مثلما تبدأ رحلة الألف ميل بخطوة واحدة، فإن مسار الإشارات المعقد داخل الخلية يبدأ بحدث رئيسي واحد، وهو ارتباط الجزيء المرسل للإشارة، بالجزيء المتلقي أو المستقبل (ارتباط الدواء بمستقبل واعطاء تأثير سواء ضار أو نافع)، ومن هنا تنبع أهمية المستقبلات من كونها هدف دوائي للسيطرة على العديد من الحالات المرضية، سأبدأ في هذا المقال _ الجزء الخامس من سلسلة الأدوية _ بطرح أول سؤال والإجابة عنه، ما هي المستقبلات؟
محتويات المقال :
ما هي المستقبلات؟
المستقبل-recptor”: بروتين يرتبط بجزيء معين، يُعرف الجزيء الذي يربطه باسم ligand، قد يكون هذا الأخير عبارة عن أي جزيء، بدءًا من المعادن غير العضوية إلى البروتينات التي يصنعها الكائن الحي والهرمونات والناقلات العصبية، ويتواجد المستقبل إما على سطح الخلية أو داخلها في السيتوبلاسما أو في النواة.
القفل والمفتاح
يساعد مفهوم القفل والمفتاح في فهم التداخل الحاصل بين المستقبل والليجند، يُشبه الليجند بالمفتاح الذي يتطلب تلائمًا دقيقًا مع القفل الذي يمثل المستقبل، إن فتح القفل يقابله تفعيل المستقبل، الذي يخضع لتغير في شكله بحيث يرتبط بالليجند.
آلية ارتباط الليجند بالمستقبل
يرتبط الليجند بموقع الارتباط على بروتين المستقبل، عندما يحدث هذا الارتباط، يخضع المستقبل لتغيير في الشكل، والذي بدوره يؤدي إلى تغيير في وظيفة البروتين، وهنا يمكن أن يحدث عدد من الأشياء، منها:
قد يصبح المستقبل إنزيمًا ويجمع أو يفصل جزيئات معينة بشكل فعال.
حدوث سلسلة من التغييرات في البروتينات ذات الصلة، مما يؤدي في النهاية إلى نقل نوع من الرسائل إلى الخلية، من مثل: رسالة تنظيم التمثيل الغذائي، أو نقل إشارة حسية.
يتمتع المستقبل بقدرة معينة على التمسك بالرابط، وهو ما يُعرف باسم ألفة الربط، بمجرد أن يتلاشى هذا الجذب، سيُطلق المُستقبل الرابط، ويخضع لتغيير الشكل الأصلي، وستنتهي الرسالة أو الإشارة.
تقسم المستقبلات من حيث آلية العمل إلى:
يمكن للجزيئات ligands التي ترتبط بالمستقبلات، إما أن تعمل كمحفزات/مقلدات/ناهضات، وهنا تحفز المستقبلات على نقل معلومات الإشارة، أو تعمل كمضادات/مثبطات/مناهضات، فتمنع المستقبلات من نقل المعلومات.
المقلد/الناهض agonist:
إذا ارتبط الدواء مع المستقبل وأنتج استجابة حيوية تحاكي استجابة الليجند داخلي المنشأ، فإنه يدعى بالمقلد، وهو قد يكون كامل أو جزئي، أو عكسي.
- “ناهض كامل-full agonists”: له فعالية عالية، ينتج استجابة كاملة مع احتلال نسبة منخفضة نسبيًا من المستقبلات، غالبًا ما تكون هناك حاجة لشغل 5-10٪ فقط لإنتاج استجابة كاملة، أي أن 90٪ من المستقبلات ليست ضرورية للحصول على أقصى استجابة وبالتالي تكوين “احتياطي المستقبل-spare receptors”.
- “ناهض جزئي-partial agonists”: حتى لو شُغلت جميع المستقبلات فإن المقلد الجزئي لا ينتج التأثير الأعظمي Emax كما يحدث بالمقلد الكامل، أي ينتج عنه تنشيط دون الحد الأقصى حتى عند احتلال إجمالي عدد المستقبلات، وبالتالي لا يمكنه إنتاج الاستجابة القصوى، بغض النظر عن التركيز المطبق.
تعمل العديد من الهرمونات والنواقل العصبية (مثل الأسيتيل كولين والهيستامين والنورادرينالين)، والأدوية (مثل المورفين والفينيليفرين والأيزوبروتيرينول والبنزوديازيبينات والباربيتورات) كمنبهات.
المضاد/المناهض antagonists
يعاكس عمل المستقبل ويثبطه، يمكن تصنيف مضادات المستقبلات على أنها قابلة للعكس أو غير عكوسة، إذ تنفصل مضادات المستقبلات القابلة للعكس بسهولة عن مستقبلاتها؛ بينما تشكل المضادات غير العكوسة رابطة كيميائية مستقرة أو دائمة أو شبه دائمة مع مستقبلاتها.
من حيث التأثير العلاجي وحسب الحالة المرضية، فكل من الناهض والمناهض مفيد، على سبيل المثال، يزيد هرمون الأدرينالين (الإبينفرين) من ضغط الدم عن طريق تنشيط مستقبلات بيتا الأدرينالية، مما يؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية، أما في المقابل، يمكن استخدام مضادات تسمى حاصرات بيتا كأدوية لخفض ضغط الدم لأنها تثبط المستقبلات، مما يسمح للأوعية الدموية بالاسترخاء.
ارتباط الناهض والمضاد بنفس المستقبل
إذا ارتبط كل من الناهض والمضاد بنفس الموضع على المستقبل، يقال بأنهما متنافسان، ويكون التنافس قابل للعكس أو غير عكوس.
ارتباط تنافسي
competitive antagonism: ارتباط المضاد بالمستقبل يمنع الناهض من الارتباط بالمستقبل.
ارتباط غير تنافسي
noncompetitive antagonism: يرتبط الناهض والمضاد في وقت واحد، ولكن قد يقلل ارتباط المضاد من عمل الناهض أو يمنع عمله.
ارتباط تنافسي قابل للعكس
reversible competitive antagonism: يشكل الناهض والمضاد روابط قصيرة الأمد مع المستقبل، ويتم الوصول إلى حالة ثابتة بين الناهض والمضاد والمستقبل، يمكن التخلص من تأثير المضاد عن طريق زيادة تركيز ناهض، على سبيل المثال، النالوكسون naloxone، وهو أحد مضادات مستقبلات الأفيون التي تشبه المورفين من الناحية الهيكلية، عند إعطائه قبل المورفين بفترة وجيزة أو بعده، يعيق تأثيرات المورفين، ومع ذلك، يمكن التغلب على العداء التنافسي للنالوكسون بإعطاء المزيد من المورفين.
تقسم المستقبلات إلى أربعة عائلات:
- المستقبلات المرتبطة ببروتين G
- المستقبلات المرتبطة بالأنزيمات
- المستقبلات المرتبطة بالأقنية الأيونية
- المستقبلات داخل الخلايا
المستقبلات المرتبطة بالقناة الأيونية
ligand-gated-ion channel: يرتبط الليجند بالمستقبل، مما يؤدي إلى فتح القناة ويصبح غشاء الخلية منفذًا لأيونات معينة إلى داخل وخارج الخلية. تُعرف هذه القنوات باسم “ligand-gated” لأنها مرتبطة بالمستقبلات التي تشغلها. من أمثلة هذه المستقبلات: مستقبلات الأسيتيل كولين النيكوتين، ومستقبلات حمض غاما أمينوبوتيريك (GABA).
المستقبلات المرتبطة ببروتين G
بروتين G هو عبارة عن ثلاثة وحيدات subunits، وهما ألفا وبيتا وغاما، عندما يرتبط الليجند بالمستقبل تنفصل الوحيدة بيتا وغاما عن ألفا، وترتبط الوحيدة ألفا مع الغوانوزين ثنائي الفوسفات GDP، الذي يتحول إلى غوانوزين ثلاثي الفوسفات GTP، يقود هذا الأخير إلى تفعيل adenylyl cyclase مما يحفز تحويل ATP إلى cAMP. من أمثلة هذه المستقبلات: مستقبلات الأسيتيل كولين المسكارينية، ومستقبلات بيتا الأدرينالية، ومستقبلات الدوبامين، ومستقبلات 5-هيدروكسي تريبتامين (سيروتونين)، ومستقبلات الأفيون.
المستقبلات المرتبطة بالأنزيمات
Enzyme-linked receptors: مستقبلات تملك نشاط أنزيمي كجزء من تركيبها أو وظيفتها، ارتباط الليجند بهذا المستقبل ينشط أو يثبط الفعالية الأنزيمية، ومن أهم أمثلة هذه المستقبلات التايروزين كيناز.
المستقبلات داخل الخلوية
تختلف العائلة الرابعة من المستقبلات عن سابقاتها الثلاثة – المستقبل على سطح الخلية- بأن المستقبل يكون بكامله داخل الخلية، ولذلك يجب أن ينتشر الليجند إلى داخل الخلية ليرتبط مع المستقبل، ويضع ذلك قيودًا على الخصائص الفيزيائية الكيميائية لليجند ليعبر إلى داخل الخلية، أي أنه يجب ان يكون ذواب بالدهون وصغير الحجم بشكل كاف من أجل عبور غشاء الخلية المستهدفة.
المصادر:
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :