Ad

لم يكن الكيميائي السويدي الشهير «ألفريد نوبل-Alfred Nobel» مهتمًا بالرياضيات. ولم تكن بالنسبة له مجالًا عمليًّا ويمكن للبشر الاستفادة منه وذلك على عكس القصة الشائعة التي تقول أنه بسبب حبيبته التي تزوجت من رياضي؛ قرر نوبل أن ينتقم ويحرم علماء الرياضيات من جائزته، أو في رواية أخرى، زوجته التي خانته مع رياضيّ. على الرغم من تأكيد الأدلة أنه لم يتزوج قط! إضافةً إلى ما يؤكد زيف القصة هو وجود جائزة اسكندنافية لعلماء الرياضيات في هذا الوقت. فحينها لم تكن هناك حاجة إلى المنافسة مع جائزة أخرى؛ فكان هدف نوبل الرئيس المساهمة بجوائزه للعلوم العملية المتعلقة بالروح البشرية. لكن هنالك جائزة شهيرة تعادل جائزة نوبل -لكن في الرياضيات-، ذائعة الصيت ومستمرة إلى وقتنا هذا. ألا وهي «جائزة أبيل-Abel Prize» لعلماء الرياضيات البارزين.

ما هي جائزة أبيل؟

أُسست جائزة أبيل من قِبل الحكومة النرويجية في عام 2002. تكريمًا لعالم الرياضيات النرويجي «نيلز هنريك أبيل-Niels Henrik Abel» وتدار الجائزة بواسطة الأكاديمية النرويجية للعلوم والآداب. كان من أوائل الداعمين لتأسيس جائزة أبيل هو عالم الرياضيات النرويجي «سوفوس لي-Sophus Lie»، الذي بذل جهودًا في دعم تأسيس صندوق أبيل. وكان من رأيه منح جائزة أبيل كل خمس سنوات لعمل متميز في الرياضيات البحتة وذلك نظرًا لخروج مجال الرياضيات من خطط ألفريد نوبل منذ عام 1897م.

على الرغم من وجود دعم من المراكز الأوروبية الرائدة في الرياضيات ولكن كانت كل تلك الوعود مرتبطة بـ سوفوس لي. فبعد موته؛ ماتت تلك الوعود معه. لكن وضعا عالما الرياضيات «كارل ستورمر-Carl Størmer» و«لودفيج سيلو-Ludwig Sylow» قوانين وقواعد لهذه الجائزة بالتعاون مع الأكاديمية النرويجية للعلوم والآداب. لكن لماذا هذا السعي؟ لقد استغرق وجود جائزة باسم عالم الرياضيات أبيل أكثر من 100 عام. فمن هو نيلز هنريك أبيل؟

من هو نيلز هنريك أبيل؟

ولد نيلز هنريك أبيل في 5 أغسطس 1802م وكان الابن الثاني وكان يعيش مع عائلته في مزرعة في روغالاند جنوب غرب النرويج. انتقل نيلز هنريك في الثالثة عشر من عمره إلى المدرسة الكاتدرائية في «كريستيانيا-Christiania» في خريف عام 1815. ففي القرن التاسع عشر، كانت هناك بعض الإصلاحات التي تخص التعليم من حيث إدراج اللغات والعلوم الحديثة في المناهج الدراسية، ومدرس المادة بدل من مدرس الفصل، والتعامل بإنسانية أكثر مع الطلاب والاهتمام بالأنشطة التعليمية كأولوية. أما في حال وجود عقوبة جسدية؛ فكان ذلك لتعزيز أخلاقيات الطلاب وغيرها الكثير من الاصلاحات.

في تلك الفترة، اشتهر مدرس الرياضيات «هانز بيتر بدر-Hans Peter Bader» بتلك المدرسة بفصوله التي يدرس لها بالطرق التقليدية. وفي نوفمبر 1817، ضرب هذا المعلم تلميذًا بشدة لدرجة أن التلميذ ظل طريح الفراش ومات بعد ثمانية أيام. حينها رفض الطلاب الحضور لهذا المدرس واضطر المدير في البحث سريعًا على مدرس آخر.

فجاء مدرس جديد يدعى «بيرنت مايكل هولمبو-Bernt Michael Holmboe». كان هولمبو متبنيًا لأفكار تربوية جديدة وبدأ في إعطاء تلاميذه مشاريع منفردة وسرعان ما اكتشف قدرات أبيل الاستثنائية وأعطاه دروسًا خصوصية. وقد أذهلت قدرات وحماس أبيل لمشاكل البحث الرياضي معلمه بالفعل.

عبء الأسرة الواقع على أبيل

توفى والد نيلز هنريك أبيل في 1820، ووقع أخيه في الاكتئاب ولم يتعافي نهائيًّا منه. واضطر نيلز لتحمل مسؤوليات عائلته وهو طالب والتي كانت حملًا ثقيلًا. لكن هولمبو ساعده كثيرًا.

وبما أن أبيل تعلم على يد معلمه الكلاسيكيات في الأدب الرياضي واقترح عليه بعض المشاكل الرياضية لحلها ودرس أعمال كل من نيوتن وأويلر ومعاصريه مثل جاوس ولاجرانج، ولم تكن تقدم الجامعة أي درجة علمية في العلوم الطبيعة سوى في علم اللاهوت والطب والقانون. إضافةً إلى أن هولمبو جمع لأبيل الأموال التي مكنته من دخول جامعة أوسلو (كريستيانيا) في 1921. فأكمل أبيل الأربع سنوات في الجامعة واستمر في دراسته على نحو مستقل مع مزيد من المساعدة من هولمبو لاحقًا.

في ربيع 1823م، ظهر بمقالة في أول مجلة علمية في البلاد وهي مجلة (Magazin for Naturvidenskaberne)، وكذلك عملان صغيران آخران نُشرا لأبيل. في نفس العام أتيحت له فرصة السفر إلى كوبنهاغن؛ لزيارة علماء الرياضيات هناك. فشارك أبيل في الحياة الطلابية وعمل قليلًا على نظرية فيرما وبدأ في دراسة الدوال الإهليلجية، إذ عاش مع خالته وزوجها. التقى في حفلة هناك بـ «كريستين كيمب-Christine Kemp» البالغة من العمر 19 والتي جاءت إلى النرويج في العام التالي وخطبها.

في عام 1824، زادت الجهود المبذولة لتزويد أبيل بالتمويل العام إلى أن حصل على منحة حكومية لمدة عامين. إلى جانب الوعد برحلة إلى الخارج لمدة عامين آخرين. في ربيع نفس العام، دفع أبيل من جيبه الخاص لطباعة عمله على معادلات الدرجة الخامسة وكتب هذه الورقة بالفرنسية وضغط الدليل في ست صفحات قصيرة.

نقلة محورية

كتب أبيل رسالة شخصية للملك كارل يوهان ملك السويد واستطاع تقديم تاريخ رحلته إلى الخارج. في سبتمبر 1825، غادر كريستيانيا وشروط المنحة كانت الانتقال من كوبنهاغن؛ لمقابلة عالم الرياضيات جاوس، من ثم باريس. لكن بعد وصول أبيل الى كوبنهاغن، غير مساره إلى برلين.

في برلين، قابل أبيل المهندس المهتم بالرياضيات «ليوبولد كريل-Leopold Crelle» والذي وجد هدفه الذي يسعى إليه في أبيل وهو نشر مجلة رياضية في برلين تنافس مجلات عريقة في فرنسا. فبحلول عام 1826، نُشر العدد الأول وكانت تلك المجلة التي سينشر فيها أبيل معظم أعماله التي تمكن من كتابتها واكتسبت بفضل أبيل شهرة سريعة كواحدة من المجلات الرائدة في أوروبا ومستمرة حتى يومنا هذا ومتمتعة بشهرة دولية، وقضى أبيل أربعة شهور ملهمة في برلين مع كريل وعلماء رياضيات آخرون. فكان تغيير مسار الرحلة بمثابة نقلة محورية في حياة أبيل.

كان العمل الأول الذي نشره أبيل في مجلة Crelle هو نسخة موسعة من الدليل على أن معادلات الدرجة الخامسة العامة لم تكن قابلة للحل عن طريق استخراج الجذور. قطع أبيل شوطًا طويلاً نحو إيجاد حلول مقبولة لهذه المعادلات. لم تكن تلك أعمال أبيل الوحيدة في العام الأول له بالمجلة بل حوالي سبع أعمال أخرى. رافق أبيل في رحلاته علماء نرويجيون شباب، كان معظمهم يدرسون علم المعادن والجيولوجيا. بالنسبة لهؤلاء العلماء.

لم يصل إلى باريس حتى يوليو 1826، إذ على الرغم من أن أبيل قد بدأ الآن في النشر في Crelle’s Journal في برلين؛ لكنه احتفظ ببعض الأعمال التي كان يعتقد أنها رؤى جديدة لأكاديمية باريس. قدم أبيل أطروحته في باريس الخاصة بالدوال الإهليلجية إلى الأكاديمية العلمية في نهاية أكتوبر 1826.

مرض أبيل

استمر في العيش في باريس لبقية العام وفي أثناء انتظاره للإجابة، أكمل عملين آخرين. ومع ذلك، وُضعت أطروحة أبيل في باريس جانبًا ونُسيت. اتضح له أن إقامته في باريس كانت مخيبة للآمال؛ حزن للغاية وكان مصابًا بالحمى والسعال. كان هنالك طالب طب في دائرة العلماء الذين يتردد عليهم أبيل من حين لآخر. اعتقد أن أبيل كان يعاني من مرض السل.

غادر أبيل باريس في نهاية عام 1826 فقيرًا ومرهقًا، وعاد إلى أصدقائه في برلين. عُرض عليه منصب محرر مجلة Crelle؛ لكنه رفضها. كان يشعر بالحنين إلى الوطن وأراد أن يضع قدرته العلمية في خدمة وطنه. واصل كريل بدوره جهوده للحصول على وظيفة آمنة لأبل في برلين.

العودة إلى النرويج

عاد أبيل إلى النرويج في نهاية مايو 1827، قيّمت رحلته بالفشل؛ لم ينشر أي شيء في باريس، ولم يزر جاوس. على الرغم من أعماله التي نشرت في مجلة Crelle. لكن ما هي المكانة التي تتمتع بها هذه المجلة الجديدة في برلين؟ أصبح أبيل غير قادر على تجديد المنحة، فحصل على قرض خاص، لم يقدر على سداده. إضافة إلى إرادته أيضًا في سداد ديون أسرته. لكن مرة أخرى نال أبيل منحة.

كان أخر عام ونصف لأبيل مثمر بسلسلة من الرسائل العلمية التي قدمها إلى كريل في برلين. إذ عمل على المعادلات الجبرية والدوال الإهليلجية والمتسلسلات اللانهائية. وقد قدم مساهمات رائدة في جميع هذه المجالات والتي أرسلت معظمها إلى برلين. في صيف عام 1828، بعد سباق في النشر مع عالم الرياضيات الألماني كارل غوستاف جاكوبي. نشر أبيل أطروحة مهمة عن الدوال الإهليلجية في الملاحظات الفلكية.

تحسن الوضع المالي لأبيل في ربيع عام 1828، حيث عُيّن مؤقتًا كمحاضر، إضافة إلى عددًا من وظائف التدريس الأخرى. قرر أبيل قبول أي وظيفة قد تعرض عليه في برلين. في صيف عام 1828، كان هو وخطيبته يتطلعون إلى أن يتزوجو ويستقرو في برلين.

أطروحة باريس؛ تنشر بعد موته

تشخيص الطبيب الشاب كان صحيحًا، إذ ظل أبيل طريح الفراش ومرض لعدة أسابيع مع عمله المكثف في ذلك الوقت في خريف 1828. بعدها زاد المرض عليه وبدأ يسعل الدم لمدة اثنى عشر أسبوعًا وفي تلك الفترة كان يحاول قدر الإمكان حين تحسنه كتابة ورقة رياضية واحدة وكانت تلك الورقة التي حاول فيها مرة أخرى صياغة الأفكار الرئيسة لأطروحته الشاملة حين كان في باريس. استهلك المرض أبيل في عمر صغير وكان قلقًا على خطيبته؛ فطلب من أحد العلماء الشباب الاعتناء بها وبعد عام ونصف تزوجت من هذا الشاب. توفى أبيل في 6 أبريل 1829. وفي 8 إبريل؛ لم تضع أطروحة باريس وعُثر عليها. طلب العلماء في باريس نشر أعمال أبيل، وبالفعل في عام 1839، نشرت أعماله إلا أطروحة باريس التي نشرت لأول مرة في عام 1841. وذهبت جائزة الأكاديمية إلى والدة أبيل.

الاحتفال بالذكرى المئوية لأبيل

كانت هنالك ثلاث مهام للخطة الرئيسة لتكريم أبيل، وهي الاحتفال على نطاق واسع في العاصمة كريستيانيا مع احتفالات محلية. ثانيًا؛ إقامة نصب تذكاري لعبقرية أبيل، أما ثالثًا؛ الحديث عن إنشاء جائزة أبيل الدولية ونفذت بالفعل المهمة الأولى والثانية. أما الثالثة كما ذكرنا كانت بفضل جهود سوفوس لي في البداية، الذي كان متحمسًا ومؤيدًا لتأسيس جائزة أبيل.

نهاية؛ نظرًا لاسهاماته مثل نتيجته التي تعد أول دليل كامل يثبت استحالة حل المعادلات الخماسية العامة وكان ذلك سؤال مفتوح ولا يوجد حل له لأكثر من 250 عامًا. وكونه مبتكرًا في مجال الدوال الاهليلجية ومكتشف مجموعة أبيليان. أتى ملك السويد أوسكار الثاني الذي أيد وشارك في احتفال أبيل وانجذب إلى فكرة تأسيس جائزة. ففي خلال الاحتفالات في عام 1902؛ أعلن عن رغبته في منح ميدالية ذهبية كل خمس سنوات لأعمال الرياضيات تحت إشراف الجمعية العلمية لكريستيانيا (الآكاديمية النروجية للعلوم والآداب حاليًا).

الفائز بجائزة أبيل لعام 2022

حصل عالم وأستاذ الرياضيات في جامعتي ستوني بروك ومدينة نيويورك «دينيس بارنيل سوليفان-Dennis Parnell Sullivan» على جائزة أبيل لعام 2022؛ لمساهمته في الطوبولوجيا. وتحديدًا جوانبها الجبرية والهندسية والديناميكية، وتقدر الجائزة بـ 7.5 مليون كرونة نرويجية أي ما يعادل 860 ألف دولارًا أمريكيًا.

دينيس سوليفان؛ الحائز على جائزة أبيل لعام 2022

كرس سوليفان جزءًا كبيرًا من حياته المهنية لفهم المساحات الطوبولوجية والتي تسمى المتشعبات وقدم تصنيفًا كاملًا للمتشعبات من نوع معين في خمسة أبعاد أو أكثر. كذلك أهتم وأحرز تقدمًا في مشكلة تتعلق بطرق مختلفة لتقسيم الفتحات إلى قطع صغيرة مثلثة. وفي أثناء سعيه طور نظرية تسمى «الجراحة-Surgery» والتي تتضمن تغيير متشعب إلى آخر بواسطة قطع وإعادة تشكيل أجزاء منه. فيتمثل أهم إنجاز لسوليفان في طريقته الجديدة أيضًا لفهم نظرية التماثل -حقل فرعي من الطوبولوجيا– والتي تتنوع تطبيقاتها في الفيزياء والاقتصاد وعلم البيانات…

المصادر

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


رياضيات

User Avatar

Ayaa Yasser

آية من مصر، أدرس الرياضيات، مُحبة للعلوم والبحث العلمي.


عدد مقالات الكاتب : 48
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق