Ad

صديق لي يعمل في مكان ما، بدأ مؤخرًا يشعر بفقدان الطاقة ومعنى ما يفعله، ودائمًا ما يشعر بالإرهاق ذهنيًا أو جسديًا، أصبح قليل الصبر، منفعلًا لأبسط الأشياء، أصبحت أبسط المهمات في عمله شديدة التعقيد لديه، في البداية ظننت أنه يعاني من ضغط العمل فقط، مثلما نتعرض جميعًا للضغوطات الحياتية بصورة مستمرة! ولكن خلال بحث بسيط، اكتشفت بإن هذه الأعراض التي ربما تكون إعتيادية لنا جميعًا، لها مصطلح أخر يسمى (الإرهاق – Burn out). إذًا ما هو الإرهاق وما هي أسبابه؟ وكيف نتعامل معه؟ هذا ما سنجيب عنه في هذا المقال.

ما هو الإرهاق؟

عام 1974 وضع (هربرت فرودنبيرجر-Herbert Freudenberger) مصطلح جديد يسمى (الإرهاق- Burn out). خلال عام 2019 صنفت منظمة الصحة العالمية (WHO) الإرهاق على أنه حالة مرضية، كما أنها ضمت الحالة ضمن كُتيبها، والذي يضم التصنيفات العالمية للحالات المرضية، والذي يستخدمه مقدمي الخدمات الطبية في تشخيص الأمراض. وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن الإرهاق هو متلازمة تنتج من الضغط مستمر في بيئة العمل، والذي لم يتم إدارته بنجاح. (3) وهناك بعض الأعراض التي ربما تساهم في التعرف عليه مثل: الشعور بالاستنزاف سواء جسديًا أو نفسيًا، الابتعاد الذهني عن العمل ومهماته الشعور بالسلبية تجاه العمل، إنخفاض الكفاءة المهنية.(3)

ما الفرق بين الإرهاق والضغط؟

رسميًا يعتبر الإرهاق أزمة مزمنة في بيئة العمل، وحاليًا تأخذ الشركات تلك الأزمة بجدية أكبر. كما أن طبيعة الإرهاق مختلفة تمامًا عن ضغط العمل عادي، فهو لا ينتهي عندما تأخذ عطلة طويلة، أو حتى عندما تقلل من إيقاع أو ساعات العمل. عندما تكون واقعًا تحت ضغط ما، فإنك تكافح للتعامل مع تلك الضغوط، أما في حالة الإرهاق، فإنك تكون حرفيًا فاقدًا للطاقة، وتشعر باليأس من التعامل مع تلك الضغوطات.

أظهرت الدراسات الاستقصائية أن 60٪ من حالات التغيب عن العمل، تكون بسبب الضغط الجسدي والنفسي المصاحب الإرهاق. خلال دراسة استقصائية في عام 2018 قال 40٪ من ضمن 2000 موظف، أنه فكر في الاستقالة بسبب الإرهاق. قدر الخبراء بأن الإرهاق يكلف الشركات الأمريكية من 150-350 مليار دولار سنويًا. وبالطبع نتائج تلك الدراسات مخيفة لكل رب عمل. ويقول الباحث (كريستيان دورمان -Christian Dormann)والذي قام بدراسة في جامعة (يوهانس جونيرج- Johannes Gutenberg) ” إن أهم أعراض الإرهاق، الشعور بالإجهاد الكلي للحد الذي لا يمكن تصحيحه بأخذ عطلة، أو حتى قضاء أمسية هادئة”. الذين يتعرضون الإرهاق يحاولون حماية أنفسهم عبر بناء مسافة نفسية بينهم وبين عملهم وزملائهم في العمل. (1)

هل الضغط هو الدافع وراء الإرهاق؟

ولأن الفكر السائد هو أن ضغط العمل هو الدافع وراء الإرهاق، قام فريق من جامعة (ماينز- Mainz) بإجراء 48 دراسة على ضغط العمل والإرهاق، ضمت هذه الدراسات 26,319 مشاركًا، وكان متوسط الأعمار حوالي 42 عام، وبنسبة 44٪ من الذكور. شملت الدراسة الفترة من 1986-2019، وفي بعض دول أوروبا والولايات المتحدة وكندا وجنوب إفريقيا والصين وتايوان واستراليا. وأظهرت الدراسة الجديدة أن الضغط والإرهاق يعزز كل منهما الآخر، ولكن على العكس الإرهاق له تأثير أكبر على ضغط العمل وليس العكس. وهذا معناه أنه كلما شعر أحدهم بالإرهاق، كلما زادت عليه ضغوط العمل، وصعب عليه التعامل معها. لذا يقول الخبراء أن مثل هؤلاء الموظفين لا بد أن يتم تزويدهم بالدعم الكافي في الوقت المناسب، لكسر تلك الحلقة المفرغة من الضغط والإرهاق، كما أن الإرهاق يبدأ ويتطور تدريجيًا، ويتراكم مع مرور الوقت، وفي النهاية يؤدي إلى الشعور بأن العمل مرهق، وأن أبسط المهام تكون مرهقة للغاية. (1)

ما هي أسباب الإرهاق؟

هناك عدة أسباب، ولكن كما قلنا فإن المشكلة تنبع أكثر من بيئة العمل، ولكن أي شخص يشعر بعدم التقديرأوالضغط يمكن أن يصل لتلك الحالة، بداية من الموظف العادي وصولًا إلى ربة المنزل. لكن الإرهاق لا يكون فقط بسبب ضغط العمل أو تحمل مسئولياتٍ كثيرة، فهناك عوامل أخرى، مثل أسلوب حياتك وسماتك الشخصية، كما أن طريقتك في رؤية الحياة ربما تؤثر في الأمر برمته. ومن الأسباب المهنية: الشعور بعدم سيطرتك على عملك، عدم التقدير من قبل مرؤسيك على عملك الجيد، العمل في بيئة عالية الضغط أو غير منظمة. ومن الأسباب الشخصية: عدم أخذ الوقت الكافي للراحة، تحمل الكثير من المسئوليات بدون مساعدة من أحد، عدم وجود علاقات داعمة بجوارك، عدم أخذ كفايتك من النوم، الشعور بحتمية الكمال، وأن أي شيء تفعله غير كافي أو مثالي، نظرة متشائمة للعالم ولنفسك، الحاجة للشعور بالسيطرة. (2)

كيف أتعامل مع الإرهاق؟

إذا شعرت بأن أغلب الأعراض والأسباب تنطبق عليك، ربما يجب عليك أن تلتقط أنفاسك وتركز في تلك الحلول، والتي ربما تساعدك قليلًا في التخفيف عنك خلال تلك المرحلة. أول شيء، أن تُقر بوجود المشكلة، و تطلب الدعم وتحاول إيجاد طرق لإدارة هذا الضغط، وأخيرًا أن تكون مرنًا، لتسترجع صحتك النفسية والجسدية، وإليك هذه النصائح البسيطة. (2)

تواصل مع الآخرين

عند شعورك بالإرهاق، فإن قدرتك على الرغبة في التواصل مع الأخرين تقل وتصبح أثقل، ولكن التواصل طبيعة بشرية، ووجود أشخاص حولك يستمعون لك، هو حل إيجابي ومساعد كثيرًا، ليس بالضرورة أن يكون عندهم حلول لكل مشكلة، ولكن الاستماع الفعال والمتفهم، يشعرك بالراحة ويقلل من حجم توترك. (2) تواصلك مع المقربين منك سواء عائلتك أو أصدقائك، ربما يشعرك بإن الحديث عما يؤرقك معهم سيجعلك عبء عليهم، ولكن هذا ليس حقيقيًا، فمحاولتك تلك ستكون نقطة إيجابية أخرى، فمن خلالها سيشعرون أنك تثق بهم، وبالتالي ستقوي من علاقتك بهم.

كون علاقات جيدة في بيئة العمل

حاول أن تكون علاقاتك جيدة مع زملائك في العمل، بحيث تقلل من ضغط بيئة العمل، كذلك حاول أن تبتعد عن الأشخاص السلبيين، حتى لا يتفاقم وضعك وتشعر بالضغط أكثر. إعادة ترتيب أولوياتك في الحياة، أمر لا بد منه من حين لأخر، ومحاولة اكتشاف أشياء وأهداف جديدة في حياتك، أمر منعش ومحفز.

تعود أن تقول: “لا”!

ضع بعض الحدود، لا تحاول أن ترهق نفسك بالمهمات التي لا تريدها، تعود أن تقول لا، وأعلم أنها وسيلة تتيح لك الوقت لتفعل ما تريد حقًا.

قلل من التكنولوجيا

بالطبع التعامل مع التكنولوجيا في تلك الفترة ستزيد من سوء الوضع، حيث أن التكنولوجيا من إحدى أسباب الضغط في الحياة اليومية، حاول أن تنقطع عنها خلال وقت بسيط من اليوم، لتحافظ على حالتك الذهنية.

عليك بالرياضة والحركة

مارس الرياضة، لأنها تخفف من التوتر وتحسن من حالتك الجسدية والنفسية على حد سواء، حاول أن تجرب ألعاب رياضية جديدة وأن تستمتع خلال هذا الوقت.

نم لوقتٍ كافٍ

النوم بعمق يُريح الجسد والعقل، لذا حاول أن تعمل على هذا الجانب، حتى تحصل على يوم جيد، إذا كنت تعاني من إضطرابات النوم، يمكنك استشارة طبيب.

حسن عاداتك الغذائية

أخيرًا تناول الطعام الصحي مثل الفاكهة والخضروات وغيرها من الأطعمة، التي تحسن من الحالة الذهنية والجسدية، وابتعد عن تناول السكريات والكربوهيدرات بكثرة.

كل تلك النصائح البسيطة مع الاستمرار اليومي، ستحقق غايتها. بالطبع الأمر مرهق تمامًا، وربما تبدو تلك النصائح غير فعالة أو ليست حل جذري، ولكن العادات البسيطة، وأسلوب الحياة الصحي، يغير من نظرتك للحياة ولنفسك، لذا ربما يجب عليك أن تحدد من جديد أولوياتك في الحياة، وأن تدرك تمامًا أن طلب المساعدة الطبية متاح، طالما شعرت أنت بحاجتك لذلك.

اقرأ أيضًا: ما الابتسامة؟ وما فوائدها؟ وهل تصف دائمًا السعادة؟

المصادر

  1. The Surprising Difference Between Stress and Burnout. (2020). https://www.psychologytoday.com/us/blog/the-right-mindset/202011/the-surprising-difference-between-stress-and-burnout
  2. Burnout Prevention and Treatment – HelpGuide.org. (2020). https://www.helpguide.org/articles/stress/burnout-prevention-and-recovery.htm
  3. Burn-out an “occupational phenomenon”: International Classification of Diseases. (2020). https://www.who.int/news/item/28-05-2019-burn-out-an-occupational-phenomenon-international-classification-of-diseases

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


صحة علم نفس

User Avatar

Nermin Mohamed

طالبة جامعية مهتمة بالكتابة العلمية سواء كانت في المجال الطبي أو في المجالات الأخرى.


عدد مقالات الكاتب : 17
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق