محتويات المقال :
يسعى الإنسان لتسخير موارد الطبيعة لما يعود عليه بالنفع والرفاهية منذ أن وجد على هذه الأرض، ويشمل ذلك استغلال الموارد الطبيعية لتوليد الكهرباء. في الآونة الأولى، اُستخدم الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء وبالرغم من آثاره السلبية على البيئة لايزال يُستخدم حتى الآن، ثم تبع ذلك استغلال الطاقة المستدامة كالرياح وطاقة المد والجزر والطاقة الشمسية. كل تلك الطرق مألوفة للكثيرين، لكن في هذا المقال سنناقش واحدةً من أغرب الطرق حيث طور فريق من العلماء جهاز لتوليد الكهرباء باستخدام البكتيريا، هذا النوع من البكتيريا عُثر عليه في شواطئ نهر بوتوماك في الولايات المتحدة الأمريكية.
تمكن الباحثون من اكتشاف ميكروب استثنائي ينتمي إلى عائلة بكتيريا الجيوباكتر التي تمتاز بقدرتها على أكسدة المركبات العضوية والمعادن. فيما مضى لاحظ العلماء قدرة بكتيريا الجيوباكتر على إنتاج «المغنيتيت –Magnetite» وهو أحد أكاسيد الحديد ويعرف باسم أكسيد الحديد الأسود ويمتاز بخصائص مغناطيسية. ولكن مع مرور الوقت، اكتشف العلماء قدرة هذا الكائن على إنتاج الأسلاك النانوية البروتينية الموصلة للكهرباء. لسنوات عدة حاول العلماء استغلال هذه الهبة الطبيعية، ومؤخرًا نجح فريق من العلماء في تصميم جهاز أطلقوا عليه اسم «Air-gen» والذي يقول عنه مهندس الكهرباء «جون ياو–Jun Yao» ” نجحنا في توليد الكهرباء حرفيًا من الهواء الرقيق!” ،قد يبدو هذا الادعاء مبالغًا فيه، ولكن في دراسة حديثة أجراها الباحث “ياو” وفريقه تصف كيف يمكن لهذا الجهاز أن يولد الكهرباء بدون أي شيء سوى وجود الهواء حوله. كل ذلك بفضل الأسلاك النانوية البروتينية الموصلة للكهرباء التي تنتجها فصيلة من عائلة «بكتيريا جيوباكتر–Geobacter» وتُعرف باسم «Geobacter.sulfurreducens».
يتكون جهاز «Air-gen» من طبقة رقيقة من الأسلاك النانوية البروتينية -المنتجة بواسطة بكتيريا جيوباكتر- بسماكة 7 ميكرومتر فقط، يتم وضعها بين قطبين مصنوعين من الذهب كما هو موضح في الشكل أدناه، تُعرّض هذه الطبقة للهواء مما يُسبب امتصاص البخار الموجود في الهواء الجوي عن طريق هذه الأسلاك النانوية. يؤدي تدرج نسبة الرطوبة إلى انتشار البروتونات في هذه الأسلاك وتولد تيار كهربائي مستمر يسري بين قطبي الجهاز. الجدير بالذكر أن هذا الاكتشاف أتى بمحض الصدفة عندما لاحظ الباحث “ياو” أنه عند توصيل الأسلاك النانوية بالأقطاب الكهربائية بطريقة معينة يتولد تيارًا كهربيًا عن طريق هذه الأجهزة. يقول “ياو” : “من الضرورة توفير رطوبة حول هذا الجهاز وذلك لكي تتمكن الأسلاك النانوية من امتصاص الماء مما ينتج عنه حدوث فرق جهد كهربي في الجهاز”.
يظهر في الشكل صورة مجهرية للأسلاك النانوية البروتينية المنتجة بواسطة بكتيريا جيوباكتر بالإضافة إلى صورة مبسطة لجهاز «Air-gen».
أظهرت الدارسات السابقة قدرة بعض المواد الكربونية المعدلة هندسيًا على استغلال رطوبة الجو لتوليد الكهرباء ولكن كانت بكميات صغيرة ولا تستمر سوى لبضع ثوان. على النقيض من ذلك ، ينتج «Air-gen» جهدًا مستمرًا يبلغ حوالي 0.5 فولت، وكثافة تيار تبلغ حوالي 17 ميكروأمبير لكل سنتيمتر مربع ويستمر توليد التيار لما يقارب عشرين ساعة قبل أن يقوم الجهاز بعملية الشحن الذاتي. بالطبع كمية الطاقة المنتجة باستخدام هذه الطريقة لاتزال أيضًا صغيرة ولا يمكن استخدامها في التطبيقات اليومية، ولكن ذكر فريق البحث بأنه يمكن مضاعفة هذه الطاقة عن توصيل أجهزة متعددة مما يسمح بتوليد طاقة كافية لشحن الأجهزة الصغيرة مثل الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية الشخصية الأخرى. تعد هذه الطريقة صديقة للبيئة ولا تخلف أي نفايات، فقط كل ما تحتاجه هو ذلك الميكروب الاستثنائي بالإضافة إلى الرطوبة.
يسعى الباحثون إلى الاستفادة من هذه التقنية على نطاق واسع كإمداد المنازل بالكهرباء عبر الأسلاك النانوية المدمجة في طلاء الجدران. يقول “ياو ” بمجرد أن ننتج هذه الأسلاك بكميات تجارية كبيرة، أتوقع تمامًا أن نتمكن من إنشاء أنظمة ضخمة من شأنها أن تسهم بشكل كبير في إنتاج الطاقة المستدامة.” ما يعيق تحقيق هذه الإمكانات المذهلة هي الكمية المحدودة من الأسلاك النانوية التي تُنتج . ولكن في بحث ذي صلة أجراه أحد أعضاء الفريق -عالم الأحياء الدقيقة ديريك لوفلي- أوضح إمكانية وجود حل لهذه المشكلة وهي هندسة الأنواع الأخرى من البكتيريا وراثيا ، مثل بكتيريا «إي كولاي –E. coli» لإنتاج الأسلاك النانونية البروتينية بكميات ضخمة. يقول لوفلي “حولنا بكتيريا إي كولاي إلى مصنع للأسلاك النانوية البروتينية “. وبالتالي سيفتح ذلك آفاقًا جديدة في تطبيق هذه التقنية على نطاق واسع. نُشر هذا البحث في دورية «Nature» في شهر فبراير الماضي.
المصادر
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…
View Comments