Ad

٤ محطات مهمة في تاريخ نظام السلامة والصحة المهنية

لم يكن تاريخ نظام السلامة والصحة المهنية مفروشًا بالورود، على العكس تمامًا. تخيل نفسك طفلاً يعيش في عصر الثورة الصناعية. أيقظك أباك في الخامسة فجرًا كي تنزل معه للعمل في المصنع. دورك في المصنع يتلخص في القيام بحركة بسيطة في غرفة المحرك الضيقة، لكنك ستقوم بها طوال اليوم. الرافعة التي تحركها يوميًا تحافظ على سرعة العمل وزيادة الإنتاج، ولم يلجؤوا إليك كطفل إلا لضيق المساحة المطلوب إدخال يدك فيها، فالتروس ستقطع يد الشخص البالغ بسبب حجمها، بينما تنساب ذراعك في خفة يمينًا ويسارًا في أمان خادع. الحقيقة أن ذراعك على بعد خطوة من القطع داخل التروس، لكن لا يوجد قوانين تحميك من التواجد في هذا المكان في ذلك العصر. ولهذا سنتحدث عن تاريخ نظام السلامة والصحة المهنية

مرحلة الثورة الصناعية ببريطانيا

نظام السلامة
صورة “غداء على قمة ناطحة سحاب” الأيقونية في مانهاتن، نيويورك عام 1932، للمصور الأمريكي “تشارلز إيبيت” على إرتفاع 260 متر.
credit: http://cdn.historydaily.org/content/52330/b8dc6778f5b0763dc4cf3b8df95af767.jpg

دعنا نرجع إلى عام 1760 م، هذا العام المحوري في تاريخ بريطانيا خاصةً، فقبل هذا العام، كان من المعتاد كسب العيش من خلال العمل في الزراعة، أو من خلال العمل اليدوي عن طريق صنع المنتجات اليدوية بالمنازل ثم بيعها. ولكن بعد هذا العام بالتحديد بدأت الثورة الصناعية ببريطانيا، حيث ظهرت الماكينات البخارية.

بدأت بريطانيا باستبدال العمل اليدوي بالماكينات، فتوافد الفلاحون إلى المدن، هاربين من استعباد الإقطاعيين لحياةٍ ظنوا أنها رغدة وبها الحرية والمال. ولكن أدى العدد الهائل من الأشخاص الباحثين عن عمل مع وجود رغبة من أصحاب العمل إلى العمالة الرخيصة كعادة الأمر.

نتيجة لذلك، تدهورت حالة الأجور بشدة أكثر مما كانت، ولم ينتهي الأمر على هذا الحد بل تدهورت مستويات الأمان في المصانع، وزيادة عدد ساعات العمل لتصبح أكثر من 12 ساعة في اليوم [1] [2]، -ولك أن تتخيل أن كل هذا لم يكفي- بل وتم استخدام الأطفال من سن 4 سنوات لصغر حجمهم، فكانوا يستخدمونهم في الدخول إلى المناطق الضيقة الصغيرة بالآلات، والتي لا يستطيع الشخص البالغ بأن يصل إليها. فكان من الطبيعي أن يخسر الكثير منهم أطرافهم، بل وخسارة حياتهم حتى! [2]

أصيبت العديد من الفتيات اللواتي عملن في مصانع الكبريت بمرض “الفك الفوسفي”، تسبب التعرض المباشر للغازات الناتجة عن الفسفور بدون أقنعة لضمور عظام الفك. [3]

كل تلك الحوادث هي أمثلة فقط وليست للحصر، حتى تأخذ فكرةً عن طبيعة الحياة والعمل في هذه الفترة.

“قانون المصنع”، بذرة نظام السلامة وحقوق العاملين

كان الرأي السائد حينها أنه إذا وقعت حادثة وكان المُصاب سببًا فيها فإن صاحب العمل لا يلتزم بأية مسئولية على الإطلاق، وحينما زادت الحوادث بشكل مفزع وأصبح الكل يتحدث عنها وخاصة بعض المُحسنين من أرباب العمل، ظهر أخيرًا شخصٌ يُدعى السير “روبرت بيل” -وهو نفسهُ كان مالكًا لأحد المصانع-.
أنشأ السير “روبرت” قانوناً لحماية صحة العاملين دُعيّ بـ«قانون المصنع»، ثم قدمه إلى البرلمان البريطاني بهدف تحسين وتنظيم ظروف العمل. [1] [2]
نصّ هذا القانون على:

  • وجود نوافذ كافية وفتحة للتهوية، مع تنظيفهم مرتين سنويًا على الأقل بالجير الحي والماء.
  • تحديد ساعات العمل بما لا يزيد عن 12 ساعة في اليوم، مع التوقف عن العمل ليلاً
  • توفير ملابس مناسبة وأماكن نوم لكل عامل (توفير سرير واحد لكل اثنين على الأكثر!).
  • تعليم وإرشاد العاملين على تعلم القراءة، والكتابة، ومبادئ الديانة المسيحية.

وفي حالة مخالفة هذا القانون، كانت تُطبق غرامات تتراوح بين 2 -5 جنيهات إسترلينية. ولكن على الرغم من هذا فشل هذا القانون؛ حيث كان يُسند القضاء والحكم في هذه المحاكمات إلى بعض الزوار/الغرباء عن المنطقة التي بها المحكمة، والذين كانوا بدورهم من أصحاب المصانع في أماكن أخرى، ولذلك لك أن تتخيل الحُكم النهائي![2]

وأيضًا، تم تطبيقه على نطاق محدود للغاية سواء من حيث شدة القوانين وفائدتها الفعلية للعاملين، أو من حيث الأماكن التي طُبق بها. حيث كان يُطبق فقط بمصانع المنسوجات القطنية، إلا أنه قد اعتُبر البداية الفعلية لتنظيم وتقنين نظام السلامة والصحة للعاملين.

“نيكسون” وقانون السلامة والصحة المهنية

والآن فلنترك بريطانيا بثورتها الصناعية، ونذهب سريعًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدًا إلى أواخر الستينات.

حيث كانت فترة مضطربة في أمريكا، ظهرت خلالها مخاوف جدية خارج البلاد أو داخلها. فكانت هناك العديد من القضايا التي تطلبت اهتمام البلاد مثل: الحقوق المدنية للمواطنين، حقوق المرأة، البيئة، وخارجيًا كان الاهتمام ينصب على فيتنام.

في الوقت ذاته، كانت الإصابات والأمراض المهنية تتزايد من حيث العدد والخطورة. حيث زادت إصابات الإعاقة بنسبة 20 في المائة خلال العقد، وكان 14000 عامل يموتون أثناء العمل كل عام. [4]

ومثلما ظهر في بريطانيا السير ” روبرت بيل”، ظهر أيضًا في هذا التوقيت في أمريكا عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيو جيرسي السيد “هاريسون ويليامز جونيور”، حيث طالب وضغط من أجل تمرير سريع لتشريعات السلامة والصحة في مكان العمل، وعاونهُ أيضًا من مجلس النواب: النائب السيد “ويليام أ. ستايغر”، حيث نوه أيضًا إلى أن الإصابات/الوفيات الناتجة عن العمل تودي إلى خسارة مليارات الدولارات من حيث الأجور والإنتاج الضائع. [4]

كل هذا شجع الرئيس “ريتشارد نيكسون” إلى توقيع قانون السلامة والصحة المهنية لعام 1970. المعروف أيضًا باسم قانون “ويليامز-ستايغر” تكريمًا للرجلين الذين ضغطا بشدة من أجل إقراره. [4]

أنشأ قانون السلامة والصحة المهنية ثلاث وكالات دائمة:

  • إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA) Occupational Safety and Health Administrationوكانت داخل وزارة العمل لوضع وإنفاذ معايير السلامة والصحة في مكان العمل؛
  • المعهد الوطني للسلامة والصحة المهنية (NIOSH) The National Institute for Occupational Safety and Healthفيما كان يُعرف آنذاك بوزارة الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية لإجراء أبحاث حول السلامة والصحة المهنية؛
  • لجنة مراجعة السلامة والصحة المهنية (OSHRC) Occupational Safety & Health Review Commissionوهي وكالة مستقلة للفصل في إجراءات الإنفاذ التي يطعن فيها أصحاب العمل.
  • وقد كلف قانون الصحة والسلامة المهنية، المعروف في البداية باسم “قانون حقوق السلامة”، إدارة السلامة والصحة المهنية “الأوشا” بضمان ظروف آمنة وصحية للرجال والنساء العاملين.

دور منظمة “الأوشا” في وقتنا الحالي

منذ أيامها الأولى، كانت “الأوشا” وكالة صغيرة ذات مهمة كبيرة، فعندما افتتحت الوكالة أبوابها للعمل في أبريل 1971، غطت إدارة السلامة والصحة المهنية 56 مليون عامل في 3.5 مليون مكان عمل. [4]

أما اليوم، يتطلع 105 مليون عامل من القطاع الخاص وأرباب العمل في 6.9 مليون موقع إلى OSHA للحصول على إرشادات حول قضايا السلامة والصحة في مكان العمل. [4]

في الوقت نفسه، انخفضت الوفيات في أماكن العمل إلى النصف، وانخفضت معدلات الإصابة والأمراض المهنية بنسبة 40٪.[5]

بالإضافة إلى ذلك، يُترجم انخفاض أيام العمل الضائعة وتكاليف تعويض العمال إلى وفورات كبيرة لأصحاب العمل، وتستفيد الشركات أيضًا من معنويات وإنتاجية الموظفين المحسّنة.

وبقدر ما تبدو هذه الإحصائيات مثيرة للإعجاب، إلا أنها لا تنقل بشكل كامل حجم نجاح إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA) خلال الثلاثين عامًا الماضية، حيث أن انخفاض الوفيات والإصابات والأمراض تعني عددًا أقل من الرجال والنساء المصابين أو المعوقين في العمل وعدد أقل من العائلات التي تُحزن على فقدان أحد أحبائها. وهذا يعني عودة المزيد من العمال إلى منازلهم بشكل كامل وبصحة جيدة كل يوم. لا يمكن أن يكون هناك مقياس أفضل للنجاح من هذا.

المصادر

  1. History of OSH
  2. History of OSH by David Eves
  3. The Royal College of Surgeons of England
  4. OSHA
  5. OSHA

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تاريخ

User Avatar

Beshoy Samy


عدد مقالات الكاتب : 6
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق