Ad

في تعاون رائد، اكتشف باحثون من جامعة كاليفورنيا وسان دييغو وجامعة ليدز في المملكة المتحدة متلازمة مرتبطة بكوفيد-19 لم تكن معروفة سابقًا والتي تركت العلماء والأطباء في حيرة من أمرهم. يسلط الاكتشاف الذي نُشر بمجلة eBioMedicine، الضوء على مرض مناعي ذاتي نادر لوحظ لدى المرضى الذين أصيبوا بـCOVID-19 أو تعرضوا له.

بدأت القصة عندما تلقى الدكتور براديبتا غوش، أستاذ الطب الخلوي والجزيئي في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، بريدًا إلكترونيًا من الدكتور دينيس ماكجوناجل، أستاذ أبحاث الروماتيزم في جامعة ليدز. ولاحظ ماكجوناجل اتجاهًا لحالات نادرة من أمراض المناعة الذاتية، وتحديدًا التهاب الجلد والعضلات، لدى المرضى الذين تم تطعيمهم ضد كوفيد-19. كانت الحالات غير عادية حيث ظهرت عليها تندبات شديدة في الرئة والتهاب في المفاصل وآلام في العضلات، والتي غالبًا ما ترتبط بمرض الرئة الخلالي.

كان غوش، وهو أيضًا المدير المؤسس لمعهد طب الشبكات في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، مفتونًا بنتائج ماكجوناجل ورأى فرصة للتعاون في البحث. وقاموا معًا بتجميع فريق من الخبراء من الجامعتين لاستكشاف سر هذه المتلازمة الجديدة. أدى بحثهم إلى تحديد حالة غير معروفة سابقًا. والتي أطلقوا عليها اسم MDA5-المناعة الذاتية والتهاب الرئة الخلالي المعاصر لـCOVID-19، أو MIP-C.

لنتائج الدراسة آثار بعيدة المدى على فهمنا للعلاقة المعقدة بين كوفيد-19 واضطرابات المناعة الذاتية. بينما يواصل الباحثون كشف أسرار MIP-C، فقد يكشفون عن طرق جديدة للعلاج ويسلطون الضوء على الآليات الأساسية التي تسبب هذه الحالة المعقدة.

معضلة عمرها قرن من الزمان: فهم التهاب الجلد والعضلات ومرض الرئة الخلالي

إن اكتشاف MIP-C متجذر بعمق في فهم مرضين غامضين وهما التهاب الجلد والعضلات ومرض الرئة الخلالي. وقد وصف المرض لأول مرة في أواخر القرن التاسع عشر وهو أحد أمراض المناعة الذاتية، ويتميز المرض بالتهاب الجلد والعضلات، مما يؤدي إلى ظهور طفح جلدي  وضعف العضلات. يصيب المرض الأفراد من جميع الأعمار، ولكنه أكثر انتشارًا بين النساء والأشخاص من أصل آسيوي. وعلى الرغم من تاريخه الطويل، إلا أن الأسباب الدقيقة لحدوثه لا تزال غير واضحة، ويمكن أن يكون تشخيصه أمرًا صعبًا.

من ناحية أخرى، يشير مرض الرئة الخلالي إلى مجموعة من الاضطرابات التي تؤثر على الرئتين، وتسبب تندب والتهاب في الأنسجة المحيطة بالأكياس الهوائية. يؤدي هذا التندب إلى صعوبة مرور الأكسجين إلى مجرى الدم، مما يؤدي إلى صعوبات في التنفس. وفي الحالات الحرجة يؤدي إلى فشل الجهاز التنفسي. ويعد المرض حالة معقدة لها أسباب متعددة، بما في ذلك العوامل البيئية والوراثية وعوامل المناعة الذاتية.

منذ فترة طويلة تم التعرف على العلاقة بين التهاب الجلد والعضلات ومرض الرئة الخلالي. في الواقع فإن حوالي 30٪ من المرضى الذين يعانون من التهاب الجلد والعضلات يصابون بمرض الرئة الخلالي، مما يؤدي إلى تفاقم تشخيصهم بشكل كبير. ومع ذلك ظلت الآليات الأساسية التي تحرك هذا الارتباط غير واضحة، حتى اكتشاف MIP-C.

ومن خلال استكشاف العلاقة بين المناعة الذاتية لـ MDA5 ومرض الرئة الخلالي، ألقت غوش وفريقها ضوءًا جديدًا على العلاقات المعقدة بين هذين المرضين. كما سلط اكتشاف MIP-C الضوء على الدور الحاسم للسيتوكينات، مثل إنترلوكين 15، في تحفيز تطور مرض الرئة الخلالي.

إن كشف ألغاز التهاب الجلد والعضلات ومرض الرئة الخلالي كان مسعى دام قرنًا من الزمان. يمثل اكتشاف MIP-C علامة بارزة في هذه الرحلة، مما يوفر أملًا جديدًا للمرضى الذين يعانون من هذه الحالات المدمرة. مع استمرار الباحثين في كشف تعقيدات MIP-C، فقد يكتشفون طرقًا جديدة لعلاج هذه الأمراض، مما يؤدي في النهاية إلى تحسين حياة الملايين في جميع أنحاء العالم.

فك الشفرة: BoNE يكشف السبب وراء MIP-C

في سعيهم لكشف العلاقة الغامضة بين كوفيد-19 واضطرابات المناعة الذاتية، لجأ الباحثون إلى إطار حسابي قوي يسمى BoNE، أو Boolean Network Explorer. تم تصميم هذه الأداة المبتكرة، التي طورتها الدكتورة براديبتا غوش وفريقها في معهد طب الشبكات في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، لاستخراج رؤى قابلة للتنفيذ من كميات هائلة من البيانات.

تكمن قوة BoNE الفريدة في قدرته على تحديد الأنماط الشائعة بين المرضى مع تجاهل الفروق الفردية. سمح ذلك لغوش وفريقها بتحديد السبب الكامن وراء متلازمة يوركشاير، المعروفة الآن باسم MDA5-المناعة الذاتية والالتهاب الرئوي الخلالي المتزامن مع كوفيد-19 (MIP-C).

من خلال تطبيق BoNE على البيانات، اكتشف الباحثون أن المرضى الذين لديهم أعلى مستويات استجابة MDA5 أظهروا أيضًا مستويات عالية من الإنترلوكين 15، وهو السيتوكين الذي يمكنه دفع الخلايا المناعية إلى حافة الإرهاق وإنشاء نمط ظاهري مناعي مميز للرئة الخلالية التقدمية. وقد وفر هذا الاكتشاف المذهل الرابط الحاسم بين المناعة الذاتية لـ MDA5 والتطور السريع لمرض الرئة الخلالي لدى هؤلاء المرضى.

كما مكّن استخدام BoNE الفريق من تحديد تعدد أشكال النوكليوتيدات المفردة المحددة التي توفر الحماية ضد MIP-C. هذا الاكتشاف له آثار بعيدة المدى على تطوير العلاجات لهذه المتلازمة التي تم تحديدها.

يوضح التعاون الناجح بين فريق غوش ومجموعة الدكتور دينيس ماكجوناجل في المملكة المتحدة قوة الأبحاث متعددة التخصصات وأهمية الجمع بين الخبرة السريرية والأدوات الحسابية المتطورة. وكما يشير غوش، “تم تصميم BoNE لتجاهل العوامل التي تميز المرضى في المجموعة مع تحديد ما هو مشترك بين كل فرد في المجموعة بشكل انتقائي”. لقد نجح هذا النهج الفريد في فك الشفرة، وفتح الباب لفهم العلاقة الغامضة بين كوفيد-19 واضطرابات المناعة الذاتية.

من يوركشاير إلى العالم: الكشف عن التأثير العالمي لـ التهاب الرئة الخلالي MIP-C

كان اكتشاف التهاب الرئة الخلالي MIP-C في يوركشاير بالمملكة المتحدة مجرد بداية حيث أدرك غوش وفريقه أن هذه المتلازمة الجديدة لا تقتصر على المملكة المتحدة وحدها. بدأت التقارير عن أعراض MIP-C تتدفق في جميع أنحاء العالم، مما أثار قلقًا عالميًا. وكان السؤال الذي دار في أذهان الجميع هو: ما مدى انتشاره، وماذا يعني بالنسبة لمجتمع الصحة العالمي؟

كشف التعاون بين فريقي غوش وماكجوناجل أن المرض تم الإبلاغ عنه في مجموعات سكانية مختلفة، مما أثار تساؤلات حرجة حول مدى انتشاره وحدوثه وتوزيعه الجغرافي. وأشارت النتائج التي توصل إليها الفريق إلى صورة أكبر وأكثر تعقيدًا، حيث من المحتمل أن يؤثر على ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم.

وشدد غوش على أن فهم التأثير العالمي لـ MIP-C يتطلب جهدًا متضافرًا لجمع البيانات وتحليلها من مناطق مختلفة.

وقد تم تنبيه منظمة الصحة العالمية وغيرها من السلطات الصحية العالمية إلى ظهور متلازمة التهاب الرئة الخلالي. وتبذل الجهود الآن لتطوير معايير تشخيصية موحدة، وبروتوكولات علاجية، وأنظمة مراقبة لتتبع انتشار هذه المتلازمة الجديدة.

ويعمل فريق غوش حاليًا على المرحلة التالية من البحث وهي الكشف عن العوامل الوراثية والبيئية التي تساهم في الإصابة بـالمرض، إضافة إلى المؤشرات الحيوية المحتملة التي يمكنها اكتشاف الحالة مبكرًا. الهدف النهائي هو تطوير علاجات مستهدفة وتدابير وقائية للتخفيف من تأثير MIP-C.

أثار اكتشاف غوش نقاشًا عالميًا حول العواقب طويلة المدى لكوفيد-19 وأهمية البحث المستمر في اضطرابات المناعة الذاتية. وبينما يتصارع العالم مع العواقب البعيدة المدى لـالتهاب الرئة الخلالي MIP-C، هناك شيء واحد واضح: وهو أن التعاون ومشاركة البيانات والالتزام بتعزيز فهمنا لهذه المتلازمة الجديدة هي أمور بالغة الأهمية لحماية الصحة العالمية.

منارة الأمل: كشف سر MIP-C لفتح علاجات جديدة

لقد فتح اكتشاف MIP-C آفاقًا جديدة للبحث في علاجات هذه الحالة. إن تحديد إنترلوكين-15 كحلقة سببية بين المناعة الذاتية لـ MDA5 والالتهاب الرئوي الخلالي المتزامن مع كوفيد-19 يقدم بصيص أمل للمتضررين من هذا المرض الغامض.

ومن خلال تحديد دور الإنترلوكين 15 في دفع الجهاز المناعي إلى تفاقم تندب الرئة، يمكن للباحثين الآن البدء في استكشاف العلاجات المستهدفة للتخفيف من آثاره. هذا الإنجاز لديه القدرة على تحسين حياة الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء العالم الذين يعانون من التهاب الرئة الخلالي، وقد يؤدي حتى إلى تطوير علاجات جديدة لأمراض المناعة الذاتية الأخرى.

تمتد الآثار المترتبة على هذا الاكتشاف إلى ما هو أبعد من نطاق أبحاث كوفيد-19. إن فهم التفاعل المعقد بين الجهاز المناعي وأنزيمات استشعار الحمض النووي الريبي (RNA) مثل MDA5 يمكن أن يكون له عواقب بعيدة المدى على فهمنا للاستجابة المناعية البشرية للعدوى الفيروسية.

علاوة على ذلك، فإن تطبيق BoNE يحمل إمكانات هائلة لكشف أسرار الأمراض المعقدة. ومن خلال الاستفادة من قوة البيانات الضخمة والتعلم الآلي، يمكن للباحثين الآن استكشاف أسرار جسم الإنسان بطرق لم يكن من الممكن تصورها من قبل.

وبينما نتطلع إلى المستقبل، فإن اكتشاف MIP-C هو بمثابة منارة أمل للمتضررين من اضطرابات المناعة الذاتية. ومن خلال كشف سر هذه الحالة الغامضة، يمهد الباحثون الطريق لعلاجات جديدة يمكن أن تغير حياة الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم. ستكون الرحلة المقبلة طويلة وشاقة، ولكن بقوة التعاون والابتكار، يمكننا كشف أسرار جسم الإنسان وخلق مستقبل أكثر إشراقًا للجميع.

المصدر

https://today.ucsd.edu/story/an-entirely-new-covid-related-syndrome

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


طب

User Avatar

Asmaa Wesam

حاصلة على الماجستير في الصحافة، مهتمة بقضايا الصحة والبيئة.


عدد مقالات الكاتب : 52
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

النشرة الاخبارية

اشترك الان مجانا


يمكنكم الاشتراك في النشرة الاخبارية الخاصة بمجتمع المكتبة بوست ليسلكم جديد الموضوعات

اختر المجال المهم لك


 

Please enable JavaScript in your browser to complete this form.

This will close in 65 seconds