Ad

متى ظهرت موانع الحمل؟ من أين بدأت؟ وكيف تطورت؟ تتنوع موانع الحمل في وقتنا الراهن ما بين أقراص منع الحمل والعازل المهبلي والواقي الذكري واللولب الرحمي وغيرهم، لكن السؤال هنا كيف كان الحال منذ مائة عام مثلًا أو مائتين أو قل أربعة ألاف؟

متى ظهرت موانع الحمل؟ من أين بدأت؟ وكيف تطورت؟

العالم القديم

انتشرت موانع الحمل قديمًا في مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين واليونان وروما. ترجع أقدم صور موانع الحمل إلى عام ١٨٥٠ ق.م. حيث عُثر على برديات بها وصايا لمنع الحمل، الكثير منها وصفات طبيعية تعتمد على النباتات والأعشاب. منها تلك التي تنتمي لمصر القديمة وتوصي باستخدام سدادة لعنق الرحم من العسل وصمغ السنط والكتان وذلك لصد الحيوانات المنوية. أو استخدام خليط من روث التماسيح والعسل وبيكربونات الصوديوم لخلق وسط حامضي يقلل «حركة الحيوانات المنوية-sperm motility» بينما فعليًا ساعد استخدام بيكربونات الصوديوم القلوي على زيادة حركة الحيوانات المنوية. كذلك مدّ فترة الرضاعة حتى ثلاث سنوات. وأخرى تنتمى لبلاد ما بين النهرين عُرفت ببردية الكاهون نصت على مضغ أقراص من صمغ السنط. أما عن اليونان وروما، فانتشر استخدام النباتات كموانع للحمل، أهمها: «السيلفيوم-silphium». انتشر هذا النبات في مناطق شمال أفريقيا (ليبيا حاليًا) وحظي بشهرة واسعة، فكانت قيمته تفوق قيمة وزنه من الفضة. ولكن في النهاية أدى الاستهلاك المتزايد إلى انقراض السيلفيوم بشكل كامل. وهنا بدأ الأطباء استخدام بدائل ذات خصائص مشابهة منها: «الحلتيت-asafoetida» وهو الأقرب للسيلفيوم وآخر يُدعى «الجزر البري-queen anne’s lace» الذي ما زال يُستخدم حتى وقتنا الحالي في بعض مناطق الهند. وبمرور الوقت توصل أحد الأطباء إلى طريقة «العَزْل-coitus interruptus» التي تتضمن سحب القضيب قبل بدء عملية القذف.

موانع الحمل وخرافات العجائز

لم تسلم النساء من المعلومات الخاطئة والخرافات فيما يخص موانع الحمل، ومن أقدم تلك الخرافات ما وُصيت به المرأة في بلاد اليونان من أن تحبس أنفاسها قبل بدء عملية القذف ثم تعطس مباشرة بعد انتهائها. أو كما انتشر في بلاد الفرس في القرن العاشر الميلادي من أن تصرخ المرأة وتقفز للخلف سبع أو تسع مرات لمنع الحمل، أو تقفز للأمام لإحداث الحمل. أما شعب الهوسا في شمال نيجريا فآمن بقدرة التمائم والتعويذات السحرية، فكتابة تعويذة على ورقة صغيرة توضع في كيس جلدي يربط حول خصر المرأة كافٍ لمنع الحمل. واعتادت نساء الهند في القرن السابع الميلادي شرب الزئبق والرصاص الذي يؤدي بالفعل إلى العقم أو الموت. بالإضافة إلى ذلك، اتجهت بعض النساء إلى الإجهاض باستخدام النباتات مثل: «حشيشة الدود-tansy» وآخر من فصيلة النعناع يدعى «الفُوتَنْج-pennyroyal» لكن الجرعة المطلوبة لإحداث الإجهاض يمكن أن تؤدي إلى تدمير الكبد والكليتين.

العصور الوسطى

لم تلق موانع الحمل رواجًا كبيرًا في أوروبا في العصور الوسطي، فلم تكتفِ الكنيسة الكاثوليكية بإبداء رفضها وحسب بل ذهبت إلى وصم من تستخدمن موانع الحمل بالشعوذة، لكن النساء تابعت استخدامها على أية حال. وفي عام ١٥٦٤م، ظهر الواقي الذكري لأول مرة كوسيلة لمنع انتشار « الأمراض المنتقلة جنسيًا-STDs» لا كمانعٍ للحمل ويرجع ذلك إلى تفشي مرض «الزهري-syphilis» في غرب أوروبا في تلك الفترة. وأتت مذكرات المغامر الإيطالي الشهير «جياكومو كازانوفا- Giacomo Casanova» بوصفٍ للأشكال والأحجام المختلفة للواقي الذكري، فكان كازانوفا نفسه يستخدم غلافًا من أمعاء الحيوانات المعقود بشريط حريري لمنع الأمراض المنتقلة جنسيًا والحمل، كما ذكر المواد المختلفة التي استخدمتها النساء لصد الحيوانات المنوية مثل الأعشاب والفاكهة والأقمشة، لكن كازانوفا أوصى باستخدام نصف ليمونة معصورة أو قطعة صغيرة من الإسفنج المُشبع بالبراندي.

القرن الثامن عشر

تابعت النساء استخدام موانع الحمل المُتعارف عليها خلال النصف الأول من القرن، أما النصف الثاني فشهد ضجة كبيرة حول الواقي الذكري، وذلك لتطور الصناعة وانخفاض سعر المطاط مما ساعد على انتشاره. وعلى الرغم من ذلك، لم يكن الطريق ممهدًا أمام النساء للاستفادة من هذه الوسائل، حيث استمرت الكنيسة في إبداء رفضها وعاونتها المؤسسات السياسية حتى أصدرت العديد من الولايات الأمريكية عام ١٨٤٠م تشريعًا يمنع تداول موانع الحمل. وبحلول عام ١٨٧٣م أصدرت الحكومة قرارها بتجريم موانع الحمل، ثم تجريم الإجهاض عام ١٨٨٨م. جاءت تلك التشريعات كجزء من «قانون كومستوك-comstock act» الذي اعتبر استخدام موانع الحمل فعلًا فاضحًا.

العصر الحديث

صُنع أول «لولب رحمي-IUD» عام ١٩٠٩م من أمعاء دودة القز، واُستبدل بآخر من الفضة عام ١٩٢٠م. لم ينتشر استخدام اللوالب سوى عام ١٩٦٠م لتوافر البدائل البلاستيكية حينها ولاستمرار القوانين المانعة طوال تلك الفترة. وهنا ظهر دور المقاومة، «مارجريت سانجر-margret sanger» أول من نشرت مصطلح «تحديد النسل-birth control» عام ١٩١٤م وافتتحت أول عيادة لتحديد النسل عام ١٩١٦م. لكن يُعلق نشاطها بعد تسعة أيام فقط، ويُقبض على سانجر لاختراقها قانون كومستوك وتُقدم للمحاكمة. ساعدت التغطية الإعلامية لتلك للمحاكمة على إثارة حركة تحديد النسل، لتؤسس سانجر بعد خمس سنوات من ذلك التاريخ أول اتحاد لحركة تحديد النسل في الولايات المتحدة الأمريكية. مهدت جهود سانجر وغيرها الطريق أمام العلم للبحث والتجريب فيما يخص صحة المرأة وموانع الحمل. حتى ظهرت أقراص منع الحمل عام ١٩٥٠م وانتشرت عام ١٩٦٠م، احتوت النسخ الأولية من أقراص منع الحمل على ما يقرب من ١٥٠ ميكرو جرام من هرمون الإستروجين، وفي نهاية الستينات درس العلماء احتمالية وجود علاقة بين النسبة المرتفعة لهرمون الإستروجين والإصابة بجلطات الدم أو السكتات الدماغية، ونتيجة لذلك طُورت أقراص تحتوي على ٣٠ ميكرو جرام فقط من هرمون الإستروجين. وتابع العلماء تطوير أقراص مصغرة تحتوي نسبًا ضئيلة من الإستروجين أو البروجسترون فقط.

وفي وقتنا الحالي، تحتوي الجرعة الشهرية من أقراص منع الحمل على نسبة هرمونات تعادل أو تقل عن نسبتها في قرص واحد يعود إلى بداية الستينات. ما بين الماضي والحاضر قطعت النساء شوطًا طويلًا منذ بداية التاريخ حتى اليوم فيما يخص صحتها الجنسية. بدايةً بالعسل وروث التماسيح، ومرورًا بخرافات العطس والقفز وتجرع المواد السامة، وانتهاءًا بأقراص منع الحمل. أثرت تلك الأقراص على حياة النساء بشكل كبير، حيث أشارت الأبحاث أن ثلث الأرباح التي جنتها النساء منذ بداية الستينات جاءت كنتيجة مباشرة لاستخدام أقراص منع الحمل. وكذلك ارتفاع معدل الالتحاق بالكليات في السبعينات بنسبة ٢٠٪ بين النساء اللاتي توفرت لهن الأقراص. علاوة على ذلك، ساعدت الأقراص على تحسين تجربة الحمل وتقليل المخاطر الصحية الناجمة عن الولادات المتكررة. بالإضافة إلى العائد الاقتصادي وتقليل معدلات الفقر بين كل من الأطفال والبالغين.

المصادر:

١-
Science Direct
٢-
Pandia Health
٣-
Our Bodies Selves

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


حياة طب صحة تاريخ

User Avatar

Esraa Ahmed

إسراء أحمد، مصر. طالبة بالسنة الأخيرة لكلية العلاج الطبيعي، محبة للقراءة والكتابة الإبداعية، مهتمة بمجال الأدب وعلم النفس والصحة النفسية.


عدد مقالات الكاتب : 29
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق