Ad

ضجت الأخبار في الآونة الأخيرة بقصة القرود في الهند التي قتلت 250 كلبًا انتقامًا لقرد رضيع قتلته الكلاب في الهند. حيث قامت عشرات القرود بمهاجمة الكلاب بشكل وحشي واختطفتهم من الشوارع وألقتهم من أماكم مرتفعة!

نشرت وسائل الإعلام صورة لأحد القرود وهو يمسك جروًا صغير ويصعد به إلى مكان مرتفع ويقذفه إلى أسفل. وحينما حاول الأطفال والأهالي حماية الكلاب وجهت القردة غضبها نحو السكان؛ وأُصيب بعضهم بجروح حينما هاجمت القرود طفلًا في الثامنة من عمره وجرّته بعيدًا، إلا أن الأهالي تمكنوا من إنقاذه قبل أن تقتله القردة الغاضبة.

دفعنا هذا الحدث للتساؤل عن مشاعر الانتقام؟ وما تأثيرها على أدمغتنا؟ وهل الانتقام صفة إنسانية خاصّة، أم أنه صفة تطورية تمتلكها باقي الحيوانات أيضًا؟

تفسير الانتقام عند البشر

رغم قسوة الانتقام، إلا أن العلم قد أظهر أن الدماغ البشري يمكن أن يستمتع بأنواع معينة منه. حيث كشفت فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي(MRI) أن التفكير في الانتقام ينشط مركز المكافأة. إذ يزيد إنتاج الدوبامين -الناقل العصبي الذي يُشعرك بالرضا- بنفس الطريقة التي يزيد بها عندما تتناول الحلوى أو المخدرات.

في هذا السياق، علينا أن نكون دقيقين جدًا في تمييز أنواع السلوك التي تُعتبر انتقامًا. كما علينا التفكير في السلوكيات التي تولدها الآليات النفسية المصممة للوظائف البيولوجية وفق «مايكل ماكولو- Michael McCullough» أستاذ علم النفس ومدير مختبر التطور والسلوك البشري.

قد تتساءل لم علينا أن نقوم بمثل هذا التمييز بين السلوكيات؟ حسنًا، هناك سلوكيات يمكن أن تبدو كأنها انتقام، ولكنها ليست كذلك. لنأخذ على سبيل المثال شعورك بنشوة الانتقام عند موت قاتل أبيك، هل كان راحة؟ أم إحساسًا بالعدالة؟ أم متعةً بسيطة للانتقام؟

ستسمع الناس يقولون أشياء تبدو صحيحة: إنها تصحيح خطأ ما، أو خدمة العدالة، لكن كل هذا حقًا غير كافٍ ليُسمى انتقامًا. فالانتقام لا يتمحور حول رغبة الإنسان بتحقيق العدالة.

لتعريف الأمثل للانتقام هو رغبتك بجعل مكاسب الأشخاص الذين قاموا بإيذائك أقل، كأن تصل إلى أعمق نقطة منهم وتُغير شعورهم الجيد الذي حققوه عند إيذائك.

أحد أهداف الانتقام هو تغيير حوافز عدونا لمواصلة الكفاح العنيف ضدنا. ترتفع رغبتك بالانتقام عندما يشاهد أشخاص آخرين تعرضك للإهانة، لأنك في تلك الحالة تفكر أنك إذا لم تنتقم ستُصبح لقمة سائغة في فم الجميع.[1[

هل يجب أن يكون الفعل قويًا ليُعتبر انتقامًا؟

ليس من الضروري حقًا أن يكون الفعل قويًا، مثلًا عندما تقود سيارتك ويصادفك سائق يتصرف معك بأسلوب متبجّح، قد تختار الصراخ أو الشتم. سبابك لن يدفع  السائق الآخر للخوف منك أو تحاشيك ولكنه نوعًا ما سيجعلك تشعر أن ذلك السائق لم يستطع إيذائك دون أن ينال عقابه.

قد يبدو السلوك غير فعال في العالم الحديث، ولكنه كان ليكون فعالًا جدًا في الوقت الذي ضُبطت فيه عقولنا حيث كان عدد الناس والمجموعات أقل مما هو عليه الآن.

ما هي آثار مشاعر الانتقام على الدماغ؟

نحن لا نشعر بالانتقام من أي شخص، ولكن نشعر بالرغبة في الانتقام حصرًا عندما يأتي الأذى من شخصٍ نهتم به ونعرفه جيدًا. لذا كغريب يشاهد الأحداث لن تشعر بشيء. فعندما يتعرض شخص ما للإهانة أو سوء المعاملة، لا ينشط نظام المكافأة في الدماغ فحسب، بل تنشط قشرة الفص الجبهي الأمامية للدماغ أيضًا.

تنشط هذه المنطقة عندما تخطط لتحقيق هدفٍ ما. لنقل أن هناك شيء تريد العمل عليه، مثل التدريب للماراثون القادم. حين نخطط لهذه الأنواع من الأهداف، نرى نشاطًا مختلفًا في القشرة الأمامية اليسرى. يهدف هذا النشاط إلى التخطيط لكيفية وصولنا إلى ما نريده. يبدو الانتقام في دماغنا كرغبة في الحصول على شيء نريده بشدة. [1[

هل نتشارك مشاعر الانتقام مع غيرنا من الكائنات الحية وفقًا لمسارنا التطوري؟

أحد المفاهيم التي اعتقد بعض الباحثين أنها فريدة من نوعها عند البشر هي فكرة الإنصاف، أي أن الجميع يجب أن يحصلوا على نفس المزايا والعيوب. وللتحقق مما إذا كانت الشمبانزي تؤمن بالإنصاف، درس الباحثون كيفية استجابتها لما قد يعتبره البشر حالات غير عادلة.

قام العلماء بوضع الشمبانزي واحدًا تلو الآخر في أقفاص، حيث يمكنها الحصول على الطعام من طاولة منزلقة خارج القفص. وكان لكل شمبانزي حبل يمكنه أن يرمي الطعام على الأرض عند سحبه. لم يقم أيًا من الشمبانزي بسحب الطاولة عندما كانوا يأكلون، ولكن عندما سرق أحد الشمبانزي الطعام من الآخر من خلال شدّ الحبل قام الأول بعدها بسحب الحبل 50% من المرات. تعتبر هذه التجربة دليلًا على أنهم يغضبون عندما يتم إيذائهم ويقومون بالانتقام حقًا.

هل يختلط انتقام القرود بالحقد؟

حسب التجربة السابقة نفسها، عندما وضع الباحثون الطعام أمام الشمبانزي ومنعوهم من الأكل، لم يسحبوا الحبل أو يرموا الطعام لمجرد رؤية القردة الأخرى تأكل منه. وهذا يشير إلى أن الشمبانزي ليس حاقدًا، فهم لم يعاقبوا باقي القردة لحصولهم على ما لا يمكنهم هم أنفسهم الحصول عليه. [2]

ما هي آلية انتقام القرود من بعضها؟

لا تعبث مع قرد، لأنك إذا فعلت ذلك، قد ينتقم من عائلتك وأصدقائك! ففي دراسة أُجريت على قرود المكاك اليابانية، ظهر أنها تجمع المعلومات عن شركاء بعضها البعض لتستفيد منها عندما يحين وقت الانتقام. اهتم الباحثون بمسألة كيفية حصول المكاك على مثل هذه الدراية الاجتماعية والاستفادة منها، لذا قرر الباحثون التركيز على نوبات العدوان.

اطلعت المجموعة البحثية على أكثر من 500 ساعة من تسجيلات الفيديو التي تظهر التبادلات التي جرت في مجموعة من 57 قرد مكاك يعيشون في حديقة حيوانات روما. ثم قاموا بتحليل حوالي 15,000 حلقة من العدوان التي خاضها القرود، منتبهين إلى العلاقات بين الأفراد المعنيين.

أولًا، أكد الباحثون أن القرود التي تجد نفسها في الطرف المعتدَى عليه تميل إلى الالتفاف ورد العدوان على طرف ثالث. وغالبًا ما يوجه هذا الانتقام إلى أحد أقارب المعتدي الأصلي. ولكن كيف تحدد القرود من هم الأقرباء؟

حسنًا، قد تعتقد أن الإجابة تكمن في أنهم كانوا متواجدين لفترة كافية ليكبروا سويًا، ولكن لا يبدو أن هذا هو الحال. عندما نظر الباحثون في الصراعات التي تنطوي على القرود الأكبر سنًا، تبين أن الأقارب لم يتم استثنائهم من الانتقام. حيث بدا أن الضحايا سيستهدفون شركاء مهاجمهم (القرود الأخرى المرافقون له). إن لم يكونوا أقاربه، فهم على الأرجح المقربون منه.

ومن المثير للاهتمام، أن هناك فائدة لضرب أفراد الأسرة في سبيل تحقيق العدالة. كانت قرود المكاك التي بحثت عن أقارب القرود التي أرادت تسوية الحساب معهم أقل عرضة للإيذاء مرة أخرى في المستقبل. في حين بدا أن النحيب على الأصدقاء لم يقدم سوى ارتياح فوري، ولكن لن يضمن الحماية في المستقبل. [3]

المصادر

  1. scientific american
  2. live science
  3. scientific american

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تطور

User Avatar

Tama Shahoud

طالبة في كلية الإعلام, مترجمة و كاتبة محتوى


عدد مقالات الكاتب : 6
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : Batoul sirees

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق