دراسة جديدة نشرت في مجلة (The Anatomical Record)، تتحدى الاعتقاد السائد منذ فترة طويلة بأن عيون الجراء هي نتيجة للإستئناس (domestication). نُشرت الدراسة في 10 أبريل في جامعة ميدويسترن في إلينوي، عن طريق دراسة عينة تم التبرع بها من حديقة الحيوان. وشرع الباحثون في التحقق مما إذا كانت عضلات الوجه المتطورة للغاية في الكلاب المنزلية فريدة من نوعها أم أن أنواعًا أخرى من الكلاب تمتلك هذه العضلات أيضًا. تدحض النتائج التي توصلوا إليها دراسة أجريت عام 2019 أشارت إلى أن الكلاب المنزلية طورت هذه العضلات خصيصًا للتواصل مع البشر. ومن خلال تشريح عينة من الكلاب البرية الأفريقية، اكتشف الفريق أن هذه الكلاب تمتلك أيضًا عضلات وجه متطورة للغاية، مماثلة لتلك الموجودة في الكلاب المنزلية.
محتويات المقال :
الجذور التطورية لتعابير الوجه
تعابير الوجه هي جانب أساسي من التواصل بين الحيوانات، حيث تنقل المشاعر والنوايا. يستخدم البشر والرئيسيات وحتى بعض الأسماك تعابير الوجه للتواصل، لكن هل تساءلت يومًا كيف تطورت هذه اللغة المعقدة؟ إن الكشف عن الجذور التطورية لتعبيرات الوجه يأخذنا في رحلة رائعة عبر تاريخ التواصل بين الحيوانات.
يعود أقدم دليل على تعابير الوجه إلى حوالي 400 مليون سنة مضت، خلال العصر السيلوري. تستخدم الحشرات، مثل النمل والخنافس، حركات وجه بسيطة للإشارة إلى العدوان أو المغازلة أو الإنذار. من المحتمل أن تعبيرات الوجه المبكرة هذه كانت بدائية ومحدودة، لكنها مهدت الطريق للتواصل الاجتماعي المعقد الذي نراه اليوم.
مع تطور الحيوانات، تطور أيضًا تعقيد تعابير وجهها. طورت البرمائيات والزواحف والثدييات عضلات وجه أكثر تطورًا، مما سمح بمجموعة أكبر من التعبيرات العاطفية. في الثدييات، يرتبط تطور عضلات الوجه ارتباطًا وثيقًا بالسلوك الاجتماعي. تمتلك الحيوانات الاجتماعية للغاية، مثل القرود والبشر، عضلات وجه أكثر تطورًا، مما يمكنها من نقل المشاعر الدقيقة.
دحض فرضية الاستئناس
لفترة طويلة، اعتقد العلماء أن العيون الحزينة والمتوسلة للكلاب الأليفة كانت نتيجة لآلاف السنين من الاستئناس. كانت النظرية هي أن الكلاب تطورت لتجعل عيونها حزينة للتلاعب بمقدمي الرعاية من البشر لمنحهم الطعام والمودة. تم دعم هذه الفكرة من خلال دراسة أجريت عام 2019 وجدت أن الكلاب المنزلية لديها عضلات متطورة للغاية حول أعينها مقارنة بالذئاب، مما يسمح لها بعمل نطاق أوسع من تعبيرات الوجه.
ومع ذلك، فقد قلبت دراسة جديدة نشرت في مجلة (The Anatomical Record) هذه النظرية رأسا على عقب. اكتشف الباحثون أن الكلاب البرية الأفريقية، وهي من الأنواع الاجتماعية للغاية التي تعيش في مجموعات، لديها نفس العضلات المسئولة عن “عيون الجراء” مثل الكلاب المنزلية. يدحض هذا الاكتشاف فكرة أن الكلاب المنزلية طورت هذه العضلات خصيصًا للتفاعل مع البشر.
تقول هيذر سميث، عالمة التشريح في جامعة ميدويسترن في إلينوي والمؤلفة الرئيسية للدراسة، إن هذا الاكتشاف يدحض نوعًا ما فكرة أن الكلاب المنزلية هي الكلاب الوحيدة التي تمتلك هذا، وأنها تطورت خصيصًا من أجلنا. وبدلاً من ذلك، تشير الدراسة إلى أن عضلات العين هذه ربما تطورت لسبب مختلف تمامًا.
أحد الاحتمالات هو أن هذه العضلات تطورت لمساعدة الكلاب البرية الأفريقية على التواصل والتنسيق مع بعضها البعض أثناء الصيد في السافانا المفتوحة. نظرًا لأنهم يعيشون في مجموعات، فهم بحاجة إلى أن يكونوا قادرين على إرسال إشارات بصرية صامتة لبعضهم البعض عبر مسافات طويلة. قد تكون وجوههم شديدة التعبير تكيفًا مع هذه البيئة، مما يسمح لهم بنقل المعلومات دون إصدار صوت.
يتحدث هذا التكيف الرائع عن الديناميكيات الاجتماعية المعقدة للكلاب البرية الأفريقية. حيث يعيشون في مجموعات من خمسة إلى تسعة أفراد، ويعتمدون على الإشارات البصرية للحفاظ على الانسجام والصيد بنجاح. تعد عضلات الوجه المتطورة للغاية بمثابة شهادة على أهمية التواصل غير اللفظي في بقائهم على قيد الحياة.
كشف أسرار السلوك الاجتماعي للكلاب
يلقي هذا البحث الضوء على الضغوط التطورية التي شكلت تطور عضلات الوجه هذه. في حالة الذئاب، على سبيل المثال، قد يكون الاعتماد على النطق وإشارات الرائحة قد قلل من الحاجة إلى عضلات الوجه المتطورة للغاية. وفي الوقت نفسه، طورت الكلاب البرية الأفريقية والكلاب الأليفة ذات التوجه الاجتماعي والبصري الشديد عضلات وجه أقوى لتسهيل تفاعلاتها الاجتماعية المعقدة.
ماذا يعني هذا بالنسبة لفهمنا للسلوك الاجتماعي للكلاب؟ أولاً، فهو يسلط الضوء على أهمية الإشارات البصرية في التواصل بين الكلاب. لا تتفاعل الكلاب وغيرها من الكلاب مع بيئتها فحسب؛ إنهم يستخدمون تعبيرات الوجه بنشاط لنقل المعلومات والتنسيق مع الآخرين. وهذا يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى فهمنا لسلوك الكلاب، مما يشير إلى أن هذه الحيوانات أكثر انسجاما مع الحالات العاطفية لبعضها البعض مما كنا نعتقد سابقا.
علاوة على ذلك، فإن هذا البحث له آثار على أصحاب الكلاب ومدربيها. من خلال إدراك أهمية تعبيرات الوجه في التواصل بين الكلاب، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل كيف تحاول كلابنا نقل المعلومات إلينا. وهذا يمكن أن يؤدي إلى أساليب تدريب أكثر فعالية، فضلا عن تقدير أعمق للحياة العاطفية لأصحابنا الكلاب.
وبينما يواصل العلماء استكشاف تشريح الوجه لأنواع الكلاب البرية الأخرى، فقد نكشف عن رؤى أكثر إثارة للدهشة حول الديناميكيات الاجتماعية المعقدة لهذه الحيوانات. ومع ذلك، هناك شيء واحد واضح: اكتشاف “عيون الجرو” في الكلاب البرية الأفريقية قد فتح آفاقًا جديدة رائعة في دراسة سلوك الكلاب، ولا يمكننا الانتظار لنرى ما هي الأسرار الأخرى التي تخبئها هذه الحيوانات لنا.
المصادر:
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :