Ad

في دراسة رائدة نشرت في مجلة (Nature Physics)، نجح فريق من الباحثين في إثبات طريقة جديدة لتوليد التشابك الكمي باستخدام نقطة كمومية، حيث تُظهر أن الفوتونات من بواعث النقاط الكمومية تكسر مبرهنة بيل. ويمهد هذا الابتكار الطريق أمام تقنيات كمومية فعالة وقابلة للتطوير، وهو مطلب حاسم لتطوير الحوسبة الكمومية.
كان الدكتور شيكاي ليو، المؤلف الأول للدراسة من معهد نيلز بور بجامعة كوبنهاجن في الدنمارك، مفتونًا بالنقاط الكمومية منذ حصوله على درجة الدكتوراه. حيث عمل على مصادر التشابك التقليدية.

فهم التشابك الكمي

أنت في مكانين في وقت واحد أو تعرف ما يحدث على الجانب الآخر من الكون على الفور. يبدو هذا وكأنه خيال علمي، أليس كذلك؟ حسنًا، في عالم الكم، يمكن للجسيمات أن تفعل ذلك تمامًا. التشابك الكمي (Quantum entanglement) هو ظاهرة يصبح فيها جسيمان أو أكثر متصلين بطريقة تجعل خصائصهما مترابطة، بغض النظر عن المسافة بينهما. وهذا يعني أنه إذا حدث شيء ما لجسيم واحد، فإنه يؤثر على الفور على الآخر، حتى لو كانت المسافة بينهما مليارات الكيلومترات.

ولكن هذا الاتصال يحدث بشكل أسرع من سرعة الضوء، وهو الحد الأقصى للسرعة العالمية. يبدو الأمر كما لو أن الجزيئات “تتحدث” مع بعضها البعض بلغة تتجاوز المكان والزمان. لقد أثار هذا المفهوم إعجاب العلماء والفلاسفة على حدٍ سواء لعقود من الزمن، وكان موضوعًا لبحث ونقاش مكثف.

لفهم التشابك، دعونا نغوص في عالم الاحتمالات. في الفيزياء الكلاسيكية، يتم تحديد احتمالية وقوع حدث ما من خلال خصائص النظام نفسه. ولكن في ميكانيكا الكم، الاحتمال هو جانب أساسي من الواقع. عندما نقيس جسيمًا ما، يتم تحديد خصائصه بشكل عشوائي، وهذه العشوائية متأصلة في النظام.

التشابك يأخذ هذه العشوائية إلى المستوى التالي. فعندما يتشابك جسيمان، تصبح خصائصهما مترابطة بحيث يؤثر قياس أحد الجسيمين على الآخر. وهذا الارتباط ليس مجرد مسألة احتمالية، بل هو جانب أساسي من الواقع نفسه.

تاريخ موجز لمبرهنة بيل

في الستينيات، اقترح الفيزيائي جون ستيوارت بيل مبرهنة من شأنها أن تغير مشهد ميكانيكا الكم إلى الأبد. إن مبرهنة بيل، كما أصبحت معروفة، هي التي تميز بين السلوك الكلاسيكي والكمي. ولكن ما الذي دفع بيل إلى اقتراح عدم المساواة هذا، وكيف أصبحت المبرهنة جزء مهم في ميكانيكا الكم؟

لفهم مبرهنة بيل، دعونا نعود خطوة إلى الوراء في عالم الفيزياء الكلاسيكية. في الميكانيكا الكلاسيكية، تتصرف الجسيمات بشكل متوقع، وفقًا لقوانين نيوتن للحركة. ومع ذلك، في عالم الكم، تظهر الجسيمات سلوكًا غريبًا، وغالبًا ما تتحدى المنطق الكلاسيكي. قدمت ميكانيكا الكم مفهوم ازدواجية الموجة والجسيم، حيث يمكن للجسيمات أن توجد على شكل موجات وجسيمات.

ظهرت مبرهنة بيل كرد فعل على مفارقة إي بي آر (Einstein–Podolsky–Rosen paradox)، التي اقترحها ألبرت أينشتاين، وبوريس بودولسكي، وناثان روزن في عام 1935. وقد سلطت مفارقة إي بي آر الضوء على العبثية الواضحة لميكانيكا الكم، مما يشير إلى أن الجسيمات يمكن أن تكون متصلة بشكل فوري، بغض النظر عن المسافة. وتهدف مبرهنة بيل إلى إثبات أو دحض هذه الظاهرة.

تنص مبرهنة بيل على أن أي نظرية واقعية محلية يجب أن تستوفي شرطًا محددًا: جميع الارتباطات المقاسة بين الجسيمات يجب أن تكون أقل من أو تساوي اثنين. بمعنى آخر، إذا تجاوزت الارتباطات هذا الحد، فإن طبيعة الارتباطات كمومية، مما يعني التشابك الكمي. ومنذ ذلك الحين أصبح هذا التفاوت معيارًا للتحقق من وجود التشابك الكمي.

وفي سياق الحوسبة الكمومية، تلعب مبرهنة بيل دورًا حاسمًا. حيث تعتمد أجهزة الكمبيوتر الكمومية على الكيوبتات (qubits) المتشابكة لإجراء عمليات حسابية تتجاوز القدرات الكلاسيكية. ومن خلال كسر وانتهاك مبرهنة بيل، يمكن للباحثين التأكد من أن أنظمتهم الكمومية تظهر بالفعل التشابك.

تفاصيل الدراسة

يعتمد النهج المبتكر المستخدم في هذه الدراسة على النقاط الكمومية (quantum dot)، وهي هياكل نانوية تحاكي سلوك الذرات الاصطناعية. من خلال محاصرة الإكسيتونات (exciton) المحايدة داخل بنيتها، تظهر النقاط الكمومية حالات طاقة كمية، مثلما تفعل الذرات. وتتيح هذه الخاصية لها العمل كأنظمة ذات مستويين، على غرار الذرات الطبيعية، ولكن مع ميزة دمجها في شريحة. يمكن ضبط مستويات الطاقة في النقاط الكمومية بناءً على حجمها وتكوينها، مما يجعلها متعددة الاستخدامات.

في هذه التجربة، استفاد الباحثون من مزايا النقاط الكمومية لإنشاء نظام باعث (emitter system) قادر على إنتاج فوتونات متشابكة. ومن خلال اقتران النقطة الكمومية مع الدليل الموجي البلوري الضوئي (photonic-crystal waveguide)، تمكنوا من تعزيز كفاءة وتماسك واستقرار الفوتونات المنبعثة. إن البنية الدورية للدليل الموجي التي تتكون من مواد ذات مُعامل انكسار مرتفع ومنخفض، مكّنت من التحكم في انتشار الضوء ومعالجته، وبالتالي تعزيز التفاعلات بين الضوء والمادة.

أدى التصميم والتصنيع الدقيق للباحثين لنظام النقطة الكمومية والدليل الموجي إلى كفاءة اقتران عالية للضوء المنبعث في الدليل الموجي (أكبر من 90%) وتعزيز بورسيل (Purcell enhancement ) بنسبة 16. وكان هذا الإنجاز المثير للإعجاب حاسمًا في توليد الفوتونات المتشابكة التي انتهكت في نهاية المطاف مبرهنة بيل.

فوتونات تكسر مبرهنة بيل

ممواجهة التحديات

كان على الباحثين أيضًا مواجهة التحدي المتمثل في تعزيز بورسيل، والذي يشير إلى الظاهرة حيث يزداد معدل الانبعاث التلقائي للباعث الكمومي (مثل النقطة الكمومية) عند وضعه في  مرنان ضوئي (resonant optical cavity) أو بالقرب من بيئة ضوئية منظمة. ومن خلال إبطاء الضوء في البنية النانوية وزيادة وقت تفاعله مع النقطة الكمومية.

كما كان على الفريق أن يتعامل مع الإزالة السريعة (rapid dephasing) (فقدان التماسك السريع) الناجم عن الاهتزازات الحرارية في الشبكة البلورية. للتغلب على ذلك، قاموا بتبريد الشريحة إلى درجة حرارة متجمدة -269 درجة مئوية لتقليل التفاعلات غير المرغوب فيها بين النقطة الكمومية والفونونات (phonon) في مادة أشباه الموصلات.

المستقبل المشرق

إن إمكانات التقنيات الكمومية الفعالة والقابلة للتطوير هائلة، ولها عواقب بعيدة المدى على الحياة اليومية. تخيل عالماً تستطيع فيه أجهزة الكمبيوتر الكمومية، المدعومة بالكيوبتات المتشابكة، حل المشكلات المعقدة في مجالات مثل الطب والتمويل ونمذجة المناخ. تصور المستقبل حيث تعمل شبكات الاتصالات الكمومية الآمنة على حماية المعلومات الحساسة من التهديدات السيبرانية. الاحتمالات لا حصر لها، وكل ذلك يبدأ بالقدرة على توليد التشابك باستخدام مستويات طاقة منخفضة للغاية.

لقد فتحت هذه الطريقة المبتكرة الباب أمام تطوير أنظمة كمومية مدمجة على رقاقة يمكن دمجها في الدوائر الضوئية الموجودة. إن كفاءة استخدام الطاقة في هذا النهج مذهلة، حيث يتولد التشابك عند طاقات منخفضة تصل إلى 7.2 بيكووات، وهو جزء صغير من الطاقة التي تتطلبها المصادر التقليدية أحادية الفوتون. وهذا يعني أن الأجهزة الكمومية المستقبلية يمكن أن تكون أصغر وأسرع ويمكن الوصول إليها بسهولة، مما يمهد الطريق لاعتمادها على نطاق واسع.

المصدر

Photons from quantum dot emitters violate Bell inequality in new study / phys.org

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 550
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *