Ad

يعد الأسبرين أحد أكثر الأدوية شهرة على مستوى العالم، وذلك بسبب تعدد استخداماته وفاعليته الفائقة ورخص ثمنه نسبياً. وبالرغم من حداثة الأسبرين في شكله الحالي؛ إلا أن نواة المركب وهي حمض السالسيليك Salicylic acid كان مستخدماً منذ آلاف السنين في شكله البدائي كعلاج للحمى والآلام. وسنتعرف في السطور التالية على رحلة اكتشاف ذلك العلاج الساحر.

الأسبرين منذ آلاف السنين

لعلك قد تندهش عزيزي القاريء إذا ما أخبرتك أن الأسبرين مستخدم منذ آلاف السنين. صحيح أنه لم يستخدم بشكله الحالي ولا بصورته الكيميائية الحالية والتي هي حمض أسيتايل ساليسيليك Acetylsalicylic acid. لكن صورته البدائية الساليسين Salicin كانت موجودة في لحاء عدد من الأشجار واشهرها هو شجر الصفصاف. ويعتبر أقدم استخدام معروف له هو استخدمه من قِبل السومريين منذ ما يقرب من 4000 سنة في علاج الآلام. حيث تم العثور على ألواح من الطين تم تسجيل هذا الاستخدام عليها. [1]

كذلك فقد تم اكتشاف استخدام قدماء المصريين لحاء الصفصاف في علاج الآلام. حيث كٌتب ذلك الاستخدام منذ ما يقرب من 1500 قبل الميلاد على بردية إبريس Ebers Papyrus التي تحوي 160 وصفة عشبية طبية. أيضاً استخدم الإغريق اللحاء لنفس الغرض. فقد أوصى أبقراط أن يتناول من يعاني من حمى أو ألم لحاء الصفصاف. كذلك أوصى الحوامل بتناوله لتخفيف آلام المخاض. أيضاً استخدمه الصينيون القدماء لنفس الغرض.[ 2]

صورة شجر صفصاف والتي تحوي في لحائها الشكل البدائي للأسبرين.
استخدم القدماء لحاء الصفصاف في تسكين الآلام وعلاج الحمى. [3]

أول تجربة إكلينيكية على لحاء الصفصاف

لم يتم إجراء أي تجربة علمية على مرضى تثبت فاعلية لحاء الصفصاف في علاج الحمى والآلام حتى عام 1763م. وذلك حين قام إدوارد ستون Edward Stone بتجفيف لحاء الصفصاف بوضعه على مقربة من فرن خباز لمدة 3 شهور. وبعدها قام بطحن اللحاء الجاف واستخدامه في علاج 50 شخص من الحمى. وكتب إلى رئيس الجمعية الملكية أن هذا العلاج نجح مع أغلب المرضى. [2]

فصل الساليسين Salicin الشكل البدائي للأسبرين وتحضير حمض الساليسيليك

في عام 1829م تمكن الصيدلي الألماني يوان بوشنر Johann Büchner من استخلاص كريستالات صفراء من لحاء الصفصاف. أطلق عليها اسم ساليسين Salicin الاسم اللاتيني للصفصاف. تلت ذلك عمليات تنقية لتلك الكريستالات من قبل كيميائيين آخرين. إلى أن تمكن كيميائي فرنسي من تحضير حمض الساليسيليك Salicylic acid من تلك الكريستالات. [1، 2]

تجربة الساليسين وحمض الساليسيليك على البشر

في عام 1876م قام الطبيب الاسكتلندي توماس ماكلاجان Thomas Maclagan بتجربة الساليسين على 8 من مرضى الحمى الروماتيزمية، ولاحظ فاعليته الشديدة كمضاد للالتهابات وخافض للحرارة. . و جدير بالذكر أنه قبل أن يقوم إدوارد بتجربة العلاج على المرضى قام بتجربته على نفسه حتى يضمن أمانه عليهم. [2] وقد جرت بعد ذلك تجارب مماثلة على حمض الساليسيليك من باحثين آخرين. [1] لكن ظل استخدامهما محدوداً رغم فاعليتهما الشديدة وذلك بسبب حامضيتهما العالية وما تسببه من التهابات بجدار المعدة. [2]

اختراع الأسبرين

في عام 1852م حاول الكيميائي الفرنسي تشارلز غيرهارد Charles Gehardt إضافة مجموعة أستيل Acetyl group لحمض الساليسيليك لتخفيف شدته على المعدة. لكن مركبه الذي أنتجه لم يكن مستقراً كيميائياً. ومن ثم ولسوء حظ غيرهارد توقف عن محاولة ابتكار حمض أسيتايل ساليسيليك (الأسبرين). وهكذا ضاعت منه فرصة أن يكون مبتكر الأسبرين. [2]

لكن مع حلول عام 1890م كان الحدث الذي سرّع من تطوير الأسبرين وأثر في صناعة الدواء كلها؛ وهو دخول شركة باير Bayer – الألمانية المتخصصة في صناعة الصبغات – مجال الصناعات الدوائية. وبسبب شهرة التهابات المعدة الشديدة التي يسببها حمض الساليسيليك اهتم رئيس القسم الصيدلي في باير الكيميائي آرثر أيشنجرون Arthur Eichengrün بتطويره ليصبح أقل ضرراً على المعدة. وأوكل للكيميائي فيليكس هوفمان مهمة تطوير ساليسيلات Salicylate من حمض الساليسيليك. [2]

كان هوفمان مهتماً بشكل شخصي بفكرة تطوير الساليسيلات بسبب معاناة والده الناتجة عن استخدام حمض الساليسيليك في علاج آلامه الروماتيزمية. حيث كان والده يتقيأ العلاج بسبب حمضيته الشديدة. وبعد عدة تجارب تمكن هوفمان من النجاح فيما فشل فيه غيرارد وأضاف مجموعة أسيتايل لحمض الساليسيليك لينتج الأسبرين. [2]

بعد نجاح هوفمان قام أيشنجرون بطلب تجربة مركبهم على المرضى. لكن عالم الادوية هاينريخ دريزر Heinrich Dreser رئيس القسم المسئول عن التجارب في باير رفض طلبه خشية من أن يؤثر هذا المركب على قلب المرضى. من ثم قام أيشنجرون بتوزيع كميات من الأسبرين على الأطباء المحليين ليستخدموه في علاج المرضى. كذلك يحكى أن أيشنجرون قام أيضاً بتجربة العلاج على نفسه.[2] ورغم الفاعلية التي أثبتتها تلك التجارب إلا أن دريزر صمم على رفض طلب أيشنجرون إلى أن تدخل أحد مديري الشركة وضغط على دريزر. وللمفارقة فإنه بعد نجاح الأسبرين وشهرته تلقى دريزر الفضل كله حيث بموجب العقد مع باير تؤول ملكية ابتكار أي دواء يخرج من معمل دريزر إليه في حين ليس لهوفمان ولا أيشنجرون أي أحقية. كذلك نشر دريزرعدد من الأبحاث عن فاعلية الأسبرين وللترويج له بإسمه. [1]

صورة للشكل لكيميائي لجزيؤ ساليسين وجزيء حمض ساليسيليك وجزيء أسبرين.
الفروقات الكيميائية بين الساليسين وحمض الساليسيليك والأسبرين. [2]

في غضون ثلاث أعوام فقط من طرح الأسبرين في لأسواق أحدث انفجار في الدراسات حوله حيث تم نشر ما يربو على 160 ورقة بحثية تتعلق به. وبحلول عام 1981م هزت العالم الإنفلونزا الأسبانية وأثبت الأسبرين فاعلية فائقة في تخفيف أعراضها. [2]

الأسبرين ينزل عن عرشه

بعد اكتشاف الباراسيتامول والأيبوبروفين أصبحا يستخدما بكثرة بدلاً من الأسبرين لكونهما أخف منه بكثير في آثارهما الجانبية. وبالتالي أزاحاه عن عرشه كمسكن وخافض للحرارة. [2]

الأسبرين يعود متميزاً بكونه مضاداً للتجلطات

بعد اكتشاف فاعلية الأسبرين كمضاد للتجلطات ذاع اسمه في الأوساط الطبية مجدداً. حيث ثبت أن استخدامه يومياً بجرعات تقل عن 300مجم يقلل من احتمالية السكتة الدماغية والذبحة الصدرية بشكل عام. وبهذا أثبت الأبرين أنه بحق الدواءالساحر حيث لا تزال استخدامته تتنوع مع مرور الوقت فقد وجدت دراسات أنه قد يساعد في علاج بعض أنواع السرطانات مثل سرطان البروستاتا. [1]

مخاطر الأسبرين

بالرغم من مميزات الأسبرين العديدة ورغم انه أول مسكن صناعي يتاح للصرف بدون روشتة طبيب. إلا أنه ينبغي استشارة الطبيب أو الصيدلي قبل استخدامه. كونه قد يسبب مشاكل صحية خطيرة لدى البعض مثل من لديهم تحسس من مادته كذلك ممكن أن يتسبب سوء ستخدامه في قح بالمعدة ونزيف كما أنه قد يتسبب لدى الأطفال أقل من 12 عام في بعض الحالات بما يعرف بمتلازمة راي.

لذا ندعوك عزيزي القاريء إلى استشارة الطبيب أو الصيدلي قبل استخدامه.

المصادر

  1. Aspirin: Turn-of-the-Century Miracle Drug | Science History Institute
  2. The aspirin story – from willow to wonder drug – Desborough – 2017 – British Journal of Haematology – Wiley Online Library
  3. File:Salix alba Morton.jpg – Wikimedia Commons
  4. مصدر الصورة البارزة: Effie
Gamal Ashraf
Author: Gamal Ashraf

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


طب صحة

User Avatar

Gamal Ashraf


عدد مقالات الكاتب : 12
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *