كيف أصبحت معادلات جيمس ماكسويل أعظم معادلات في التاريخ؟
اشتهر الفيزيائي “جيمس كلارك ماكسويل” بصياغته لأربع معادلات مميزة تجمع بين القوة الكهربية والقوة المغناطيسية. وقد فازت معادلاته بلقب “أعظم معادلات في التاريخ” من خلال استفتاء أُجري عام 2004. وقد شارك فيه الكثير من علماء الفيزياء حول العالم. تعرف معنا من خلال هذا المقال على قصة أعظم معادلات في التاريخ.
محتويات المقال :
أعظم المعادلات في التاريخ (ما بين الكهربية والمغناطيسية)
كان قد ركب العالم الفرنسي “جان باتيست بايو”، الذي كان ضليعًا في عدد من العلوم، منطادًا عام 1804م، ليقيس الحقل المغناطيسي للأرض على ارتفاع 4 آلاف متر. أما “فيليكس سافار” فكان طبيبًا لا يقصده الكثير من المرضى، فشغل وقته بدراسة آلة الكمان والظاهرة المغناطيسية. وقد أثمرت بحوثهما عن قانون (بايو-سافار) الذي ينص على:
“يولّد التيار الكهربائي المار في سلك معدني خطوط حقل مغناطيسي على شكل دوائر تقع مراكزها على طول ذلك السلك. وتتناسب شدة الحقل المغناطيس عكسًا مع مربع المسافة الفاصلة عنها”.
بذلك فقد كان خلاصة ما توصّل إليه علماء القرن التاسع عشر أنه يمكن تحويل التيار الكهربائي إلى حقل مغناطيسي والعكس أيضًا. وقد جاء “جيمس كلارك ماكسول” ليصرح بأن الظاهرتين ما هما إلا وجهان للشيء نفسه “وجهين لورقة واحدة”، ثم ظهر مسمى (الكهرومغناطيسية). كانت الكهرومغناطيسية فكرة ألمعية، لكنها كانت وصفًا أكثر من كونها تفسيرًا. فقد بيّنتْ كيفية عمل الأشياء دون أن تشرح سبب كونها على هذا النحو.
الكهرومغناطيسية في القرن العشرين
مع حلول القرن العشرين تم اكتشاف البنية الذرية للمادة. حيث علمنا أن الإلكترونات تدور حول نوى الذرات، كما تدور حول محاورها في الوقت ذاته (خاصية اسمها اللف spin). وأن الإلكترونات هي التي “تحمل” التيار الكهربائي أثناء حركتها في المعادن. إن الإلكترونات -بمعنىً ما- هي عبارة عن جسيمات أو حُبَيبات الكهرباء.
وكما أسلفنا فالكهرباء المتحركة تولّد قوى مغناطيسية. إذن أصبح واضحًا أن الإلكترونات المتحركة داخل الذرات تخلق حقولًا مغناطيسية حولها. ومعظم الإلكترونات توجد في الذرات مقترنة أزواجًا ذات سبين/لفّ متعاكس. لذا فإن الحقل المغناطيسي الذي يولده أحد إلكتروني زوج ما، يلغي الذي يولده شريكه.
ولكن إن كان في الذرة إلكترونات مفردة/ غير مقترنة (ذرة الحديد بها أربعة). إذن فإنها تخلق حقولًا تصطف بشكل متسق مع بعضها محولة الذرة إلى مغناطيس دقيق. وبذلك عندما نضع مادة كهذه في حقل مغناطيسي (أي مثلًا عندما نقرب مغناطيسًا من مسمار حديد) تصطف هذه الحقول متسقة مع الحقل الخارجي، ويحدث الانجذاب. وهذا يفسر أيضًا كيف يؤدي الطَّرْق المتكرّر أو التسخين فوق حرارة معينة إلى زوال التمغنط.
ولكن ماذا عن المواد الدايامغناطيسية (ذات المغناطيسية المغايرة)؟
هذه المواد ليس بها إلكترونات مفردة أو غير مقترنة، فلا يحدث فيها ما سبق. لكن بما أن الإلكترونات شحنات متحركة، فلها حقل مغناطيسي خاص بها. وبوجود حقل مغناطيسي خارجي، تغير هذه الإلكترونات قليلًا من مداراتها. فتولد حقلًا معاكسًا للحقل الخارجي (وفق قانون لنز Lenz)، دافعة هذه المادة بعيدًا عن المغناطيس.
فاصل معجمي
في الفيزياء يوجد مصطلحان مهمان وهما، سُلَّمي scalar، وشعاعي أو مُوجّه vector. حيث يكون مقدار ما سُلّميًا حين يكون له كمية فقط، دون اتجاه. وعلى سبيل المثال، الكتلة والشحنة مقداران سُلّميان. حيث أن كتلة الإلكترون 9.10938356 × 10^-³¹ كيلوجرام، أما شحنته 1.60217662 ×10^-19 كولوم. وبذلك نتسنتج أنه ليس للكتلة أو الشحنة اتجاه. وفي نشرة الطقس يكفي رقم واحد للتعبير عن درجة الحرارة مثلًا 35 مئوية، إذًا أيضًا ليس للحرارة اتجاه.
من ناحية أخرى فإن المقدار الشعاعي هو ما كان له كمية واتجاه. ففي نشرة الطقس، لا يكفي أن تخبرك أن سرعة الريح 30 كم/ساعة. لكن ستقول مقدمة النشرة: “تهب ريح شمالية غربية سرعتها 30 كم/ساعة”.
إن الحقل المغناطيسي ما هو إلا حقل شعاعي، لذلك نكثر في هذه المقالات الحديث عن اتجاه الحقل، وتعاكس الحقول أو تجاذبها. إذًا فكم شدة حقلين مغناطيسيين قيمة كل واحد منهما 1 تسلا؟ نحتاج لمعرفة الاتجاه! حيث أن قوة الأشعة لا تجمع كما تجمع الأرقام العادية. فقد تكون شدة الحقلين السابقين معًا هي 0 أو ربما 1.83 تسلا.
دور جيمس ماكسويل
قال جيمس ماكسويل أن التيار الكهربائي يولد حقلًا مغناطيسيًا ينتشر مبتعدًا تدريجًيا عن السلك. وهذا الحقل المغناطيسي يولد بدوره حقلًا كهربائيًا ثانويًا. كما سيولد هذا الأخير حقلًا مغناطيسًا يولد حقلا كهربائيًا وهكذا شيئا فشيئا تنتشر الموجة. بذلك، حصل ماكسويل من معادلاته على قيمة قريبة جدًا من قيمة سرعة الضوء كما قاسها “فيزو” آنذاك.
“إذا كانت الموجات تنتشر بسرعة الضوء، فليس هذا مصادفة، بل لأن الضوء هو نفسه موجة كهرومغناطيسية”.
ماكسويل
كان هذا هو لب مفهوم الطبيعة الموجية للضوء وأساس معادلات جيمس ماكسويل. وبذلك نستنتج أن الضوء ليس كالصوت اهتزازًا ميكانيكيًَا لجزيئات الهواء. ولكنه اهتزاز ينتشر حتى في الفراغ، ودون الحاجة لفكرة الأثير. حيث أن الحقول الكهربائية والمغناطيسية تنتشر لتوليده.
كيف أصبحت معادلات ماكسويل أعظم معادلات في التاريخ؟
كان الفيزيائي الألماني “هاينريش هيرتز” الذي برهن على وجود هذه الحقول عمليًا في تشرين الأول/أكتوبر عام 1886م، وحدث ذلك بعد سبع سنوات من موت ماكسول. وكانت هذه هي الموجات الراديوية التي يلتقطها مذياعك (إن كنت لا تزال تملك واحدًا أو تستخدمه). يعمل الراديو عن طريق هوائيّ antenna مُرسِل وهوائيّ مستقبِل.
ثم بعد ذلك توالت الإنجازات العلمية، حيث استطاع العالم الإيطالي “ماركوني” اختراع جهاز التلجراف عام 1895م. وفي عام 1901م تحقق أول اتصال لاسلكي عبر المحيط الأطلنطي.
ليس الضوء المرئي والأمواج الراديوية وحدهما عبارة عن حقلين كهرومغناطيسيين. ولكن أمواج الميكروويف، والأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية، والأشعة السينية (x ray) التي لا يستغني عنها الطب، وكذلك أشعة جاما. جميعها تنتمي إلى الطيف الكهرومغناطيسي.
أصبحت معادلات جيمس ماكسويل الأربع الشهيرة أعظم معادلات في تاريخ الفيزياء. حيث أن المعادلتين الأوليتين تصفان -كل على حدة، وبالترتيب- خصائص الحقل الكهربائي والحقل المغناطيسي. بالإضافة إلى ذلك فإن الثانية مثلًا تؤكد استحالة وجود أقطاب مغناطيسية مفردة (لن تجد مغناطيسًا له قطب شمالي فقط دون قطب جنوبي). وبالتالي فالمعادلتين الثالثة والرابعة تصفان التداخل بين الحقلين الكهربائي والمغناطيسي. إليك صورة توضح معادلات جيمس ماكسويل الأربع.
كانت أربع معادلات دقيقة أنيقة، جميلة عند بعضهم بما يكفي لكي يطبعها على قميصه أو كنزته. وعظيمة عند بعضهم كي يعدها أهم حدث في تاريخ الحضارة البشرية. قصة ملحمة ساهم في كتابتها أورستد وفاراداي وهرتز وسافار وبايو وأمبير. ولكن ماكسويل هو من أعطاها شكلها النهائي، حيث فازت معادلات جيمس ماكسويل النهائية بمنصب أعظم معادلات في التاريخ.
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :