Ad

لابد أن معظمنا قد سمع وقرأ عن أولئك المرضى الذين يُطلق عليهم لقب “الممنوعين عن اللحوم”. نعم، هؤلاء أشخاص حقيقيون موجودون. حتى أنّ المنع لم يقتصر على اللحوم فقط، بل يشمل مصادر غذائيّة أخرى كالبيض، والمأكولات البحريّة، والحليب وغيرها. لكن ما الحالة المرضية التي منعتهم وحرمتهم من ذلك؟ إنه مرض الفينيل كيتونوريا والمعروف باسم بيلة الفينيل كيتون، فما هو؟

ما هو مرض الفينيل كيتونوريا أو بيلة الفينيل كيتون؟

هو مرض أيضي وراثي نادر، صفته متنحيّة Strict autosomal recessive، فيحمل الأب والأم المورّثان كلاهما الصفة الوراثيّة الخاصة بالمرض. ولا يكون الحامل للوراثة مصاباً ولا تظهر عليه أعراض المرض. فإذا أنجب زوجان طفلاً مصاباً بمرض فينيل كيتونيوريا، فمعنى ذلك أنّ احتمال إنجاب طفل مصاب يبقى قائماً في كل حمل قادم. ولم يسبق من قبل حدوث طفرات مفاجئة تسببت في حدوث المرض لدى البالغين.

يصنّف هذا الاضطراب ضمن أمراض التمثيل الغذائي، وينتج عن خلل في الجين المسؤول عن تكوين الإنزيم فينيل آلانين هايدروكسليز اللازم لتحويل الحمض الأميني فينيل آلانين إلى الحمض الأميني تايروزين. وهو من الأمرض الشائعة في منطقة شرق المتوسط حيث يُولد طفل واحد من كل عشرة أطفال مصابًا به. [1]

ما هي أعراضه؟

بدايةً يجدر التنويه أن الأولاد وحديثي الولادة المصابون بالمرض قد لا تظهر عليهم أيّة أعراض في بداية حياتهم، لكن سُرعان ما ينجلي هذا الأمر عند ارتفاع وتراكم نسبى حمض الفينيل آلانين في الدم، عندئذٍ تبدأ المعاناة المرضيّة المتمثلة بأضرار عقلية بدنية أهمها [2]:

  1. التخلّف العقلي وملاحظة ضعف القدرة الاستيعابية للطفل الناتجة عن ضمور خلايا المخ العصبيّة وفي أغلب الأحيان يكون حجم الرأس أصغر من المعدل الطبيعي.
  2. اضطرابات سلوكيّة قد تتمثّل بالخمول والكسل أو فرط النشاط.
  3. اضطرابات في نمو الجسم، كضعف في البُنيّة العظمية العضلية وصعوبة في النطق والمشي وتأخر نمو.
  4. ملاحظة لون بُنيّ فاتح للبشرة والشعر والعينين، وذلك راجع لكون الفينيل آلانين يلعب دورًا أساسيًّا في إنتاج صبغة الميلانين المسؤولة عن اللون الطبيعي لتلك الأعضاء، وقد يُصاحب ذلك حدوث إلتهابات جلديّة عديدة كالإكزيما.
  5. ملاحظة رائحة كريهة شديدة لبول المريض وعرقه.
  6. نوبات عصبيّة كالصرع.

ما هو الحمض الأميني فينيل آلانين؟

الفينيل آلانين هو مركّب طبيعي يتواجد في جميع البروتينات في الجسم، ومصادره الغذائية أطعمة كاللحم والسمك والبيض. تجدر الإشارة أيضًا إلى أن أجسامنا لا تستطيع تصنيعه، لذا يُعتبر مكوّن أساسي في طعامنا. وهو جزء من الوحدات البنائية للبروتينات.

في الحالة الطبيعيّة، عندما يتناول الشخص قطعة من اللحم المشبّع بالبروتينات، تبدأ رحلتها الهضمية بالفم، حيث تحدث عملية المضغ والتقطيع في وجود اللُعاب. بعدها تُرسل هذه الجزيئات عبر المريء إلى المعدة وهناك تتم عملية تفتيت الطعام وطحنه. وانتهاءًا إلى الأمعاء الدقيقة والغليظة حيث تحدث عملية امتصاص الجزء النافع وطرح الآخر الضار عبر البول والبراز.

 تبرز أهمية الكبد في هذه العملية بفرز مواد تساعد في فرز المكونات. وهنا تبدأ مرحلة الاستفادة من مختلف الأحماض الأمينية عن طريق تحطيمها وتحويلها إلى طاقة تستفيد منها كافة أعضاء الجسم لإتمام وظائفها الحيوية والوظيفية.

أما في حالة مرضى الفينيل كيتونوريا، يتعطل دور الكبد فلا يستطيع إفراز هذه الإنزيمات، مما يؤدي إلى زيادة في كمية الحمض الأميني فينل آلانين. فيدخل إلى الجهاز الدوري الدموي مُحدثًا مضاعفات خطيرة ناتجة عن تراكم هذا الحمض في خلايا الدماغ وأنسجته مسسبًا ضررها وتلفها. وهنا تظهر العوارض الممثلة في الإعاقة العقلية والاضطرابات النفسية العصبية ونوبات الصرع. كما تصدر رائحة كريهة شديدة من فم المريض وبوله وعوراض أخرى سبق ذكرها. [3]

تشخيص مرض الفينيل كيتونوريا أو بيلة الفينيل كيتون

يتم تشخيص هذا المرض عند الولادة أو في الأيام الأولى من الحياة باستخدام نتائج التحاليل الطبية في الفحص المعروف باسم “فحص الكعب”. ويقوم فحص الكعب على أخذ عينة دم من كعب حديثي الولادة. وكلما تم كشف وجود المرض في وقت مبكر، كلما ساعد ذلك في العلاج السريع تجنبًا لأي مضاعفات لاحقة قد تصل إلى وفاة الطفل المصاب.

يجدر التنويه أن هذا الفحص ليس مخصصًا لفحص مرض بيلة الفينيل كيتونوريا فحسب، بل يشمل اضطرابات وراثية أخرى يصل عددها لحوالي 17 مرضًا ومتلازمة أبرزها يتعلق بوظائف الغدد والجهاز الهضمي، واضطرابات الدم الشهيرة.

علاج الفينيل كيتونوريا أو بيلة الفينيل كيتون

العلاج الأساسي لهذا المرض هو تغيير النظام الغذائي والامتناع الكُلي عن الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من البروتين كالبيض والألبان والأجبان والمكسرات واللحوم كالدجاج والبقر والأسماك. كما يُمنع المريض من تناول المحلّي الصناعي غير السكّري “الأسبارتام” الموجود في المشروبات الغازية عمومًا، وذلك لأن هضم هذا المُركّب يُنتج كميات من الأحماض من ضمنها الفينيل آلانين.

وبما أنّ حليب الأطفال العادي وحليب الأم يحتويان على هذا الحمض الأميني، تم إنتاج تركيبة من الحليب شبه خاليّة منه. وهو موجود في معظم الصيدليات حيث يُعطى بوصفة طبيّة. ويُستعاض عن ذلك بزيادة مصادر الأحماض الأمينية الأخرى الموجودة في مصادر غذائية أهمها الخضروات والفواكه على أنواعها، إضافة إلى بعض المكملات الغذائية المخصّصة.

فيما يتعلق بجانب الأدوية المستخدمة لمرضى الفينيل كيتونوريا، هي قائمة على أساس منع أو تخفيف العوارض المصاحبة للمرض. ومن أبرز هذه الأدوية هما سابروبتيرين “Sapropterin” والبيجفالياس “Pegvaliiase”، حيث يحتوي الأول على مادة طبيعيّة تساهم في تنشيط الإنزيم المسؤول عن تكسير الفينيل آلانين ومنع تراكمه، كذلك الأمر بالنسبة للصنف الآخر الذي يشمل هذا الأنزيم المستخرج من بعض أنواع البكتيريا.

كما يجب أن يتوجه الأشخاص الذين يعانون من هذا المرض إلى طبيب أو مختص بالتغذية للحصول على توجيهات دقيقة فيما يخص تغيير النظام الغذائي. ولابد من المراجعة الدورية للتأكد من أن العلاج يعمل بشكل جيد وأن الأضرار على الجهاز العصبي والدماغ محدودة إلى أدنى درجة.

أخيرًا، على الرغم أنّ مرض فينيل كيتونوريا نادر الحدوث، إلا أن نسبة حصوله تزداد لحوالي من ضعفين ثلاثة أضعاف في حالة زواج الأقارب. لذلك ينصح ويشدد المختصون على إجراء الفحوصات الطبية ما قبل الزواج (والتي تشمل أيضًأ عدة أمراض وراثية أخرى) للتأكد من سلامة الزوجين ونفي أي إمكانيّة أو احتماليّة لإنجاب طفل مصاب والحصول على المشورة الطبية الوراثية المناسبة. كذلك يتوجب على الزوجين القيام بالتحاليل المناسبة عند إنجابهم للطفل للتأكد من سلامته أو اتباع خطة علاجية مُبكرة في حال الكشف عن أيّة اضطرابات ممكنة. كما وضعت العديد من الدول الأوروبيّة ودول الخليج العربي قوانين وخطط يتم تطبيقها في المستشفيات ومراكز الرعاية الصحيّة كافة. [4]

المصادر:

1 CTGA

OMIM 2

MedlinePlus 3

MayoClinic 4

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


وراثة طب صحة

User Avatar

Mohammad Shawerdi

طالب علم، مهتم بالمعرفة والثقافة، مع التخصص بالمجال الصحي-الطبي المتعلق بالتحاليل الطبية.


عدد مقالات الكاتب : 15
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق