Ad

النظرية المادية الثقافية في الأنثروبولوجيا من المدارس المهمة التي برزت في ستينات القرن الماضي، على يد العالم مارفن هاريس الذي أرسى الدعائم الأولية لأفكار هذه النظرية في كتابه صعود النظرية الأنثروبولوجية كنموذج نظري وبحثي في عام 1968. وقد وضح في كتابه عملية تطور وتغير المجتمعات متأثرًا بكتابات كارل ماركس. بالإضافة لتأثره من منظري النظريات التطورية في العلوم الإنسانية مثل هيربرت سبينسر.

نشأة النظرية المادية الثقافية في الأنثروبولوجيا

نشـأت المادية الثقافية كمدرسة فكرية على يد العالم مارفن هاريس، وذلك في عام 1968. ولكن جذور المادية الثقافية تمتد إلى الأفكار الماركسية، فهي تعد امتدادًا للأفكار المادية الماركسية. وقد نشأت هذه المدرسة كرد فعل على الأفكار البنيوية، والنسبية الثقافية، بالإضافة للأفكار المثالية. تؤكد هذه المدرسة أن العالم المادي يؤثر على سلوك البشر في مجتمعهم. والسلوك البشري جزء من الطبيعة بالتالي يمكن فهم السلوك البشري بنفس منهجية فهم الظواهر الطبيعية؛ أي باستخدام مناهج العلوم الطبيعية. [2]
يعطي أنصار المدرسة المادية الأولوية للعالم المادي على الفكر والإيديولوجيا المحيطة، أي برأيهم الواقع المادي هو ما يحدد الإيديولوجيا المنتشرة وليس العكس. وهذه الأفكار مستمدة من أفكار كارل ماركس وفريدريك إنجلز التي انتشرت في أواخر القرن التاسع عشر، التي قدما فيها نمذجًا تطوريًا للمجتمعات. لكن قلة من علماء الأنثروبولوجيا قد التفتوا لهذه الآراء حينها ولم تحصل على القبول، لكن هذه الأفكار زاد انتشارها بين علماء الأنثروبولوجيا في عشرينات القرن الماضي وزاد الاعتماد على تفسير العالم المادي لتحليل المجتمع والتطور المجتمعي. [1]

افتراضات المادية الثقافية في الأنثروبولوجيا

يحدد الماديون الثقافيون ثلاثة مستويات من النظم الاجتماعية التي تشكل نموذجًا عالميًا وهذه النظم هي: البنية التحتية infrastructure، البنية structure، والبنية الفوقية superstructure. وجميع هذه البنى مترابطة ببعضها حيث تؤثر كل بنية بالأخرى وتتأثر بها، وتؤدي التغيرات في بنية إلى حدوث تغيرات في البنية الأخرى. كما أن هذه التغيرات لا تكون بالضرورة فورية، ولكنها تظهر على البنية لاحقًا. [3]

البنية التحتية Infrastructure

يحدد أنصار هذه المدرسة البنية التحتية كأساس لجميع المستويات الأخرى، وتضم هذه البنية كيفية تلبية الاحتياجات الأساسية وتفاعلها مع البيئة المحيطة وتتضمن الوضع الاقتصادي والتكنولوجي والعوامل الديموغرافية التي تؤثر في المجتمع.

االهيكل أو البنية Structure

وهي الطبقة الوسطى بين البنية الفوقية والتحتية، تتضمن التنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمجتمع، والمؤسسات والمنظمات الموجودة في المجتمع

البنية الفوقية Superstructure

وهي البنية المرتبطة بشكل رئيسي بالإيديولوجيا السائدة والرمزية والدين. وقد أكد مارفن هاريس على أن البنية التحتية هي الأكثر أهمية. فهنا يحدث التفاعل الأساسي بين الثقافة والبيئة وهي التي تؤثر حكمًا بالطبقات التي تليها. [5]

المنهجية المتبعة في المدرسة المادية الثقافية

تركز المادية الثقافية على الأحداث القابلة للملاحظة والقياس الكمي، وتماشيًا مع الطريقة العلمية تدرس هذه الأحداث باستخدام الأساليب التجريبية الإمبريقية. يعتمد النهج الذي أسسه هاريس على دراسة الثقافة لإبراز كونها ناتجة عن الوضع المادي المحيط، ويركز على الممارسات المجتمعية التي تساهم في بقاء واستمرار المجتمع، بالإضافة إلى أن التحليل يتضمن عمليات قياس ومقارنة للظواهر في المجتمع المدروس. [1]

أبرز العلماء المؤسسين لهذه المدرسة

ساهم العديد من العلماء في الأنثروبولوجيا في تطوير مدرسة المادية الثقافية، نذكر أهم هؤلاء العلماء:

مارفن هاريس

وهو المؤسس لهذه المدرسة، خريج جامعة كولومبيا وحاصل على شهادة الدكتوراه في علم الإنسان في عام 1953. في كتابه صعود النظرية الأنثروبولوجية حدد المعالم الأساسية لهذه المدرسة الفكرية. درس هاريس التطور الثقافي باستخدام منهجية بحث المادية الثقافية، ومن أهم التحليلات التي قام بها تحليل سبب تحريم أكل لحم البقر وتقديسه عند الهندوس. حيث حاول في عمله توضيح سبب تركيزه على الظروف المادية في تحليله للظاهرة. بالرغم من تعرض هاريس لنقد شديد إلا أنه قد خلف إرثًا هائلًا في الأنثروبولوجيا. [1]

جوليان ستيوارد

طور ستيوارد مبدأ البيئة الثقافية، التي تطرح فكرة أن البيئة هي عامل إضافي مساهم في تشكيل الثقافات. كما حدد مفهوم التطور متعدد الطبقات باعتباره منهجية تهتم بالانتظام في التغيير الاجتماعي، وهدفه تطوير القوانين الثقافية تجريبيًا. كما وضع فكرة أنواع الثقافة التي تمتلك صلاحية إظهار عناصر ثقافية مختارة من أساس مرجعي وتمتلك نفس العناصر الثقافية. [1]

الانتقادات التي وجهت للنظرية

طالت المادية الثقافية العديد من الانتقادات من العديد من المدارس الفكرية في الأنثروبولوجيا، لعل أبرزها كان من الماركسيين المعارضين للمادية الثقافية، والمثاليين البنيويين، وأنصار مدرسة ما بعد الحداثة.

انتقادات الماركسيين

قام الماركسي ج. فريدمان بتسمية المادية الثقافية بالمادية المبتذلة، وذلك لاعتقاده بأن النهج التجريبي الإمبرييقي الخاص بهذه المدرسة ساذج وبسيط للغاية. كما انتقد الماركسيون فكرة الاعتماد الشديد على البنية التحتية وأنها هي الأكثر تأثيرًا في باقي البنى. مشيرين لأهمية النظر للبنية الفوقية بجدلية ديالكتيكية لفهم أهميتها. ويجادلون أن أنصار المادية الثقافية قد اهتموا بالجانب التحتي من المجتمع إلى مرحلة قد أدت بهم لإهمال البنية الفوقية بشكل كامل. [4]

انتقادات منظري المدارس المثالية

جادل المثاليون ومنهم أنصار المدرسة البنيوية مثل ايميل دوركهايم، بأن الثقافة هي نفسها العامل المسيطر في عملية التغير الثقافي في المجتمع. وهذه الثقافة تستند إلى هيكل موجود في دماغ الإنسان. وانتقدوا التركيز المادي على البيئة المحيطة من قبل الماديين الثقافيين بأنه قد يخلق استنتاجات متحيزة. [4]

انتقادات أنصار مدرسة ما بعد الحداثة

انتقد أنصار ما بعد الحداثة المنهج العلمي الصارم الذي استخدمه الماديون التاريخيون، مؤكدين أن العلم في حد ذاته ظاهرة مصممة ثقافيًا تتأثر بالطبقة، والعرق، وعوامل بنيوية أخرى من البنية التحتية. حتى أن بعض أنصار ما بعد الحداثة يقترحون بأن العلم هو أداة تستخدمها الطبقات العليا في المجتمع لقمع والسيطرة على الطبقات الأضعف منها. وهذا يعد هجوم مباشر على المادية الثقافية بدراساتها الموضوعية والمقارنات متعددة الثقافات. [4]

المصادر:

1- anthropology
2- socialsci
3- lumenlearning
4- selfstudyanthro
5- oxfordbibliographies

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


علم الإنسان

User Avatar

Farah Al Hussain

just a curious syrian sociologist


عدد مقالات الكاتب : 29
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق