Ad
هذه المقالة هي الجزء 6 من 9 في سلسلة محطات مهمة عن الثورة العلمية

صراع ويليام هارفي وديكارت على أنقاض جالينوس

هيمنت تعاليم الفيزيائي اليوناني القديم “جالينوس” على الفكر الطبي الغربي لما يقرب من 1400 عام. لذا فليس من المستغرب أن التفسيرات الفيزيولوجية المنطقية الجديدة للظواهر قوبلت بمقاومة. رفض ديكارت وهارفي وجهة نظر جالينوس القائلة بأن الدم يتحرك ببساطة للأمام والخلف من خلال نفس الوعاء. [1]

قال هارفي أن القلب عبارة عن مضخة عضلية تضخ الدم إلى جميع أنحاء الجسم ثم تعود إلى القلب، وهو ما شكك فيه ديكارت. كما عارض تفسير هارفي لطبيعة الانقباض والانبساط، كل هذا دون مساعدة من أي أدوات دقيقة.

يعكس مفهوم علم وظائف الأعضاء عند ديكارت تفانيه في بناء نظام فلسفي موحد، يضم الفيزياء والرياضيات وعلم النفس وعلم الكونيات ونظرية المعرفة وجوانب معينة من الدين. لقد نظر ديكارت إلى الجسم بطريقة ميكانيكية، واعتبره مجموعة من الآلات. وأنه يمكن تحويل وظائف الجسم المختلفة إلى نماذج ميكانيكية مماثلة للساعة والآلات التي تعتمد على الروافع والبكرات.

رفض ديكارت نظرية المضخة الآلية القلبية لويليام هارفي!

على الرغم من هذه الميول الآلية الدافعة لقبول ديكارت لأفكار هارفي، رفض ديكارت فكرة أن القلب هو مجرد مضخة تدفع الدم إلى الجسد. يعكس هذا جزئيًا اعتقاد ديكارت بأن الإرادة تتحكم في جميع العضلات. لم يعلم ديكارت بإمكانية وجود عضلات لاإرادية من الأساس.

على الرغم من اعتراف ديكارت بأن بعض الحركات العضلية، مثل رد فعل اليد التلقائي للوخز، يمكن أن ينتج عنه فعل انعكاسي، إلا أنه رفض فكرة الانقباض العضلي اللاإرادي.

اعتقد ديكارت أن القلب لا يمكن أن يكون مضخة، بل هو فرن. يسخّن الفرن القلبي جزيئات صغيرة في الدم، مما تسبب تمددها على الفور. هذا التمدد الديناميكي والمفاجئ للدم داخل القلب تسبب في تضخم العضو مما أجبر الصمامات الأذينية البطينية أن تنغلق، وتفتح الصمامات شبه القمرية.

عندما ينطلق الدم الحار في الشريان، يتمدد الشريان، وهو ما كان مرئيًا للعين المجردة ويمكن الشعور به حينذاك. تخيل ديكارت أنه عندما يبرد الدم، فهو يأخذ مساحة أقل، وتنهار الشرايين والأوردة – كما يفعل القلب نفسه. لكنه اتفق مع هارفي على أن الدم يعود إلى القلب من خلال نظام من الأوردة، لكن الدم الحار هو الذي يحرك الدورة الدموية وليس القلب نفسه.

عندما يعود الدم البارد إلى القلب من أجزاء مختلفة من الجسم، يختلط بكمية صغيرة من الدم باقية في القلب. هذا الدم المتبقي وفقًا لديكارت، يمتلك خاصية تشبه الخميرة التي تسبب تمدد الدم العائد إلى البطين، وبالتالي بدء العملية مرة أخرى. لذلك، شبّه ديكارت القلب بالفرن.

لم يفكر ديكارت في القلب على أنه عضلة، ولم يتخيل أن حركته نتيجة لانقباض عضلي لا إرادي كما اعتقد هارفي. لكن تغير حجم القلب وشكله لأن الدم داخله يتمدد بسرعة مع تسخينه وإجباره على الخروج إلى نظام الأوعية الدموية بينما يبرد بسرعة أثناء دورانه في الجسم. [5]

صدام بين العقلانية والتجريبية

الفارق الرئيسي بين ديكارت وهارفي هو الفارق بين العقلاني والتجريبي. فويليام هارفي كان تجريبيًا يصل إلى استنتجاته بالتجربة. أما ديكارت، فحاول توفيق العالم مع نظرة فلسفية عقلانية. وقد بدا لنا من ذلك الصراع نشأة ملامح منهج وليد بين الأرسطية والديكارتية، هو المنهج التجريبي. لكن لم يظهر المنهج التجريبي على الفور بالطبع، كما لم تمت الأرسطية على الفور.

حتى الديكارتيين أمثال مالبرانش استمروا في استخدام مصطلحات المادة والشكل في تصورهم للعالم المادي. فالفلسفة الطبيعية الأرسطية قدمت مجموعة من المفاهيم التي ساعدتها على البقاء.

مع تطور العلم في القرن السابع عشر، لم يتخلص أتباع ديكارت من مفهوم الشكل بالكلية، بل أعادوا تفسيره ليناسب أفكارهم. بالتالي، يمكننا القول أن أفكار ديكارت والأرسطية كان لهما أثر كبير على علماء ومفكرين القرن السابع عشر. ورغم هدم ديكارت للأرسطية، إلا أنها كانت تعود في الأمور التي يغيب التفسير العلمي التجريبي الدقيق عنها في كثير من الأحيان.

المصادر

[1] Hurst JW: Robert C. Schlant. (Profiles in Cardiology[Eds. Hurst JW andFye WB]). Clin Cardiol1999;602–605

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فلسفة علم تاريخ

User Avatar

Elakademia Post

الأكاديمية هي مبادرة تطوعية غير ربحية تهدف إلى نشر العلم في المجتمع العربي من أجل غدٍ أفضل.


عدد مقالات الكاتب : 53
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق