Ad

تعتبر الخرسانة ثاني أكثر المواد استهلاكًا في الولايات المتحدة، وهي مسؤولة عن نسبة مذهلة تبلغ 8-10% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ومع ذلك، فإن الإنجاز الذي حققه المهندسون المدنيون في جامعة ولاية ميشيغان قد يحدث ثورة في صناعة الخرسانة والبنية التحتية لدينا. حيث قام الفريق بتطوير خرسانة قابلة للانحناء تقوم بإصلاح نفسها وتنتج الحرارة، مما يجعلها خيارًا صديقًا للبيئة للطرق من حيث إزالة الثلوج والجليد.

طرق متصدعة

لقد كانت الخرسانة جزءًا مهمًا من البنية التحتية الحديثة لعدة قرون، ولكن بها نقطة ضعف كبيرة، فهي عرضة للتشقق. حيث يتسرب الماء إلى هذه الشقوق، ويتجمد، ويتوسع، مسببًا مزيدًا من الضرر. وعندما يأتي الشتاء، تتسارع هذه العملية، تاركة الطرق والأرصفة مليئة بالأضرار. إن دورة التجميد والذوبان لا هوادة فيها، وصلابة الخرسانة تجعلها عرضة لهذا الضغط المستمر.

قد يبدو استخدام ملح إزالة الجليد (deicing salt) لمكافحة الثلوج والجليد على الطرق بمثابة حل سريع، ولكن له مجموعة من العيوب. حيث يمكن أن يؤدي الكلوريد الموجود في الملح إلى تآكل الخرسانة، مما يسرع من تدهورها. كما أن أي ملح متبقي ينتهي به المطاف في المياه الجوفية، مما يسبب مخاوف بيئية.

ومع استمرار تغير المناخ، أصبح من الواضح أن الخرسانة، في شكلها الحالي، لا تتناسب مع الظروف القاسية التي من المتوقع أن تتحملها. والسؤال هو، هل يمكننا إيجاد طريقة لإعادة اختراع هذه المادة لجعلها أكثر مرونة واستدامة وأمانًا؟

تاريخ موجز للخرسانة

يعود تاريخ الخرسانة الغني إلى روما القديمة. حيث طور الرومان، المشهورون ببراعتهم الهندسية، خليطًا خرسانيًا متطورًا يُعرف باسم الخرسانة الرومانية (Opus caementicium). وتم استخدام هذه المادة المبتكرة لبناء الهياكل الشهيرة مثل البانثيون والكولوسيوم. إن متانة وقوة الخرسانة الرومانية سمحت لهذه الأعاجيب بالصمود أمام اختبار الزمن، حيث لا تزال بعض الهياكل قائمة حتى اليوم.

ومع صعود وسقوط الحضارات، ضاع فن صناعة الخرسانة وأعيد اكتشافه. ففي منتصف القرن التاسع عشر، أثارت الثورة الصناعية انتعاشًا في إنتاج الخرسانة، مدفوعًا بالحاجة إلى التوسع الحضري السريع وتطوير البنية التحتية. وأحدث إدخال الأسمنت البورتلاندي (Portland cement) في عشرينيات القرن التاسع عشر ثورة في الصناعة، مما سمح بإنشاء الخرسانة الحديثة كما نعرفها اليوم.

وفي القرن العشرين، أصبحت الخرسانة مادة أساسية للبنية التحتية الحديثة. ولكن، مع نمو فهمنا للاستدامة البيئية وتغير المناخ، بدأت المخاوف بشأن البصمة الكربونية للخرسانة في الظهور. ويستمر البحث عن بدائل خرسانية أكثر استدامة وصديقة للبيئة، حيث يسعى الباحثون والمهندسون جاهدين لتطوير حلول مبتكرة.

خرسانة قابلة للانحناء

إن المادة الخرسانية المبتكرة قادرة على تخزين طاقة أكثر من المواد التقليدية، فعندما تنخفض درجة حرارة الهواء إلى ما يقرب من درجات التجمد، تطلق المادة تلك الطاقة المخزنة على شكل حرارة. وهذا يعني أن الطرق والأرصفة المصنوعة من هذه المادة يمكنها إذابة الثلج والجليد تلقائيًا، مما يلغي الحاجة إلى ملح إزالة الجليد والمخاوف البيئية التي تأتي معه.

ولكن هذا ليس كل شيء. حيث يمكن لهذه الخرسانة أن تصلح الشقوق الرفيعة بحجم شعرة الإنسان، مما يجعلها حلاً دائمًا وطويل الأمد للبنية التحتية. كما اختبر الفريق مرونة الخرسانة لتحديد ما إذا كانت المادة قادرة على تحمل وزن وضغط حركة المرور الكثيفة بالسيارات. وأظهر اختبار الفريق أن طبقة من هذه الخرسانة يبلغ سمكها بضع بوصات فقط كافية لحماية الخرسانة الموجودة تحتها مع الحفاظ على خصائص التسخين والشفاء الذاتي.

خرسانة قابلة للانحناء
اختبار مدى انحناء الخرسانة. حقوق الصورة: https://msutoday.msu.edu/news/2024/msu-engineers-create-bendable-self-heating-and-healing-concrete


وبفضل هذه القدرات، فإن هذه المادة الخرسانية لديها القدرة على تغيير الطريقة التي نبني بها ونحافظ على الطرق والأرصفة.

التأثير البيئي والاجتماعي للخرسانة ذاتية الإصلاح

إن الخرسانة القابلة للانحناء التي طورها المهندسون المدنيون في جامعة ولاية ميشيغان لديها القدرة على إحداث ثورة في الطريقة التي نحافظ بها على بنيتنا التحتية، مما يجعل طرقاتنا أكثر أمانًا واستدامة.

يمكن أن يكون لهذه التكنولوجيا تأثير اجتماعي كبير، خاصة على المجتمعات الريفية أو المحرومة. غالبًا ما تفتقر هذه المناطق إلى إمكانية الوصول إلى خدمات إزالة الثلوج والجليد، مما يجعل طرقها خطرة وغير قابلة للعبور خلال أشهر الشتاء. ويمكن لهذه الخرسانة أن توفر حلاً أكثر أمانًا وموثوقية، مما يضمن قدرة الناس على استخدام الطرق دون تعريض حياتهم للخطر.

ومن خلال اعتماد هذه المواد الصديقة للبيئة، يمكننا أيضًا تقليل البصمة الكربونية لبناء الطرق وصيانتها. وبينما نتطلع إلى المستقبل، فإن إمكانيات هذه الخرسانة لا حصر لها. ومن خلال تبني هذه التكنولوجيا، يمكننا خلق مستقبل أكثر أمانًا واستدامة لأنفسنا وللأجيال القادمة.

المصادر

Engineers create bendable, self-heating and healing concrete | techxplore

MSU engineers create bendable, self-heating and healing concrete | Michigan state university

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


هندسة

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 389
الملف الشخصي للكاتب :

التالي

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *