لقد كانت الحالة الإنسانية منذ فترة طويلة موضوع اهتمام الفلاسفة، حيث حاول الكثيرون فهم وجودنا والعبثية التي تأتي معها. في هذا المقال، سنستكشف الفكاهة وعلاقتها بالعبثية وفكرة توماس ناجل الثورية عن مواجهة العبثية بالفكاهة. كما سنناقش كيف تختلف أفكار كامو وناجل حول العبثية. وأخيرًا، سننظر إلى بديل ناجل لتحدي كامو، واحتضان العبثية وإيجاد الفكاهة في وضعنا الوجودي.
محتويات المقال :
الحالة الإنسانية
إن الحالة الإنسانية عبارة عن شبكة معقدة من التناقضات والمفارقات والسخافات. نحن كائنات قادرة على التفكير، ولكننا غالبًا ما نجد أنفسنا ضائعين في أبسط القرارات. نحن مخلوقات تحركها العواطف، ومع ذلك فإننا نسعى جاهدين لاتخاذ خيارات عقلانية. نحن أفراد نتمتع بتجارب فريدة من نوعها، ولكننا نتقاسم خيطًا مشتركًا للإنسانية. هذا اللغز، والتناقض في كوننا بشرًا، هو ما يجعل وجودنا ظاهرة كوميدية.
نحن نشبه الفئران، حيث نركض مسرعين محاولين البقاء على قيد الحياة، ولكن في الوقت نفسه، نحن ندرك فنائنا. ونشبه المهرجين، حيث نرتدي أقنعة الثقة، بينما نشكك سرًا في قدراتنا. ونخدع أنفسنا، ولكننا نضحك على سخافة الأمر كله. إنها دائرة لا تنتهي من التناقضات، وهذه العبثية هي التي تجعل وجودنا لغزًا كوميديًا.
عندما نبحر في تعقيدات الحياة البشرية، نجد أنفسنا نضحك على سخافة كل ذلك. نحن نضحك على حماقتنا، وعلى تناقضاتنا، وعلى سخافة وجودنا. وفي هذه الضحكة نجد بصيص أمل، وإحساسًا بالارتباط بالعبث، وفهمًا أعمق لما يعنيه أن تكون إنسانًا.
تاريخ موجز للفكاهة
في اليونان القديمة، كان أفلاطون وأرسطو ينظرون إلى الفكاهة على أنها شكل من أشكال السخرية، حيث كان يُنظر إلى الضحك على أنه وسيلة للسخرية من الآخرين والتقليل من شأنهم. استمرت هذه الدلالة السلبية للفكاهة لعدة قرون، حيث ردد فلاسفة بارزون مثل كانط وشوبنهاور مشاعر مماثلة.
ومع ظهور الفلسفة الحديثة، أخذ مفهوم الفكاهة منعطفًا مهمًا. حيث قدم الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط مفهوم “نظرية التناقض”، التي تفترض أن الفكاهة تنشأ من عدم التطابق بين توقعاتنا والواقع.
تم تطوير هذه الفكرة من قبل فلاسفة مثل آرثر شوبنهاور وسيغموند فرويد، الذين أرجعوا الفكاهة إلى إطلاق الطاقة المكبوتة والتوتر. وفقًا لفرويد، كانت الفكاهة بمثابة آلية للتكيف، مما يسمح لنا بمواجهة عبثية الحياة بطريقة غير مهددة.
في القرن العشرين، توسع فلاسفة مثل ألفريد نورث وايتهيد وبرتراند راسل في مفهوم الفكاهة، وربطوه بالتجربة الإنسانية للعبثية وعدم اليقين. وقد وضع هذا الأساس للفلاسفة المعاصرين مثل توماس ناجل، الذي أحدث ثورة في مفهوم الفكاهة كرد فعل على العبثية.
الفكاهة كرد فعل على العبثية
المفهوم الرائد لتوماس ناجل هو أن الفكاهة ليست مجرد رد فعل على عبثية الحياة ولكنها موقف أساسي يجب تبنيه ردًا على كونك إنسانًا. يرى ناجل أن الحالة الإنسانية عبثية بطبيعتها، وأن قدرتنا على الوعي الذاتي وتجاوز الذات هي ما يجعل عبثية الحياة ممكنة.
لو أنك قادر على التراجع خطوة إلى الوراء ورؤية حياتك من منظور أوسع، ستدرك الطبيعة التعسفية لأهدافك ومساعيك. وهذا ما يعنيه ناجل بـ “التعالي على الذات”. إنها القدرة على رؤية أنفسنا باعتبارنا شاغلي العالم بشكل تعسفي، وذوي خصوصية، ومحددين للغاية، دون أن نتوقف عن كوننا الأشخاص الذين يتم النظر إلى اهتماماتهم النهائية ببرود شديد.
هذه القدرة على الوعي الذاتي والتجاوز هي ما يميز البشر عن الحيوانات مثل الفئران. في حين أن الفئران قد تعمل بجد للبقاء على قيد الحياة، إلا أنها تفتقر إلى الوعي والقدرة على رؤية نفسها على أنها عشوائية وعرضية. يشرح ناجل أنه إذا اكتسب الفأر فجأة وعيًا ذاتيًا، فإن حياته ستصبح عبثية، لأنه لا يزال يتعين عليه العودة إلى حياته الهزيلة ولكن المحمومة، المليئة بالشكوك التي لم يتمكن من الإجابة عليها.

تعتبر فكرة ناجل ثورية لأنها تحول التركيز من العالم الخارجي إلى الحالة الإنسانية الداخلية. ويجادل بأن العبثية لا تنشأ من فشل العالم في تلبية مطالبنا للمعنى ولكن من قدرتنا على الوعي والسمو الذاتي. وهذا يعني أن عبثية الحياة ليست شيئًا يجب هزيمته أو الهروب منه، بل هي شيء يجب الاعتراف به وقبوله.
ومن خلال تبني موقف فكاهي تجاه عبثية الحياة، يمكننا أن نتعلم تقدير عدم الأهمية الكونية لموقفنا دون أن نصبح غارقين في اليأس أو الدراما. بدلًا من ذلك، يمكننا أن نتعامل مع حياتنا العبثية بالسخرية والفكاهة والشعور بالاعتراف بأننا جميعًا فئران واعية بذاتها تحاول فهم هذا الشيء المجنون الذي يسمى الحياة.
بديل ناجل لتحدي كامو للعبثية
تقدم فلسفة توماس ناجل حول الفكاهة والسخافة بديلاً منعشًا لفكرة ألبير كامو عن التحدي في مواجهة العبثية. وفقاً لناجل، فإن عبثيتنا لا تستحق الضيق أو التحدي. وبدلا من ذلك، ينبغي لنا أن نعترف بالعبثية باعتبارها مظهرا من مظاهر خصائصنا الإنسانية المتقدمة والمثيرة للاهتمام، والتي تنشأ من قدرتنا المذهلة على تجاوز الذات. هذا الموقف الساخر لا يدعو إلى اليأس، بل ابتسامة مرتبكة قليلاً، ضحكة احتفالية نفهم فيها عبثية الحياة، ومع ذلك نستمر فيها بغض النظر.
المصدر
Thomas Nagel On Why Humor is the Best Response to Life’s Absurdity | philosophy break
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :