من أكثر الأسئلة الجدلية، والقديمة قدم الحضارة الإغريقية نفسها. من قديم الأزل والإنسان يسأل عن أصل الأشياء. أرسطو نفسه سأل عن أصل الدجاجة، وقال إن الدجاجة والبيضة كليهما أزلي
. أما عن سؤالنا، فليس بالجديد أيضًا؛ فالفيلسوف اليوناني بلوتارخ طرح هذه المعضلة في وقت كان الفلاسفة فيه مشغولين بأصل الكون. تكمن المعضلة في أن البيضة تأتي من الدجاجة، والدجاجة تأتي من البيضة! كأننا في دائرة مفرغة، ولكن بالطبع أحدهما جاء أولًا، صحيح؟
محتويات المقال :
علميًا، تطور الدجاج من الديناصورات. بداية من نوع من الديناصورات يسمى Proceratosaurus ووصولًا إلى دجاج الأدغال الأحمر Gallus gallus (Red jungle fowl)، ثم الدجاج المنزلي والمعروف باسم gallus gallus domestics (Chicken).
كان يعتقد أن تدجين الدجاج بدأ في حضارة وادي السند من 2000 سنة قبل الميلاد [1]، إلى أن ظهرت دراسة تعيد تدجين الدجاج إلى 6000 سنة قبل الميلاد. اعتمدت الدراسة على أدلة أثرية وُجدت في الصين، وجنوب آسيا، وأوروبا، وكذلك أدلة لها علاقة بالمناخ القديم في الصين. [2]
مع تطور العلم، وبالتحديد علم الأحياء الجزيئية، تأكد العلماء ممن انحدار الدجاج المنزلي gallus gallus domestics من دجاج الأدغال الأحمر [3].
انتشر الدجاج من موطنه الأصلي، وهو حضارة وادي السند في جنوب آسيا، إلى غرب وشرق القارة الآسيوية في الألفية الثالثة والثانية قبل الميلاد. وبحلول القرن الثامن الميلادي، وصل الدجاج إلى أوروبا عن طريق الفينيقيين.
كان الدجاج يستخدم قديمًا في الكثير من الاحتفالات والشعائر مثل وضعه في المدافن والتماثيل الطينية كما استخدمه الصينيون. أما الآن فالدجاج مختلف تمامًا؛ حيث يوجد بأشكال وأحجام مختلفة، وألوان جذابة ومتنوعة، كما أن صفاته تتناسب مع إنتاجه للبيض واللحوم. [4]
“من أتى أولًا: الدجاجة أم البيضة؟” لا أريد أن أخيب آمالك، ولكن لا حاجة إلى أن تكلف نفسك عناء قراءة هذا المقال لكي تجيب على هذا السؤال! فأنت بالفعل من المفترض أن تكون استنتجت الجواب من الفقرة الأولى. فالديناصورات ما هي إلا أسلافًا للدجاج كما ذكرنا.
الطيور الحديثة مثل الدجاج تطورت من ديناصورات آكلة لحوم، والحلقة الوسيطة بينهما، مثل الآركيوبتركس، عاشت في العصر الجوراسي. وتخبرنا الحفريات أن أسلاف الطيور الحديثة عاشت في العصر الطباشيري. ما يعني أن الطيور جاءت بعد الديناصورات بفترة طويلة جدًا. [6]
الحفريات الأقدم لبيض الديناصورات تعود إلى 190 مليون سنة مضت، وحفريات الآركيوبتركس والتي تعتبر حفريات أقدم طائر معروف ومعترف به في الوسط العلمي، تعود إلى 150 مليون سنة مضت. [5]
بالعودة إلى السؤال العام: البيضة أم الدجاجة؟ نجد أن البيض في العموم ظهر قبل حوالي 340 مليون سنة مضت، وأول سلالة من الدجاج المعروف حاليًا ظهرت من حوالي 58 ألف سنة مضت.[3]
وبناءً على ما سبق، فالبيضة جاءت أولًا، ولكن هذه الإجابة ليست عن سؤالنا المقصود، بل هي مجرد إجابة على السؤال العام: البيضة أم الدجاج أولًا؟ بالتأكيد البيضة. فالديناصورات كانت تبيض، مثلها مثل الزواحف حاليًا. السؤال الصحيح يجب أن يُعنى ببيض الدجاج.
بعدما طرح الفيلسوف اليوناني بلوتارخ هذا السؤال، حاول القساوسة مثل أوغسطينوس الإجابة عليه من خلال الكتاب المقدس. ووفقًا لسفر التكوين، فإن الدجاجة جاءت أولًا.
ومع تطور العلم ظهر فريقان، كل منهما بأدلة مختلفة. الفريق الأول سنسميه “فريق البيضة”، والثاني “فريق الدجاجة”:
هذا الفريق يعتمد بشكل أساسي على نظرية التطور، فتطوريًا البيضة جاءت أولًا. وكما نشر الكاتب العلمي لدى هيئة الإذاعة البريطانية BBC، لويس فيلازون، مقالًا يستند فيه إلى أدلة تطورية لتدعيم موقفه، يوضح فيها قصة السلف المشترك وأن التغيرات الجينية التي تحدث في الحمض النووي لأجيال اللاحقة تؤدي في الغالب إلى بعض الخصائص المفيدة للكائن ليتكيف مع بيئته، وهذا ما يسمى بالانتخاب الطبيعي Natural Selection. [7]
من حوالي 10 آلاف سنة مضت كان يعيش سلف الدجاج الحالي، وهو دجاج الأدغال الأحمر Red Jungle Fowl، الذي ذكرناه سابقًا، في إندونيسيا. ومع تزاوج ذكر هذا السلف بالأنثى تنتج البويضة المخصبة أو الزيجوت ومع حدوث الطفرات التي تحدثنا عنها نتج الجيل الجديد وهي الدجاج الأبيض الذي نعرفه اليوم. [7]
أما عن هذا الفريق، فيرى أن الدجاجة جاءت أولًا، وبالطبع يدعم موقفه بالأدلة العلمية. فبعد مقال لويس فيلازون، قام باحثون من جامعتي شيفلد و ورويك برفض تفسير الكاتب العلمي؛ حيث استخدموا حاسوباً خارقاً وقاموا بتطبيق آلية تسمى بال metadynamics ليروا مكونات البيضة، فاكتشفوا وجود بروتين يسمى ovocledidin-17 (OV-17) ويعمل هذا البروتين على تسريع عملية تكوين قشرة البيضة. وعلى هذا الأساس استنتجوا أن الدجاجة جاءت أولًا، لأن هذا البروتين مصدره الدجاج. [7]
وضح العلماء أن الطيور التي تبيض لا تستخدم بالضرورة نفس البروتين وهذا سبب سرعة تكون قشرة البيض عند الدجاج بنسبة أعلى من الطيور.
هذا ملخص القصة، فلا يوجد جواب نهائي على هذا السؤال الذي حير العلماء من أيام أرسطو. مجرد عرض وجهات النظر وعليك أنت أن تقرر عزيزي القارئ، ولن تلام إذا رجحت فريق على الآخر، فكلاهما تحدث بالعلم.
المصادر
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…
View Comments