Ad

في الولايات المتحدة، يعيش ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص مع الجلوكوما. وهي مجموعة من أمراض العيون التي يمكن أن تؤدي إلى فقدان البصر إذا تركت دون علاج. ووفقًا لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) فإن الجلوكوما هي السبب الرئيسي للعمى لدى البالغين.

في الوقت الحالي يستخدم الأطباء “اختبارات نفخة الهواء” أثناء فحوصات العين لإجراء قياس ضغط العين لمرة واحدة، وهي طريقة قد تكون غير مريحة للمرضى. ويعمل الباحثون على تطوير طريقة أكثر راحة واستمرارية للكشف عن التقلبات الصغيرة في ضغط العين، والتي من الممكن أن تشير إلى بداية الجلوكوما.

وتكمن أحد الحلول الواعدة في تطوير عدسات لاصقة ذكية يمكنها قياس ضغط العين بدقة وإرسال إشارات في الوقت الفعلي لاسلكيًا، للكشف عن الجلوكوما، حيث استطاع فريق من الباحثين بقيادة دنغباو شياو بالتعاون مع المؤسسة الوطنية للعلوم الطبيعية في الصين من تطوير عدسات لاصقة من شأنها قياس ونقل إشارات ضغط العين بدقة عبر نطاق مختلف من درجات الحرارة.

ما هي الجلوكوما؟

الجلوكوما هو عبارة مجموعة من أمراض العيون التي أُطلق عليها لقب “اللص الصامت” نظرًا لطبيعته الخفية. وهو يتسلل إلى ضحاياه دون سابق إنذار،  وفي كثير من الأحيان يمكن أن يسبب فقدان البصر إذا ترك دون علاج.

يتسبب الجلوكوما بتلف العصب البصري، وهو الهيكل الشبيه بالكابل المسؤول عن نقل المعلومات البصرية من العين إلى الدماغ. ويحدث هذا الضرر غالبًا بسبب زيادة الضغط داخل العين، فيما يعرف باسم ضغط العين (IOP).

تاريخ موجز لتشخيص الجلوكوما

لقد امتد السعي لفهم وتشخيص الجلوكوما لآلاف السنين، حيث حققت الحضارات القديمة اكتشافات رائدة مهدت الطريق لتقنيات التشخيص الحديثة. في هذه الرحلة عبر الزمن، سنستكشف كيف تطور فهمنا لمرض الجلوكوما، بدءًا من أقدم التشخيصات المسجلة وحتى الحلول المبتكرة في يومنا هذا.

في اليونان القديمة، وصف أبقراط لأول مرة حالة تبدو مشابهة لمرض الجلوكوما، وأشار إلى أن بعض المرضى عانوا من فقدان البصر، وهو ما أرجعه إلى خلل في “الأخلاط” الجسدية. وعلى الرغم من أن فهمه كان بدائيًا، إلا أنه وضع الأساس للأجيال القادمة للبناء عليه.

وبالمضي قدمًا إلى القرن التاسع عشر، وتحديدًا في عام 1856، قدم طبيب العيون الألماني ألبرخت فون غريفي مفهوم “الجلوكوما المزمنة”، والذي ربطه بزيادة ضغط العين. وكان هذا الارتباط بمثابة علامة فارقة، لأنه أشار إلى دور الضغط في تطور الجلوكوما.

طوال القرن العشرين، تحسنت تقنيات التشخيص بشكل كبير، حيث أحدث اختراع مقياس توتر العين لجولدمان عام 1954 ثورة في تشخيص الجلوكوما، والذي سمح للأطباء بقياس ضغط العين بدقة أكبر. وقد مكّن هذا الابتكار الأطباء من اكتشاف الجلوكوما في وقت مبكر وبشكل أكثر موثوقية.

في العقود الأخيرة، واصل الباحثون تحسين طرق التشخيص. وأصبح اختبار نفخة الهواء لقياس الضغط داخل العين (IOP)، عنصرًا أساسيًا في العديد من عيادات طب العيون. ومع ذلك، فإن حدوده – بما في ذلك عدم الراحة والقياسات لمرة واحدة – دفعت إلى البحث عن تقنيات أكثر راحة.

فك الشفرة: تطويرعدسات الاستشعار

لتطوير عدسة لاصقة تقيس وتنقل الإشارات حول ضغط العين، كان على دنغباو وزملائه فك الشفرة المعقدة. تضمن النهج المبتكر للباحثين تصميم دائرتين لولبيتين مصغرتين، لكل منهما نمط اهتزاز طبيعي فريد والذي يمكن أن يتغير إذا تم تمديده بمقادير دقيقة للتغيرات في ضغط العين وقطرها، وكانت هذه الدوائر الصغيرة محصورة بين طبقات من ثنائي ميثيل سيلوكسان، وهي مادة نموذجية للعدسات اللاصقة.

ومن خلال الجمع بين الإشارات من كلا الدائرتين، استطاع الفريق تجاوز الأخطاء الناتجة عن التغير في درجات الحرارة، وضمان قراءات دقيقة لضغط العين.

ولاختبار هذا الإبتكار، أجرى الباحثون تجارب معملية بإستخدام عينات من عين خنزير، للتحكم في ضغط العين ودرجات الحرارة. وكانت النتيجة مذهلة، إذ انحرف الضغط بنسبة تصل إلى 87% عن القيمة الحقيقية عند استخدام إشارات من دائرة واحدة فقط، بينما عندما تم الجمع بين الإشارات من كلتا الدائرتين، اختلفت قراءات الضغط بنسبة تصل إلى 7٪ فقط عن القيمة الحقيقية.

التأثير والاتجاهات المستقبلية

يعد تطوير العدسات اللاصقة الذكية علامة بارزة في مكافحة الجلوكوما. فوفقًا لإحصائيات حديثة فإن ما يقرب من 3 ملايين شخص في الولايات المتحدة وحدها يتعايشون مع الجلوكوما، وبالتالي فإن هذا الإنجاز لديه القدرة على تغيير حياة الملايين.

وبينما نتطلع إلى المستقبل، يمكننا أن نتصور عالمًا تقترن فيه العدسات اللاصقة الذكية بالذكاء الإصطناعي وخوارزميات التعلم الآلي للتنبؤ بتطور المرض ومنعه. كما يمكن للعدسات أن تراقب العلامات الحيوية الأخرى، كمستوي الجلوكوز في الدم، لتكوين صورة أوضح للصحة العامة.

يمثل عصر العدسات اللاصقة الذكية تحولًا كبيرًا في مكافحة الجلوكوما، والتي يمكن من خلالها اكتشافه في وقت مبكر قبل أن يحدث فقدان لا رجعة فيه للبصر، وتحسين حياة الملايين في جميع أنحاء  العالم.

Asmaa Wesam
Author: Asmaa Wesam

حاصلة على الماجستير في الصحافة، مهتمة بقضايا الصحة والبيئة.

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


طب صحة

User Avatar

Asmaa Wesam

حاصلة على الماجستير في الصحافة، مهتمة بقضايا الصحة والبيئة.


عدد مقالات الكاتب : 54
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *