Ad

يعد أصل الحياة على الأرض أحد أكثر الأسئلة إثارة للاهتمام في العلوم. لعقود من الزمن، تساءل العلماء عن كيفية تحول المادة غير الحية إلى خلايا حية قادرة على التكاثر، والتمثيل الغذائي، والتطور. وفي الآونة الأخيرة، ألقى اكتشاف رائد ضوءًا جديدًا على هذه العملية الغامضة. يكشف البحث، الذي نشر في مجلة (Science Advances)، أن مياه الأمطار ربما تكون كونت الخلايا الأولية، مما مهد الطريق لتكون الحياة. في هذا المقال، سوف نتعمق في القصة الرائعة لكيفية كشف العلماء لأسرار بدايات الحياة.

الأصول الغامضة للحياة

أحد الأسئلة الأكثر إثارة للاهتمام في العلوم هو كيف بدأت الحياة على الأرض. لقد تساءل العلماء منذ فترة طويلة عن كيفية تحول المواد غير الحية مثل الماء والغازات والرواسب المعدنية إلى خلايا حية قادرة على التكاثر والتمثيل الغذائي والتطور.

أجرى الكيميائيان ستانلي ميلر وهارولد أوري في جامعة شيكاغو تجربة في عام 1953، حيث أظهرا أن المركبات العضوية المعقدة، أي الجزيئات المعتمدة على الكربون، يمكن تصنيعها من مركبات عضوية وغير عضوية أبسط. وباستخدام الماء والميثان والأمونيا وغازات الهيدروجين والشرارات الكهربائية، قام هؤلاء الكيميائيون بتكوين الأحماض الأمينية.

الخلايا الأولية

يعتقد العلماء أن أقدم أشكال الحياة، والتي تسمى الخلايا الأولية (protocells)، نشأت تلقائيًا من جزيئات عضوية كانت موجودة على كوكب الأرض في مراحلة المبكرة. ومن المحتمل أن هذه الهياكل البدائية الشبيهة بالخلايا كانت تتكون من مادة مصفوفة توفر إطارًا هيكليًا ومادة وراثية تحمل تعليمات لوظيفتها..

وبمرور الوقت، تطورت قدرة هذه الخلايا الأولية تدريجيًا على تكرار وتنفيذ العمليات الأيضية. وهناك شروط معينة ضرورية لحدوث التفاعلات الكيميائية الأساسية، مثل مصدر ثابت للطاقة، والمركبات العضوية، والماء. توفر الأجزاء التي تشكلها المصفوفة والغشاء بشكل حاسم بيئة مستقرة يمكنها تركيز المواد المتفاعلة وحمايتها من البيئة الخارجية، مما يسمح بحدوث التفاعلات الكيميائية اللازمة.

ويقترح العلماء نموذجين متميزين من الخلايا الأولية، الحويصلات (vesicles) والغرونيات (coacervates)، والتي ربما لعبت دورًا محوريًا في المراحل المبكرة من الحياة.

الأمطار كونت الخلايا الأولية

الحويصلات والغرونيات

الحويصلات عبارة عن فقاعات صغيرة، مثل الصابون في الماء، مصنوعة من جزيئات دهنية تسمى الليبيدات (lipids) والتي تشكل بشكل طبيعي صفائح رقيقة. وتتشكل الحويصلات عندما تتجعد هذه الصفائح لتشكل كرة يمكنها تغليف المواد الكيميائية وحماية التفاعلات الحيوية من البيئة القاسية والتدهور المحتمل.

وتشبه الحويصلات بنية ووظيفة الخلايا الحديثة. ومع ذلك، على عكس أغشية الخلايا الحديثة، كانت الخلايا الأولية الحويصلية تفتقر إلى البروتينات المتخصصة التي تسمح بشكل انتقائي للجزيئات بالدخول إلى الخلية والخروج منها وتمكين الاتصال بين الخلايا. وبدون هذه البروتينات، ستكون الخلايا الأولية الحويصلية ذات قدرة محدودة على التفاعل بفعالية مع البيئة المحيطة بها، مما يحد من قدرتها على الحياة.

إن الغرونيات هي قطرات تتكون من تراكم الجزيئات العضوية مثل الببتيدات والأحماض النووية. وهي تتشكل عندما تلتصق الجزيئات العضوية ببعضها البعض بسبب الخواص الكيميائية التي تجذبها لبعضها البعض، مثل القوى الكهروستاتيكية بين الجزيئات المشحونة بشكل متضاد. هذه هي نفس القوى التي تسبب التصاق البالونات بالشعر.

ويمكن للمرء أن يتصور الغرونيات على شكل قطرات من زيت الطهي معلقة في الماء. وعلى غرار قطرات الزيت، تفتقر هذه الخلايا الأولية إلى غشاء. وبدونه، يمكن للمياه المحيطة أن تتبادل المواد بسهولة مع الخلايا الأولية. تساعد هذه الميزة الهيكلية على تركيز المواد الكيميائية وتسريع التفاعلات الكيميائية، مما يخلق بيئة صاخبة لوحدات بناء الحياة.

وبالتالي، يبدو أن غياب الغشاء يجعل الغرونيات مرشحة أفضل لتكون خلية أولية من الحويصلات. ومع ذلك، فإن الافتقار إلى الغشاء يمثل أيضًا عيبًا كبيرًا يتمثل في إمكانية تسرب المادة الوراثية.

كيف ساعدت الأمطار وكونت الخلايا الأولية؟

أظهرت دراسة أُجريت في عام 2022 أن قطرات الغرونيات يمكن أن تكون مستقرة وتتجنب الاندماج إذا غُمرت في ماء منزوع الأيونات، ماء خالٍ من الأيونات والمعادن المذابة. تقذف القطرات أيونات صغيرة في الماء، مما يسمح على الأرجح للبوليمرات المشحونة بشكل معاكس على الأطراف بالاقتراب من بعضها البعض وتكوين طبقة شبكية. حيث يعيق هذا “الجدار” الشبكي اندماج القطرات بشكل فعال. تعتبر هذه الظاهرة حاسمة بالنسبة للمراحل المبكرة من الحياة، لأنها تسمح بالإنقسام والحفاظ على تسلسلات جينية متميزة.

وقد قام العلماء بدراسة تبادل المواد الوراثية بين الخلايا الأولية. حيث وضعوا مجموعتين منفصلتين من الخلايا الأولية، عولجتا بماء منزوع الأيونات، في أنابيب اختبار. كانت إحدى هاتين المجموعتين تحتوي على الحمض النووي الريبوزي.

وعندما تم خلط المجموعتين، ظل الحمض النووي الريبوزي محصوراً في الخلايا الأولية الخاصة به لعدة أيام. وكانت “الجدران” الشبكية للخلايا الأولية تمنع الحمض النووي الريبوزي من التسرب.

ولكن، عندما تم خلط الخلايا الأولية التي لم تُعالَج بماء منزوع الأيونات، انتشر الحمض النووي الريبوزي من خلية أولية إلى أخرى في غضون ثوانٍ.

وبناءًا على هذه النتائج، تساءل العلماء عما إذا كانت مياه الأمطار، وهي مصدر طبيعي للمياه الخالية من الأيونات، يمكن أن تفعل الشيء نفسه في عالم القديم. ووجدوا بالفعل أن مياه الأمطار تعمل بالفعل على استقرار الخلايا الأولية ضد الاندماج.

أهمية هذا الاكتشاف

إن اكشاف أن الأمطار ربما كونت الخلايا الأولية له آثار مهمة على فهمنا لأصول الحياة على الأرض. حيث يشير إلى أن مياه الأمطار، التي كانت وفيرة على الأرض في وقت مبكر من الحياة، لعبت دورا حاسما في استقرار أقدم أشكال الحياة. وهذا بدوره سيؤدي إلى ظهور أشكال حياة أكثر تعقيدًا والتطور النهائي للخلايا الحديثة. كما أن العلاقة بين مياه الأمطار واستقرار الخلايا الأولية تسلط الضوء على أهمية العوامل البيئية في تشكيل مسار تطور الحياة.

المصادر

Rain may have helped form the first cells, kick-starting life as we know it | the conversation

Did the exposure of coacervate droplets to rain make them the first stable protocells? | science advances

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


أحياء تطور

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 371
الملف الشخصي للكاتب :

التالي

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *