- علم النفس التطوري: عقل العصر الحجري في جماجمنا الحديثة
- كيف تنظر الفلسفة إلى مفهوم الوعي؟
- هل الدماغ البشري عبارة عن آلة ذكية؟
- كيف ساهم التطور في صقل مهاراتنا الاجتماعية؟
- كيف ينظر علم النفس التطوّري إلى الأمراض النفسية؟
- الحب من منظور علم النفس التطوري
- الفن والتطور: هل للفن أصول تطوّرية؟
- نقد علم النفس التطوري: أبرز الانتقادات والاعتراضات
- ما هي أبرز أوجه الشبه والاختلاف بين الإنسان والشيمبانزي؟
- اختبار مقدمة في علم النفس التطوري
الحب من منظور علم النفس التطوري
كتب فيه الفلاسفة والأدباء ما لا يُحصى من الكتب. روي عنه ما لا يُحصى من الحكايات في الأفلام والروايات. ألهم الموسيقيين والرسامين والشعراء، وغُزلت حوله ملاحم الأساطير والمعجزات. إنه الحب، واحد من أهم المشاعر الإنسانية، وقد يكون أكثرها تعقيدًا. رغم أنه شغل حيزًا كبيرًا من الحياة الثقافية والفكرية والفنية للإنسان، إلا أن العلم بقي خجولًا وعاجزًا لفترة طويلة أمامه باعتبار أن دراسته وتفسيره بشكل موضوعي أمر شبه مستحيل. حتى أن تعريف الحب نفسه يعتبر مهمة شاقة، نظرًا لاختلاف تجاربنا البشرية فيه. لكن تطور علوم الأحياء والجينات وعلم النفس سمح للعلوم بفهم شعور الحب بشكل أعمق. وبدوره، بحث علم النفس التطوري عن جذور هذا الشعور وأسبابه التاريخية، إذن ما هو الحب من منظور علم النفس التطوري ؟ وكيف يفسّره؟
محتويات المقال :
ما هو الحب؟
الحب بطبيعته مفهوم معقّد وواسع ويحمل عددًا من المعاني، فقد يُقصد به الحب الرومانسي الذي يجمع شخصين في ارتباط عاطفي، وقد يعني أيضًا حب الأم والأب لأطفالهم أو حب الأصدقاء أو المحبة بكل ما تعنيه. لكن ما يعنينا في هذا المقال تحديدًا هو الحب الرومانسي.
لم يجتمع الفلاسفة والأدباء حول تعريف موحّد للحب، ولا حول تفسير واضح له. في علم النفس، تعدّدت النظريات حول الحب لكن الأكثر شيوعًا هي نظرية مثلث الحب لعالم النفس الاجتماعي ستيرنبرج. وقد اعتبر أن الحب يتألف من ثلاثة عناصر أساسية هي الشهوة والحميمية والالتزام.
لكن كون الحب شعورًا بشريًا عامًا موجودًا في كل المجتمعات وعند مختلف الشعوب، يمكن اعتباره سمة بشرية ذات أساس فيزيولوجي. فنحن نشعر الحب بأجسادنا، بأعراض شبه مرضية، من دقات القلب السريعة إلى الأرق ورعشة الجسد وغيرها. ورغم أننا نشير في الحب غالبًا إلى القلب، إلا أن الحب ينبع من الدماغ، ويرتبط بشكل مباشر بـ«الناقلات العصبية – Neurotransmitters» كالدوبامين والأوكسيتوسين.
أما من ناحية علم النفس التطوري، فقد حاول الباحثون تفسير الحب كسمة تطورية ساهمت في تحسين النجاح الإنجابي و/أو فرص البقاء على قيد الحياة. وقد أثبتوا فعلًا عددًا من الوظائف التكيّفية للحب، بالإضافة إلى عدد من الدلائل التي تشير إلى جذور الحب التطورية.
الوظائف التكيّفية للحب
يعتمد علم النفس التطوري بشكل أساسي على نظرية الانتقاء الطبيعي. فتنتقل الجينات المساهمة في زيادة النجاح الإنجابي وفرص البقاء على قيد الحياة من جيل إلى الآخر. ويعتبر علم النفس التطوري أن الحب نفسه نتيجة للانتقاء الطبيعي، نظرًا للوظائف التكيفية التالية:
- رعاية الأطفال: مع تطوّر البشر وزيادة حجم دماغهم، ازدادت حاجة الأطفال للرعاية لوقت طويل. ففي حين تولد الكثير من الحيوانات بأدمغة شبه مكتملة، يولد أطفال البشر بأدمغة غير كاملة. يحتاج أطفال البشر طفولة طويلة تمتد حتى 15 عامًا ليصبح الطفل ناضجًا وواعيًا ومستقلًا. من هنا، أصبحت رعاية الأطفال مهمة شاقة تستنزف الكثير من الوقت والطاقة. ساهم الحب في خلق علاقة التزام بين الوالدة والوالد، مما سهّل مهمة رعاية الأطفال. وزادت قدرتهما على تأمين الموارد المادية والنفسية لهم وبالتالي تزداد فرص بالبقاء على قيد الحياة ونقل الجينات.
- زيادة احتمالية الحمل والإنجاب: تتميّز إناث حيوانات الشيمبانزي بخصائص جسدية ظاهرة خلال فترة «الشبق –Estrus» ، فيتم التزاوج حصرًا في هذه الفترة التي تمتاز بخصوبة عالية مما يرفع احتمالية الحمل.
أما عند إناث البشر، فتتكرر فترة الإباضة شهريا، وهي قصيرة نسبيًا ولا تُظهر خصائص جسدية واضحة. لذلك من المهم أن تكون العلاقة بين المرأة والرجل طويلة الأمد لزيادة احتمالية الحمل وبالتالي الإنجاب. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعدد الأزواج لمرأة واحدة يزيد من احتمالية تسمّم الحمل، وبالتالي فعلاقة الزواج الأحادي تعزّز احتمالية الإنجاب.
- أهمية رعاية الأب: بيّنت دراسة لبيئة السكان الأصليين في شرقي باراغواي أن الأطفال الذين ينعمون برعاية الأب خلال السنين الخمس الأولى من حياتهم تصبح لديهم فرصة مضاعفة للبقاء على قيد الحياة مقارنة بالأطفال الذين فقدوا آبائهم في أول حياتهم. وهذه الدراسة ما هي إلا دليل جديد على أن الحب الذي يضمن بقاء الوالد إلى جانب أطفاله، يعزز فرصتهم في البقاء على قيد الحياة.
كيف ساهم الحب في تنمية القدرات المعرفية والاجتماعية؟
ساهمت العلاقات الطويلة الأمد في بناء القبائل والمجموعات التي تعزز فرصها بالنجاة. لكن الحياة ضمن القبائل تطلبت بالمقابل قدرات اجتماعية عالية تسمح بالتعاون والتضامن وكشف الغشاشين وغيرها.
كما أن العلاقات العاطفية نفسها تشكل واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا، نسبة للتعلّق النفسي الكبير بين الفردين. وهي بالتالي تنتج مع الوقت مصاعب اجتماعية معقّدة. ونظرًا للدافع الذي شكله الحب، ساهم بشكل مباشر بصقل القدرات الفكرية والاجتماعية التي تميزنا كبشر عن باقي الكائنات، والتي شكلت الركيزة الأساسية لبناء المجتمعات المتقدمة والثقافات بشكلها الحالي.
“الحب قماشة تقدمها الطبيعة ويطرزها الخيال”.
فولتير
الحب ليس فقط شعور عظيم وتجربة إنسانية راقية، لكنه أيضًا الشعور الذي ساهم في المحافظة على حياة أسلافنا وانتشارهم في بقاع الأرض، وفي تنمية قدراتنا العقلية والاجتماعية لنصبح ما أصبحنا عليه اليوم.
المصادر
Researchgate
Science direct
Harvard Health Publishing
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :