Ad

كيف غير جايمس بيبلز الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء رؤيتنا للكون ؟

تكافئ جائزة نوبل في الفيزياء لسنة 2019 المفاهيم الجديدة لبنية الكون وتاريخه. إذ ساهم الفائزون هذا العام في الإجابة على أسئلة جوهرية حول وجودنا. تعالوا معنا في هذا المقال لنعرف كيف غير جايمس بيبلز الفائز بجائزة نوبل في الفيزياء رؤيتنا للكون ؟ وماذا حدث في مرحلة طفولة الكون المبكرة؟

فوز العالم جيمس بيبلز بجائزة نوبل في الفيزياء 2019
فوز العالم جيمس بيبلز بجائزة نوبل في الفيزياء 2019

جايمس بيبلز

تحدى جايمس بيبلز-James Peebles الكون ببلايين مجراته و عناقيده. حيث طور إطار نظري منذ منتصف الستينات ليصبح حجر الأساس لأفكارنا المعاصرة حول تاريخ الكون، أي منذ الإنفجار العظيم حتى يومنا هذا. وقد أدت اكتشافات بيبلز إلى تغيير رؤيتنا لمحيطنا الكوني والذي تُمثل فيه المادة المعروفة خمسة في المائة فقط من كل المادة والطاقة الموجودة في الكون! أما الـ95 في المائة المتبقية فهي مخفية عنا. وتعتبر لغزا وتحديا حقيقيا للفيزياء الحديثة!

الانفجار الكبير وبداية الكون

كانت العقود الخمسة الماضية عصراً ذهبياً لعلم الكونيات ودراسة أصل الكون وتطوره. في ستينيات القرن العشرين، أقر تحويل علم الكونيات من مجرد تخمينات إلى العلم. وكان الشخص الرئيسي في هذا التحول هو جيمس بيبلز الذي ساعدت اكتشافاته الحاسمة في وضع علم الكونيات على الخريطة العلمية بشكل ثابت، وهو الأمر الذي أدى إلى إثراء ميدان البحوث العلمية في هذا المجال. لقد ألهم كتابه الأول، علم الكونيات الفيزيائي (1971)، جيلًا جديدًا من علماء الفيزياء للمساهمة في تطور الموضوع، ليس فقط من خلال الاعتبارات النظرية بل أيضا من خلال الملاحظات والقياسات.

إنه العلم وحده القادر على الإجابة عن الأسئلة الأبدية حول المكان الذي أتينا منه و إلى أين نحن ذاهبون. وبهذا تحرر علم الكونيات من مفاهيم بشرية مثل الإيمان والمعنى. وقد نتذكر في هذا السياق كلمات ألبرت أينشتاين التي تقول أن سر العالم هو إمكانية فهمه. إن قصة الكون، أي الرواية العلمية لتطور الكون، لم تكن معروفة إلا في المائة عام الماضية فقط. قبل ذلك، اعتُبر الكون ثابتاً وأبدياً، ولكن في عشرينات القرن الماضي اكتشف علماء الفلك أن كل المجرات تبتعد عن بعضها البعض وتبتعد عنا أيضا. فالكون ينمو، ونعلم الآن أن كون اليوم يختلف عن كون الأمس وكون الغد سيكون مختلفا بدوره.

الثابت الكوني بين جيمس بيبلز وأينشتاين!

إن ما رصده الفلكيون في السماوات سبق أن تنبأت به نظرية النسبية العامة لألبرت آينشتاين منذ سنة 1916، النظرية التي تعتبر اليوم أساس كل الحسابات للكون. وعندما اكتشف آينشتاين أن النظرية تؤدي الى إستنتاج مفاده أن الكون يتمدد، أضاف ثابتة إلى معادلاته (الثابتة الكونية) ليوازن تأثيرات الجاذبية ويجعل الكون ثابتا بالرغم من ذلك. وبعد أكثر من عقد، أصبحت الثابتة غير ضرورية بعد ملاحظة تمدد الكون. اعتبر أينشتاين هذا أكبر خطأ في حياته ولم يكن يعلم أن الثابتة الكونية ستشكل عودة رائعة إلى علم الكونيات في الثمانينات، على الأقل من خلال مساهمات جيمس بيبلز.

الإنفجار الكبير وتمدد الكون اللانهائي
الإنفجار الكبير وتمدد الكون اللانهائي

الأشعة الأولية للكون تكشف عن كل شيء

إن توسع الكون يعني أنه كان يوماً ما أكثر كثافة و سخونة. في أواسط القرن العشرين، سُميت ولادة الكون بالإنفجار العظيم. لا أحد يعرف حقيقة ما حدث في البداية، لكن الكون الباكر كان مليئاً بحساء من جسيمات مضغوطة وحارة ومبهمة. ارتدت في ذلك الحساء الجزيئات الضوئية والفتونات.

استغرق التمدد ما يقارب 400 ألف سنة لتبريد هذا الحساء البدائي ببضعة آلاف من درجات الحرارة. وكانت الجسيمات الأصلية قادرة على الاندماج، مكونة غازاً شفافاً يتألف في الأساس من ذرات الهيدروجين والهليوم. وبدأت الفوتونات تتحرك بحرية وأصبح الضوء قادرا على الإنتقال عبر الفضاء. وهذه الأشعة الأولية ما زالت تملأ الكون. أما تمدّد الكون، فقد أدى إلى إمتداد الموجات الضوئيّة المرئيّة. لذا انتهى بها المطاف في نطاق الموجات الصغيرة غير المرئيّة بطول موجيّ يبلغ بضعة مليمترات.

توهج ميلاد الكون

في عام 1964، التقط اثنان من علماء الفلك الراديوي الفائزين بجائزة نوبل في عام 1978-أرنو بنزياس وروبرت ويلسون- التوهج الناجم عن ميلاد الكون. لم يتمكنا من التخلص من الضجيج المستمر الذي يلتقطه جهاز الاستشعار من كل مكان في الفضاء. لذا بحثا عن تفسير في عمل باحثين آخرين بما في ذلك جيمس بيبلز، الذي أجرى حسابات نظرية لهذا الإشعاع الأساسي السائد في كل مكان. وبعد ما يقرب من 14 مليار عام، انخفضت درجة حرارته إلى ما يقارب الصفر المطلق (273- درجة مئوية). وحدث تقدم مفاجئ كبير عندما أدرك بيبلز أنه بإمكان درجة حرارة الإشعاع توفير معلومات عن كمية المادة التي تكونت في الإنفجار العظيم. وأدرك بيبلز أن إطلاق هذا الضوء قد لعب دورًا حاسمًا في كيفية تكتل المادة لاحقًا لتشكل المجرات والعناقيد مجرية التي نراها الآن في الفضاء.

عصر جديد من الفيزياء الكونية

كان اكتشاف إشعاعات الموجات الدقيقة بشرى لقدوم عصر جديد من علم الكونيات الحديث. فالإشعاع القديم من المرحلة المبكرة للكون أصبح منجم ذهب لعلماء الكون، حيث يحتوي على إجابات لكل شيء يرغبون بمعرفته. إذ أمكنهم طرح أسئلة ما كان لهم القدرة على طرحها مسبقًا مثل: كم عمر الكون؟ ما هو مصيره؟ كم من المادة و الطاقة موجودة؟

أصبح بإمكان العلماء العثور على آثار اللحظات الأولى للكون في هذا التوهج حيث تنتشر أشكال صغيرة مثل الموجات الصوتية من خلال هذا الحساء البدائي المبكر Early Primordial Soup. بدون هذه الاختلافات الصغيرة لكان الكون قد برد من كرة نار ساخنة إلى فراغ بارد وموحد. نحن نعرف أن هذا لم يحدث، لأن الفضاء مليئ بالمجرات التي تتجمع غالبا وتشكل عناقيد مجرية. أما الإشعاع الخلفي فهو سلس كسطح المحيط الناعم والأمواج مرئية عن قرب، كما أن التموجات تكشف الاختلافات في الكون المبكر.

قيادة جيمس بيبلز للعصر الجديد

قاد جيمس بيبلز تفسير هذه الآثار الأحفورية من عصور الكون المبكرة. فاستطاع علماء الكونيات أن يتنبأوا بالاختلافات في الإشعاعات الخلفية بدقة مذهلة. كما عرفوا كيفية تأثيرها في المادة والطاقة في الكون.

حدث أول تقدم رئيسي في مجال الرصد في أبريل من سنة 1992، عندما عرض المحققون الرئيسيون في مشروع الأقمار الصناعية الأمريكي COBE صورة لأول أشعة ضوئية في الكون. حازت أعمالهم على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2006 لجون ماثر وجورج سموت.

المادة المظلمة والطاقة المظلمة: أعظم أسرار علم الكونيات

منذ ثلاثينيات القرن العشرين، كنا ندرك أن كل ما نستطيع أن نراه ليس هو ذاته كل شيء في الكون. تشير قياسات سرعة دوران المجرات إلى أنها يجب أن تبقى متماسكة بواسطة الجاذبية من المادة الخفية، وإلا ستتمزق. كما أعتُقد أيضا أن هذه المادة المظلمة قد لعبت دورًا مهما في أصل المجرات قبل أن يخفف الحساء البدائي-Primordial Soup قبضته على الفوتونات بزمن طويل.

يبقى تركيب المادة المظلمة هو أحد أعظم الألغاز في علم الكونيات، ولطالما اعتقد العلماء أن النيوترينات المعروفة مسبقًا يمكن أن تُشكل هذه المادة المظلمة، ولكن العدد الهائل من النيوترينات ذات الكتل المنخفضة التي تمر عبر الفضاء بسرعة الضوء تقريبا هي سريعة جدًا لتساعد على مسك المادة معا. وبدلاً من ذلك، في عام 1982، اقترح بيبلز أن الجزيئات الثقيلة والبطيئة من المادة المظلمة الباردة قادرة على القيام بهذه المهمة. وما زلنا نبحث عن هذه الجسيمات المجهولة من المادة المظلمة الباردة، التي تتجنب التفاعل مع مادة معروفة بالفعل وتشكل 26 في المائة من الكون.

الطاقة المظلمة بين جيمس بيبلز وأينشتاين في جائزة نوبل 2019
الطاقة المظلمة بين جيمس بيبلز وأينشتاين في جائزة نوبل 2019

وفقًا لأينشتاين

وفقاً لنظرية النسبية العامة لآينشتاين، فهندسة الفضاء ترتبط بالجاذبية. فكلما زادت الكتلة والطاقة التي يحتوي عليها الكون، كلما أصبح الفضاء أكثر انحناءً. عند القيمة الحاسمة للكتلة والطاقة فالكون لا ينحني. وهذا النوع الذي لا يمكن أبدا لخطين متوازيين أن يتقاطعا فيه ويدعى عادة مسطحًا. وهناك خياران آخران يتمثلان في كون ذي مادة ضئيلة للغاية. وهو ما يؤدي إلى كون مفتوح تتباعد فيه الخطوط المتوازية في نهاية المطاف. أو كون مغلق بمادة أكثر مما ينبغي أن تتقاطع فيه الخطوط المتوازية في نهاية المطاف.

إن المادة المظلمة والطاقة المظلمة هما الآن من أعظم الألغاز في علم الكونيات، فهي لا تكشف عن نفسها إلا من خلال التأثير الذي تحدثه على محيطها. تسحب إحداهما وتدفع الأخرى. وإلا فلا يُعرف عنهما الكثير. ما هي الأسرار المخفية في هذا الجانب المظلم من الكون؟ ما هي الفيزياء الجديدة المخفية خلف المجهول؟ ماذا سنكتشف أيضاً في محاولاتنا لحل ألغاز الفضاء؟ دعونا لا نستبق الأحداث، فالباحثون أمثال بيبلز وأينشتاين قد يغيروا من مفاهيمنا، بشرط أن نبقى على استعداد دائمًا لقلب تلك المفاهيم رأسًا على عقب. كل ما ننتظره هو الأدلة والتفسيرات المدعومة علميًا. أليس كذلك؟

شاهد أيضًا، كيف تم كشف فراغ ضخم داخل الهرم الأكبر باستخدام الآشعة الكونية!

المصدر
Noble Prize Website

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء فلك فضاء جوائز

User Avatar

Naaima BEN KADOUR


عدد مقالات الكاتب : 45
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق