Ad

في اتجاه مثير للقلق وله آثار كبيرة على تقدم العلوم، كشف تحليل حديث أن هناك تدهور في التعاون البحثي بين الولايات المتحدة والصين. ويُعزى هذه الهبوط إلى جائحة كوفيد-19 وزيادة التوترات السياسية بين البلدين. إن العواقب المترتبة على هذا التراجع بعيدة المدى، ويحذر العلماء من أنه قد يعيق التقدم العالمي في معالجة القضايا الملحة.

وأظهر التحليل، الذي أجراه فريق سبرينغر نيتشر في الصين، أن عدد الأوراق البحثية التي شارك في تأليفها باحثون من الصين وأقرانهم الدوليين انخفض للمرة الأولى في عام 2022. ويمثل هذا تحولا كبيرا، حيث كان الناتج البحثي في ​​الصين ينمو بسرعة خلال العقد الماضي. ويرجع هذا الانخفاض إلى حد كبير إلى انخفاض التعاون بين الصين والولايات المتحدة، والذي انخفض بنسبة 6.4٪ بين عامي 2017 و 2023. وهذا الانخفاض مثير للقلق بشكل خاص، حيث كانت الولايات المتحدة والصين تاريخيًا رائدتين في مجال البحث العلمي.

التعاون الدولي

على امتداد التاريخ البشري الشاسع، اتسم التقدم العلمي بالتحول التدريجي من العبقرية الفردية إلى العبقرية الجماعية. شهد القرن العشرين ظهور التعاون الدولي كقوة دافعة وراء الإنجازات العلمية. اليوم، أصبح العلم العالمي هو القاعدة، حيث يعمل الباحثون من خلفيات ودول متنوعة معًا لمعالجة المشكلات المعقدة.

يمكن أن يعزى صعود التعاون الدولي إلى عدة عوامل. أحد الأسباب المهمة هو التعقيد المتزايد للتحديات العلمية، الأمر الذي يتطلب دمج الخبرات من مختلف التخصصات والمناطق الجغرافية. وتتطلب القضايا العالمية مثل تغير المناخ، والأوبئة، والأمن الغذائي استجابة جماعية، مما يجعل التعاون الدولي أمرًا حتميًا.

والسبب الآخر هو التقدم السريع في تكنولوجيا الاتصالات، الذي أدى إلى تقريب المسافات وتسهيل التعاون. لقد مكنت شبكة الإنترنت وأدوات مؤتمرات الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي العلماء من التواصل ومشاركة الأفكار والعمل معًا في الوقت الفعلي، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي.

وكان التعاون الدولي مدفوعًا أيضًا بالسعي إلى الابتكار والرغبة في البقاء قادرين على المنافسة في الاقتصاد العالمي. لقد أدركت الدول والمؤسسات أن التقدم العلمي غالبًا ما يكون نتيجة للجهود التعاونية، وأن العمل معًا يمكن أن يسرع الاكتشافات ويعزز النمو الاقتصادي.

تراجع التعاون البحثي بين الولايات المتحدة والصين

قوة الأبحاث الصينية

إن ظهور الصين كقوة بحثية يشكل قصة طموح ملحوظ ونمو سريع. في الثمانينيات، كان الناتج البحثي في ​​الصين ضئيلًا، ولكن بحلول عام 2016، تجاوزت الولايات المتحدة لتصبح ثاني أكبر منتج لأوراق البحث العلمي في العالم. ويعود هذا الصعود المذهل إلى الخطة الإستراتيجية للصين لتصبح رائدة في مجال العلوم والتكنولوجيا بحلول عام 2050.

تاريخياً، كان التقدم العلمي في الصين يتعرض لمعوقات بسبب الافتقار إلى الاستثمار في البنية الأساسية البحثية ورأس المال البشري. ومع ذلك، مع إطلاق “برنامج 863” في عام 1986، بدأت الصين في الاستثمار بكثافة في أبحاث العلوم والتكنولوجيا. ويهدف هذا البرنامج إلى سد الفجوة بين الصين والدول المتقدمة في مجالات مثل التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات والمواد المتقدمة.

وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحول المشهد البحثي في ​​الصين بشكل كبير. حيث أدخلت الحكومة سياسات لجذب المواهب، وقدمت عروضًا مربحة للعلماء والمهندسين الذين عادوا إلى الصين. نجحت “خطة الألف موهبة” في جذب العديد من كبار الباحثين الصينيين إلى الوطن، وضخت خبرات وأفكارًا جديدة في النظام البيئي البحثي في ​​البلاد.

واليوم، تفتخر الصين ببعض مرافق الأبحاث الأكثر تقدماً على مستوى العالم، مثل مرفق شنغهاي للإشعاع السنكروترون، ومصادم الإلكترون والبوزيترون في بكين. وقد مكنت هذه المرافق المتطورة العلماء الصينيين من تحقيق اكتشافات رائدة في مجالات مثل علوم المواد، وتكنولوجيا النانو، والحوسبة الكمومية.

ولا تقتصر طموحات الصين البحثية على العلوم الأساسية. وقد وضعت البلاد أنظارها على تطوير التقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي وشبكات الجيل الخامس والطاقة المتجددة. وتهدف مبادرة “صنع في الصين 2025″، التي تم إطلاقها في عام 2015، إلى رفع مستوى قدرات التصنيع في الصين والارتقاء بسلسلة القيمة في صناعات التكنولوجيا الفائقة.

ورغم أن صعود الصين السريع إلى مكانة القوة البحثية أمر مثير للإعجاب، فإنه يثير أيضاً تساؤلات مهمة حول أولويات البحث في البلاد وتأثير طموحاتها العلمية على المشهد البحثي العالمي. ومع استمرار البلاد في تأكيد نفوذها في المجتمع العلمي، فمن الضروري دراسة آثار القوة البحثية للصين على التعاون الدولي ومستقبل التقدم العلمي.

تدهور التعاون البحثي بين الولايات المتحدة والصين

لقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى توقف العالم، ولم يكن تأثيرها على البحث العلمي استثناءً. وفي مجال التعاون بين الولايات المتحدة والصين، أدى الوباء إلى تسريع التراجع الذي كان يحدث بالفعل بسبب التوترات السياسية المتزايدة.

خلق الوباء عاصفة كاملة أعاقت التعاون الدولي. وجعلت قيود السفر، وعمليات الإغلاق، وإجراءات التباعد الاجتماعي من الصعب على الباحثين الالتقاء شخصيًا، مما حد من التفاعلات وجهًا لوجه التي تعتبر ضرورية لبناء الثقة وتعزيز التعاون. علاوة على ذلك، أدى الوباء إلى ارتفاع النزعة القومية، مع تحول البلدان إلى الداخل لمعالجة الأزمة، مما أدى إلى تفاقم الانحدار في الشراكات بين الولايات المتحدة والصين.

وكشف التحليل الذي أجراه فريق سبرينغر نيتشر في الصين أن نسبة الأوراق البحثية مع مؤلفين مشاركين صينيين ودوليين انخفضت بنسبة 7.2% بين عامي 2018 و2023. وكان هذا الانخفاض مدفوعًا في المقام الأول بانخفاض تعاون الصين مع الباحثين الأمريكيين، والذي انخفض بنسبة 6.4% خلال عامي 2018 و2023. ويشكل هذا الاتجاه التنازلي مدعاة للقلق، لأن التعاون الدولي ضروري لمعالجة التحديات العالمية.

وكما لاحظت مارينا تشانغ، الباحثة في مجال الابتكار، فإن الوباء والتوترات السياسية المتزايدة خلقت “تأثيرا مخيفا” على التعاون بين الولايات المتحدة والصين. وقد دفع الخوف من الاتهام بالتجسس أو سرقة الملكية الفكرية الباحثين إلى توخي المزيد من الحذر بشأن التعاون، مما أدى إلى انخفاض عدد المشاريع البحثية المشتركة. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى هجرة أصحاب العقول اللامعة، حيث قد يختار الباحثون الموهوبون العمل في بلدان ذات قيود أقل وبيئات أكثر ملاءمة للتعاون.

كيف تؤثر السياسة على التقدم العلمي؟

في الولايات المتحدة، أدت مبادرة الصين التابعة لوزارة العدل، والتي تم إطلاقها في عام 2018، إلى اعتقال العديد من العلماء بسبب علاقاتهم مع المتعاونين أو المؤسسات في الصين. وقد أثارت هذه الحملة القمعية الخوف بين الباحثين من أصل صيني، مما جعلهم مترددين في الانخراط في التعاون الدولي. وعلى نحو مماثل، أدى قانون مكافحة التجسس المنقح الذي أصدرته الحكومة الصينية، والذي بدأ تنفيذه في يوليو/تموز 2023، إلى توسيع نطاق تعريف ما يشكل تجسسًا، مما أدى إلى تفاقم حالة من الخوف.

ويحذر باحثون مثل مارينا تشانغ، الباحثة في مجال الابتكار بجامعة سيدني للتكنولوجيا في أستراليا، من أن مناخ الخوف هذا قد يؤدي إلى “هجرة الأدمغة” وخسارة رأس المال البشري القيم. ومع تزايد حذر الباحثين بشأن التعاون، تتعرض الأبحاث المؤثِرة للعرقلة، ولا تتم معالجة المشاكل العالمية مثل تغير المناخ، والأوبئة، والأمن الغذائي بالمستوى الذي تتطلبه.

وعلى حد تعبير تانغ لي، الباحث في جامعة فودان في شنغهاي، الصين فإنه نظراً للكوارث العالمية المتزايدة والشكوك، لا تستطيع البشرية أن تضيع الوقت في المنافسات القومية. ومن الممكن أن تؤدي العلاقات التعاونية المتعثرة بين الولايات المتحدة والصين إلى قيام الدول بمتابعة نفس أنواع الأبحاث بشكل منفصل، بدلًا من توحيد القوى لمواجهة التحديات العالمية. وقد يكون لهذا التحول نحو العلم القومي عواقب بعيدة المدى، مما يؤدي إلى تآكل أسس التقدم العلمي.

تحذير للمستقبل

بينما يتصارع العالم مع التحديات العالمية، فإن تدهور التعاون البحثي بين الولايات المتحدة والصين يشكل جرس إنذار للمستقبل. يمكن أن تكون عواقب العلم القومي بعيدة المدى ومدمرة، حيث يعمل العلماء في بلدان مختلفة في عزلة، ويكررون الجهود، ويهدرون الموارد. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تأخير إيجاد حلول للمشاكل العالمية، مما يؤثر في نهاية المطاف على رفاهية البشر.

في عالم أصبح فيه العلم معقدًا ومترابطًا بشكل متزايد، يمكن للعلم القومي أن يعيق التقدم والابتكار. علاوة على ذلك، قد يؤدي ذلك إلى هجرة الأدمغة، حيث يتم إبعاد أفضل المواهب عن البلدان التي تطبق سياسات مقيدة، مما يؤدي إلى خسارة رأس المال البشري القيم.

وفي هذا التحذير، يقف العالم على مفترق طرق. وبوسعنا أن نختار الاستمرار في السير على طريق العلم القومي، حيث تعطي الدول الأولوية للمصالح المحلية على التعاون الدولي. أو يمكننا أن نجتمع معًا، ونضع جانبًا التوترات السياسية والاختلافات الإيديولوجية، لمعالجة التحديات الملحة في عصرنا. الخيار لنا، ومستقبل البشرية يعتمد عليه.

المصدر

China–US research collaborations are in decline — this is bad news for everyone / nature

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم سياسة

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 347
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *