سرقة جينية للمضادات الحيوية

سرقة جينية للمضادات الحيوية

وفقًا لدراسة حديثة، عندما تتعرض الدوارات للعدوى الفطرية، فإنها تقوم بتفعيل مئات الجينات التي اكتسبتها من البكتيريا والميكروبات الأخرى. تنتج هذه الجينات أسلحة مضادة، مثل المضادات الحيوية وغيرها من العوامل المضادة للميكروبات. ووجد الباحثون أن الجينات الرئيسية كانت عبارة عن تعليمات لمواد كيميائية لم نعتقد أن الحيوانات قادرة على صنعها، وكانت تبدو وكأنها تعليمات لصنع مضادات حيوية.

قام الفريق بترجمة شيفرة الحمض النووي لفهم ما كانت تفعله السرقة الجينية للمضادات الحيوية، وتفاجأوا عندما وجدوا أن الدوارات كانت تستخدم هذه الجينات لإنتاج مضادات ميكروبات جديدة. وكانت هذه المواد الكيميائية مختلفة عن الجينات المعروفة في الميكروبات، ويعتقد الباحثون أن الشيفرة قد تم تغييرها من خلال عملية التطور لإنتاج مواد كيميائية جديدة ومختلفة في الدوارات.

تقوم الجينات التي اكتسبتها الدوارات من البكتيريا بتشفير فئة غير عادية من الإنزيمات التي تجمع الأحماض الأمينية في جزيئات صغيرة تسمى الببتيدات لاريبوسومية (non-ribosomal peptides). وهذا يزيد من احتمال أن تنتج الدوارات مضادات ميكروبات جديدة قد تكون أقل سمية للحيوانات، بما في ذلك البشر، من تلك التي نطورها من البكتيريا والفطريات.

والخطوة التالية هي تحديد الببتيدات المتعددة غير المُصنَّعة من الريبوسوم والتي تنتجها دوارات بدليويديا وتحديد الظروف التي يمكن من خلالها تحفيز وتخليق هذه المركبات. وقد يؤدي هذا إلى اكتشاف مضادات حيوية جديدة أكثر أمانًا للاستخدام على الحيوانات، بما في ذلك البشر.

مستقبل المضادات الحيوية

وبينما يتصارع العالم مع التهديد المتزايد المتمثل في مقاومة المضادات الحيوية، فإن هذا الاكتشاف يثير بصيص من الأمل.

إن المستقبل حيث يمكن للأطباء وصف المضادات الحيوية التي ليست فعالة فحسب، بل هي أيضًا آمنة على جسم الإنسان، قد يكون هو الواقع إذا تمكن الباحثون من كشف أسرار التعليمات الوراثية التي تنتجها الدوارات.

وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن مقاومة المضادات الحيوية سوف تتسبب في وفاة 10 ملايين شخص سنويًا بحلول عام 2050 إذا تركت دون رادع. لقد دق ناقوس الخطر، والعلماء يسابقون الزمن لإيجاد حلول جديدة. ربما تكون الدوارات، بتاريخها القديم في الاستيلاء على الجينات، هي الأبطال غير المتوقعين الذين نحتاجهم.

المصدر

Small animals acquire genes from bacteria that can produce antibiotics / science daily

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


أحياء بيئة

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 294
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.