Ad

أثار السؤال القديم حول ما إذا كان وعينا متفرجًا سلبيًا أم مشاركًا نشطًا في تشكيل واقعنا مناقشات ساخنة بين علماء الأعصاب والفلاسفة وعلماء النفس. وبينما يجادل البعض بأن اللاوعي هو الذي يحرك الخيوط، يقترح آخرون أن الوعي يلعب دورًا حيويًا في توجيه أفكارنا وعواطفنا وتجاربنا. دعونا نكتشف التعاون بين الوعي واللاوعي.

محرك الدمية أو الدمية

هناك قصة تقول أن أحد سكان المريخ زار مؤخراً مصنعاً للملابس على كوكب الأرض. وقد فوجئ عندما رأى أن رئيسة المصنع لم تلمس ماكينة خياطة قط. وحتى عندما طلبت من أحد أن يطلب لها مواد جديدة، لم تفعل ذلك إلا بعد أن أحضر لها أتباع آخرون تفاصيل عن كمية المخزون والعمل الجاري وطلبات الملابس. واستنتج المريخي أن هذه المرأة التي تطلق على نفسها “الرئيسة” ليست أكثر من دمية، وكل تصرفاتها يتم التلاعب بها من قبل هؤلاء الأتباع. ولم يكن لديها من الإبداع سوى اختلاق قصة تبرر تعليماتها.

لقد نوقش مفهوم الوعي منذ فترة طويلة بين علماء الأعصاب والفلاسفة. إحدى الأفكار الشائعة هي أن الوعي هو مجرد متفرج سلبي، يراقب ببساطة أعمال اللاوعي. ومع ذلك، فإن هذه الفكرة معيبة وتبالغ في تبسيط العلاقة المعقدة بين العمليات الواعية واللاواعية.

توضح قصة رئيسة المصنع وأتباعها الذي ذكرناه هذا المفهوم الخاطئ. فغالبًا ما يُنظر إلى الرئيسة، التي تمثل الوعي، على أنها متفرجة عاجزة، مع عمليات غير واعية (الأتباع) تملي تصرفاتها. لكن هذا التشبيه غير مكتمل. في الواقع، يلعب الرئيس (الوعي) دورًا حاسمًا في تحديد القضايا والأهداف، مما يؤدي بدوره إلى إطلاق عمليات غير واعية للاستجابة.

الوعي ليس مجرد مراقب سلبي؛ فهو يقوم بإعلام وتوجيه اللاوعي بشكل فعال. يعد هذا التعاون بين الوعي واللاوعي أمرًا ضروريًا لاتخاذ القرار وحل المشكلات وحتى الإدراك.

الدور المفاجئ للعمليات اللاواعية في صنع القرار

عندما نختار كلمة ما، غالبًا ما نتفاجأ كيف تخطر في أذهاننا. هل تداولنا بوعي بشأن قائمة الخيارات؟ لا، الكلمة خرجت ببساطة من اللاوعي. لكن الأمر المذهل هو أن العملية اللاواعية لم تنتج الكلمة بطريقة سحرية من لا شيء. بل سبقه اهتمام واعي بالفكرة التي أردنا التعبير عنها. لقد احتفظنا بهذا المفهوم في انتباهنا الواعي لبضع لحظات، ثم وصلت الكلمة الصحيحة.

إذا أطلقنا على النشاط اللاواعي اسم “U” والنشاط الواعي “C”، فيمكن تلخيص النمط الناشئ على النحو التالي: “C⇒U⇒C”. حيث يقوم الوعي بإبلاغ اللاوعي، والذي يقوم بعد ذلك بإبلاغ الوعي بدوره. بالنظر إلى كل هذه الأمثلة، يجب إرسال فكرة الوعي كمتفرج سلبي (مرحلة U⇒C بدون مرحلة C⇒U) إلى سلة المهملات للأفكار السيئة التي كانت رائجة ذات يوم.

دعونا نتعمق أكثر في هذا النمط. عندما يواجه الوعي مشكلة أو سؤال، فإننا نخلق دون قصد طلبًا على اللاوعي لتقديم إجابات أو رؤى. اللاوعي، كونه مستودعًا واسعًا من الارتباطات والأنماط، يستجيب عن طريق توليد الخيارات والحقائق والمشاعر التي تتدفق إلى وعينا. ويتجلى ذلك في عملية اختيار الكلمات، حيث ينتج اللاوعي مجموعة من الاحتمالات، ويقوم عقلنا الواعي بانتقاء الخيار الأنسب.

عندما نهتم بوعي بالحاجة إلى كلمة ما، فإننا نخلق طلبًا يثير نشاطًا غير واعي. وهذا بدوره يولد محتويات واعية جديدة. فالخيارات التي تنبثق من اللاوعي تتم تصفيتها من خلال انتباهنا الواعي الذي يرفضها أو يقبلها. هذه العملية التكرارية هي السمة المميزة لعملية صنع القرار، ومن الضروري التعرف على كلتا المرحلتين لتقدير المدى الكامل للتحكم الواعي.

التعاون بين الوعي واللاوعي

الانتباه

الانتباه هو البطل المجهول لعملياتنا المعرفية. إنه المدير الذي ينظم العمليات اللاواعية، ويوجهها لتحقيق النتيجة المرجوة. بدءًا من اختيار الكلمة الصحيحة وحتى إدراك ما يحيط بنا، يلعب الانتباه دورًا حيويًا في تشكيل واقعنا.

لنأخذ مثال اختيار الكلمات. عندما نريد التعبير عن فكرة ما، تقوم عقولنا بالبحث في مكتبة واسعة من الكلمات، ويساعدنا الاهتمام على تضييق الخيارات للوصول إلى الخيار الأنسب. ولكن كيف تعمل هذه العملية؟ ليس الأمر وكأننا نتذكر بوعي قائمة من الكلمات ثم نختار أفضلها. بل إن الانتباه يوجه العمليات اللاواعية، التي تزودنا بعد ذلك بالكلمة الصحيحة في الوقت المناسب.

نحن نهتم بوعي بالحاجة إلى التعبير عن فكرة ما، مما يحفز العمليات اللاواعية للبحث عن الكلمة الصحيحة. ثم يزودنا اللاوعي بمجموعة من الخيارات، ويساعدنا الانتباه في فحصها، مما يؤدي في النهاية إلى اختيار الكلمة الأكثر ملاءمة.

لكن دور الانتباه يتجاوز اختيار الكلمات. حيث أنه مسؤول عن إدارة تصورنا للعالم من حولنا. فعندما نركز على جانب معين من محيطنا، فإن الانتباه يعدل معالجة البيانات الحسية، مما يسمح لنا بتحديث نموذجنا العقلي للواقع.

كيف يشكل انتباهنا تجربتنا وذاكرتنا؟

لا تكمن قوة الانتباه في قدرته على تشكيل أفكارنا وقراراتنا فحسب، بل في تأثيره أيضًا على تجربتنا وذاكرتنا. حياتنا هي ما ننتبه إليه، وما ننتبه إليه هو ما نتذكره. الانتباه هو حارس بوابة وعينا، فهو الذي يقرر ما هي المعلومات التي يجب السماح لها بالدخول وما هي المعلومات التي يجب تصفيتها.

في عالم مليء بالمشتتات، يتم جذب انتباهنا باستمرار في اتجاهات مختلفة. يتم قصف حواسنا بالمحفزات، وأدمغتنا مجهزة للاستجابة لأبرز المدخلات وغير المتوقعة. ولهذا السبب لا يسعنا إلا أن ندير رؤوسنا عندما نسمع مناداة اسمنا أو لماذا ننجذب إلى الحركات المفاجئة أو الضوضاء العالية.

لكن الانتباه ليس مجرد استجابة سلبية للمحفزات الخارجية. إنها عملية نشطة تسمح لنا بالتركيز على ما هو مهم بالنسبة لنا وتصفية الضوضاء. ومن خلال الانتباه بجوانب معينة من بيئتنا، يمكننا تشكيل تجربتنا وخلق واقعنا.

علاوة على ذلك، يلعب الانتباه دورًا حاسمًا في تكوين الذاكرة. ما نهتم به هو ما نتذكره، وما نتذكره يشكل إحساسنا بالذات وفهمنا للعالم. ولهذا السبب فإن الانتباه ضروري للتعلم والنمو الشخصي. من خلال التركيز على ما نريد أن نتعلمه، يمكننا تشفير معلومات جديدة في ذاكرتنا وإنشاء اتصالات جديدة بين الخلايا العصبية.

المصدر

Managing the Mind | philosophy now

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فلسفة

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 377
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *