كيف تؤثر مشاركة الآباء في رعاية أطفالهم الجُدد على صحتهم النفسية؟
يأتي المواليد الجدد بالبهجة لحياة الوالدين، ولكن إدخال طفل جديد لحياة الأب والأم يضعهم في مواجهة عدة تحديات مثل المشاعر القوية وقلة النوم. هذه التحديات تجعل كِلا الوالدين عرضة لاكتئاب ما بعد الولادة، وعلى الرغم من شيوع الحديث عنه لدى النساء إلا أنه يؤثر على 4% إلى 25% من الآباء الجدد في أول شهرين بعد الولادة، ويكون أكثر شيوعًا بين الرجال الّذين لديهم شريكات تعانين من اكتئاب ما بعد الولادة.
يعاني المصابون من عدة أعراض أهمها الحزن والإرهاق والقلق، وتتعارض هذه الأعراض مع أداء مهامهم اليومية.
يقول العلماء أن سبب اكتئاب ما بعد الولادة غير واضح، ولكن قد يكون مزيج من العوامل البيولوجية والبيئية. [1]
بينما تمت دراسة اكتئاب ما بعد الولادة على نطاق واسع بين الأمهات لا يزال الوعي والبحث العلمي حول أعراض الاكتئاب بين الآباء في بدايته.
أحد الظروف التي يبدو أنها تقلل من العرضة للإصابة بالاكتئاب هي مشاركة الأب في رعاية طفله الجديد هذا ما دفع مجموعة من الباحثين لدراسة العلاقة التي تربط بين مشاركة الأب في رعاية الطفل مبكرًا والإصابة بأعراض الاكتئاب لاحقًا.
نُشرت الدراسة في مجلة «Frontiers in Psychiatry» في سبتمبر الماضي، ودرس فيها الباحثون العلاقة التي تربط الوقت الذي يقضيه الأب مع طفله الجديد، وثقته بقدراته على أداء دور الأبوة، ودخله المادي مع إصابة الأب بالاكتئاب خلال السنة الأولى من حياة الرضيع. أُجريت الدراسة على عينة متنوعة عرقيًا تتكون من 881 أب من ذوي الدخل المنخفض من الولايات المتحدة.
تمت مقابلة الآباء بعد شهر، و6 أشهر، وسنة من ولادة أطفالهم. في كل مرة قيم فيها الباحثون إيمان الآباء بقدراتهم على أداء دور الأبوة، كما تم سؤالهم عن عدد المرات التي قدموا فيها الدعم المادي للطفل الجديد (مثل الطعام والمال والألعاب)، والعدد التقديري لساعات الاستيقاظ التي يقضونها مع أطفالهم، ومقدار الوقت الذي يقضونه بمفردهم مع أطفالهم خلال أيام الأسبوع العادية ويوم عطلة نهاية الأسبوع، وأخيرًا قيم الباحثون الحالة النفسية للآباء عن طريق مقياس إدنبرة للاكتئاب بعد الولادة_المقياس عبارة عن أسئلة فحص تُشير إلى ما إذا كان أصيب أحد الوالدين بالاكتئاب والقلق أثناء الحمل وفي العام الذي يلي ولادة الطفل. [2]
محتويات المقال :
نتائج الدراسة
كشفت النتائج أن الآباء الذين كانوا أكثر ثقة في قدراتهم على أداء دور الأبوة، وقضوا وقتًا أطول مع أطفالهم، وقدموا دعمًا ماديًا أكبر للطفل بعد شهر واحد من الولادة أظهروا أعراض اكتئاب أقل في السنة الأولى من عمر الطفل، وكانت هذه النتائج صحيحة حتى بعد حساب المتغيرات المختلفة مثل العمر والعرق والتعليم والحالة الزوجية للآباء.
يقول الباحثون أن هذه النتائج قد تشير إلى أن مشاركة الأب المبكرة في رعاية الطفل أمر مهم لصحة الأب النفسية، وكذلك الآباء الذين لديهم قدرة أقل على تقديم الدعم المادي للطفل قد يعانون من تدني في تقييمهم لقيمتهم الذاتية مما يجعلهم عرضة للاكتئاب.
تتطابق هذه النتائج إلى حد كبير مع الدراسات الأخرى حول هذا الموضوع، والتي تشير إلى العلاقة الإيجابية بين مساهمة الأب في رعاية الأطفال والصحة النفسية لكلا من الوالدين والأطفال.
العلاقة بين مشاركة الآباء في رعاية أطفالهم الجدد وإصابتهم بالاكتئاب
أَقَرّ الباحثون بأن العلاقة بين الاكتئاب ومشاركة الآباء في رعاية الأطفال وثقة الآباء في قدراتهم على أداء دور الأبوة لا تزال غير واضحة. في حين أن الاكتئاب قد يؤدي إلى انخفاض مشاركة الآباء في رعاية أطفالهم فإن العكس قد يكون صحيحًا أيضًا. كذلك لم يتم فحص تاريخ الآباء المشاركين مع الاكتئاب قبل وأثناء فترة الحمل مما يعني أنّ هناك احتمال أنْ يكون بعض الآباء مكتئبين بالفعل قبل ولادة أطفالهم مما أدى إلى انخفاض المشاركة في رعاية أطفالهم، وبالتالي هذه الدراسة لا تقول إنّ المزيد من المشاركة يؤدي إلى انخفاض الاكتئاب ولكنها تؤكد على وجود علاقة بينهم. [2]
يقترح الباحثون تفسيرًا لهذه العلاقة، وهو أن الآباء الذين يشعرون بالكفاءة كآباء قد يكونون أكثر رضا عن أنفسهم، ونتيجة لذلك تقل أعراض الاكتئاب لديهم. ربما تلعب الفكرة الثقافية للأب باعتباره معيلًا أيضًا دورًا هامًا، فتكون سببًا في شعور الآباء بالرضا تجاه أنفسهم عندما يتمكنون من منح أطفالهم الأساسيات الّتي يحتاجونها للنمو والازدهار.
يمكن أن يكون الآباء الذين يقضون وقتًا أطول مع أطفالهم محميين من أعراض الاكتئاب المستقبلية من خلال التغيرات في هرموناتهم أو وظائفهم العصبية. تدعم عدة دراسات سابقة هذا التفسير منها مايُظهر ارتباط بين الإصابة بالاكتئاب والتغيرات في مستوى هرمون الأوكسيتوسين عند الأب، يزداد هذا الهرمون عند الآباء عندما يتفاعلون بشكل إيجابي مع أطفالهم. [3]
في النهاية يُمثّل الآباء جزء رئيسي ومهم من الأسرة، وتستحق صحتهم النفسية والجسدية نفس القدر من الاهتمام بصحة الأمهات، وبالتالي يقترح الباحثون أن تُسلّط الدراسات القادمة الضوء على فعالية تعزيز ثقة الآباء بقدراتهم، والإجازات مدفوعة الأجر ليتمكن الآباء من قضاء وقتًا أطول مع أطفالهم الجُدد، والاهتمام بصحتهم النفسية.
إقرأ أيضًا: متلازمة الطفل الأوسط
المصادر:
[1]. healthline.com
[2]. frontiersin.org
[3]. sciencealert.com
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :