دخلت جوائز نوبل في الكيمياء والفيزياء لهذا العام التاريخ من خلال الاعتراف بالمساهمات الرائدة لأبحاث الذكاء الاصطناعي. حيث حصل ديميس هاسابيس، الرئيس التنفيذي لشركة (DeepMind)، وزميله جون جامبر، إلى جانب ديفيد بيكر من جامعة واشنطن، على جائزة نوبل في الكيمياء لعملهم الرائد في استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بهياكل البروتين. ويمثل هذا تحولا كبيرا في الاعتراف بتأثير الذكاء الاصطناعي على العلوم. كما حصل جيفري هينتون وجون هوفيلد على جائزة نوبل في الفيزياء عن عملهما في مجال التعلم الآلي. فما هو مصير أبحاث الذكاء الاصطناعي بعد نوبل؟
محتويات المقال :
دخول الذكاء الاصطناعي غير المتوقع إلى نادي نوبل
إن هذا الفوز يسلط الضوء على الدور المتزايد الأهمية الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي. إن خوارزميات الذكاء الاصطناعي قادرة على معالجة كميات هائلة من البيانات وتحديد الأنماط التي قد لا ينتبه لها الباحثون. وقد أدى ذلك إلى تقدم كبير في مجالات مثل التنبؤ ببنية البروتين، حيث مكّن الذكاء الاصطناعي الباحثين من إجراء تنبؤات بدقة غير مسبوقة.
ومع ذلك، فإن دخول الذكاء الاصطناعي إلى نادي نوبل يثير أيضًا تساؤلات مهمة حول طبيعة الاكتشاف العلمي ودور الإنسان في عملية البحث. ومع تزايد اندماج الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي، هل سنبدأ في رؤية تحول بعيدًا عن الاكتشاف الذي يركز على الإنسان ونحو أساليب أكثر آلية تعتمد على الخوارزميات؟ وما هي انعكاسات هذا التحول على فهمنا للعلم ودوره في المجتمع؟
خوف من الاهتمام الزائد عن اللزوم بالذكاء الاصطناعي
لقد رأينا بالفعل تأثير وسائل الإعلام والاهتمام العام بالذكاء الاصطناعي على المجتمع الأكاديمي. فقد تضاعف عدد المنشورات حول الذكاء الاصطناعي ثلاثة أضعاف بين عامي 2010 و2022، وفقًا لبحث أجرته جامعة ستانفورد، مع نشر ما يقرب من ربع مليون ورقة بحثية في عام 2022 وحده، أي أكثر من 660 منشورًا جديدًا يوميًا. وذلك قبل أن يبدأ إصدار (ChatGPT) في نوفمبر 2022 ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
الواقع أن هناك خوف نابع من التزايد المفاجيء في الاهتمام بتقنيات ثورية أخرى. حيث توجد ضجة دائمًا حول أي شيء جديد، مثل تقنية سلسلة الكتل، أو البلوكتشين (blockchain)، والجرافين (graphene). فبعد اكتشاف الجرافين في عام 2004، نُشرت 45 ألف ورقة أكاديمية حول هذه المادة بين عامي 2005 و2009.
ولكن بعد فوز أندريه جيم وكونستانتين نوفوسيلوف بجائزة نوبل لاكتشافهما هذه المادة، ارتفع عدد الأوراق المنشورة إلى 454 ألف ورقة بين عامي 2010 و2014، وأكثر من مليون ورقة بين عامي 2015 و2020. ومن المؤكد أن هذا الارتفاع في الأبحاث لم يكن له سوى تأثير متواضع في العالم الحقيقي حتى الآن.
الذكاء الاصطناعي سيف ذو حدين
هناك قلق من أن ينتبه الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي إلى التقنية، وليس العلم، عندما يحاولون تفسير سبب الفوز بالجائزة هذا العام. كما أن الباحثين قد يميلون إلى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي دون فهم كامل لقيودها، مما يؤدي إلى بحث معيب. حيث يأمل العلماء ألا يؤدي هذا إلى جعل الباحثين يستخدمون بوتات الدردشة بشكل غير مناسب، من خلال الاعتقاد الخاطئ بأن جميع أدوات الذكاء الاصطناعي متكافئة.
علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي التركيز على الذكاء الاصطناعي إلى تحول في مجال الاهتمام. حيث أن الباحثين قد يمنحون الأولوية للمكاسب قصيرة المدى على الفهم طويل المدى. إن الحصول على المزيد من البيانات الأساسية من الطبيعة، والتوصل إلى نظريات جديدة يمكن للبشر فهمها، هي أمور يصعب القيام بها، لأنها تتطلب تفكيرًا عميقًا.
إن إجراء عمليات المحاكاة التي يدعمها الذكاء الاصطناعي هو أمر أكثر إنتاجية للباحثين، لأنها تدعم النظريات الحالية وتتضمن البيانات الموجودة. وللأسف هذا يؤدي إلى تحقيق قفزات صغيرة للأمام في الفهم، بدلاً من قفزات عملاقة.
ومكمن القلق هنا هو أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى خنق الابتكار والإبداع في البحث العلمي، حيث يعتمد الباحثون على الخوارزميات بدلا من الحدس البشري والإبداع. كما أن علماء الكمبيوتر يتمتعون بسمعة مستحقة لأنهم يحشرون أنوفهم في مجالات لا يعرفون عنها شيئا، ويصممون بعض الخوارزميات، ويطلقون عليها اسم التقدم، للأفضل و/أو الأسوأ.
في نهاية المطاف، يعد دمج الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي سلاحًا ذا حدين. في حين أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تسريع التقدم العلمي، فإنه يشكل أيضًا مخاطر على جودة البحث ونزاهته.
مستقبل الذكاء الاصطناعي
أحد أكبر المخاطر هو أن الباحثين قد يعتمدون بشكل مفرط على أدوات الذكاء الاصطناعي، ويضحون بالفهم الأساسي من أجل السرعة والكفاءة. وقد يؤدي هذا إلى انتشار الأبحاث ذات الجودة المنخفضة، حيث يعطي الباحثون الأولوية للنشر على الجوهر.
ومن ناحية أخرى، يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على إحداث ثورة في الاكتشافات العلمية من خلال تمكين الباحثين من تحليل كميات هائلة من البيانات، وتحديد الأنماط، ووضع التنبؤات. ويمكنه أيضًا تسهيل التعاون وتسريع وتيرة الابتكار، مما يسمح للعلماء بمعالجة المشكلات المعقدة التي كانت مستعصية على الحل في السابق.
وفي نهاية المطاف، يعتمد مستقبل العلم على قدرتنا على تسخير قوة الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على فهم عميق للمبادئ والنظريات الأساسية. ومن خلال تحقيق التوازن بين الإبداع البشري والابتكار التكنولوجي، يمكننا إطلاق العنان للإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي ودفع تقدم ملموس في العلوم.
المصدر
How the AI Nobel Prizes Could Change the Focus of Research | wired
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :