في المعركة ضد تغير المناخ، تم اكتشاف بكتيريا البحيرات التي تحارب تغير المناخ. حيث اكتشف باحثون من معهد ماكس بلانك لعلم الأحياء الدقيقة البحرية في بريمن، ألمانيا، والمعهد الفدرالي السويسري للعلوم والتكنولوجيا في مجال المياه، القدرات المذهلة للبكتيريا الهوائية المؤكسدة للميثان (aerobic methane-oxidizing bacteria)، والتي يمكن أن تلعب دورًا أكبر مما كان يُعتقد سابقًا في منع إطلاق غاز الميثان المدمر للمناخ من البحيرات.
في دراسة نشرت في مجلة (Nature Communications)، سافر العالمان سينا شورن وجانا ميلوكا مع فريقهما إلى بحيرة زوغ في سويسرا للتحقيق في العالم الغامض للكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في المياه الخالية من الأكسجين. ما وجدوه كان مفاجئًا، فالبكتيريا الهوائية المؤكسدة للميثان، والتي تتطلب الأكسجين للبقاء على قيد الحياة، لم تكن موجودة في هذه البيئات فحسب، بل كانت أيضًا مزدهرة وتحلل الميثان بشكل فعال.
محتويات المقال :
التهديد الصامت
غالبًا ما يُنظر إلى البحيرات على أنها أنظمة بيئية هادئة، ولكن تحت أسطحها يكمن تهديد خفي. حيث يتم إنتاج الميثان، وهو أحد الغازات الدفيئة القوية، في البحيرات من خلال تحلل المواد العضوية. في حين أنه من الطبيعي أن تطلق البحيرات بعض غاز الميثان، فإن الأنشطة البشرية مثل الجريان السطحي الزراعي (agricultural runoff) والصرف الصحي وتغير المناخ تزيد من كمية الميثان في بحيراتنا. وهذا أمر مثير للقلق، لأن الميثان لديه 28 ضعف قدرة ثاني أكسيد الكربون على الاحتباس الحراري على مدى إطار زمني مدته 100 عام.
في الواقع، تعد البحيرات ثاني أكبر مصدر طبيعي لانبعاثات غاز الميثان، حيث تمثل حوالي 20٪ من إجمالي غاز الميثان المنبعث في الغلاف الجوي. ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هذه الكمية يمكن أن تزيد بشكل كبير مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب. ومع ارتفاع حرارة البحيرات، يتسارع معدل إنتاج غاز الميثان، مما يخلق حلقة مفرغة تؤدي إلى تفاقم تغير المناخ.
تاريخ البكتيريا المؤكسدة للميثان
كانت البكتيريا المؤكسدة للميثان، والمعروفة أيضًا باسم الميثانوتروف (methanotrophs)، موضوع اهتمام العلماء لعقود من الزمن. حيث تتمتع هذه الكائنات الحية الدقيقة بقدرة فريدة على تحليل غاز الميثان. ولكن كيف اكتشف العلماء لأول مرة هؤلاء الأبطال الصغار، وماذا تعلموا عن أسلوب حياتهم؟
دعونا نعود إلى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما بدأ العلماء لأول مرة في دراسة البكتيريا المؤكسدة للميثان في البيئات الأرضية. كشفت هذه الدراسات المبكرة عن وجود الميثانوتروف في التربة، والرواسب، وحتى في جذور بعض النباتات. ولكن لم يبدأ الباحثون في دراسة هذه البكتيريا في البيئات المائية، مثل البحيرات والمحيطات، إلا في الثمانينيات.
وجاء أحد الإنجازات الرئيسية في التسعينيات، عندما اكتشف العلماء أن بكتيريا الميثانوتروف يمكن أن تزدهر في البيئات منخفضة الأكسجين، مثل المياه العميقة في البحيرات. تحدى هذا الاكتشاف الافتراض السائد منذ فترة طويلة بأن الأكسجين ضروري لأكسدة الميثان. ومنذ ذلك الحين، واصل الباحثون كشف أسرار الميثانوتروف، بما في ذلك مساراتها الأيضية المتنوعة، وقدرتها على التكيف مع بيئات مختلفة، ودورها الحاسم في تنظيم انبعاثات الميثان.
بكتيريا البحيرات تحارب تغير المناخ
في أعماق بحيرة زوج، اكتشف الباحثون مجموعة من البكتيريا التي تحارب تغير المناخ بهدوء. وقد وجد أن هذه البكتيريا الهوائية المؤكسدة للميثان تنشط في المياه الخالية من الأكسجين، وهي خاصية لم تكن معروفة من قبل. وكشفت الدراسة أن هذه الكائنات الحية الدقيقة ليست موجودة في البحيرة فحسب، بل تعمل أيضًا على تحلل غاز الميثان إلى ثاني أكسيد الكربون.
وكانت إحدى النتائج الأكثر إثارة للدهشة هي أن مجموعة معينة من البكتيريا الهوائية المؤكسدة للميثان، التي تتميز بخلايا على شكل قضيب، كانت نشطة في المياه الخالية من الأكسجين. وتم العثور على هذه الخلايا حيث تكون نشطة في ظل تواجد الأكسجين ونقصه، مما يعني أنها يمكن أن تزدهر مع أو بدون الأكسجين. ولهذا الاكتشاف آثار مهمة على فهمنا لأكسدة الميثان في البحيرات.
علاوة على ذلك، وجد الباحثون أن هذه الكائنات تتمتع بتنوع أيضي، مع جينات تسمح لها بالاستجابة لندرة الأكسجين. حيث يمكنهم استخدام نوع خاص من التخمر المعتمد على الميثان، مما يؤدي إلى إطلاق مواد يمكن للبكتيريا الأخرى استخدامها للنمو. وتحتفظ هذه العملية بالكربون في البحيرة لفترة أطول، مما يقلل من كمية الميثان التي تصل إلى الغلاف الجوي. وتشير هذه النتائج إلى أن البكتيريا الهوائية المؤكسدة للميثان أكثر أهمية مما كان يعتقد سابقًا في منع إطلاق غاز الميثان من البحيرات.
تقليل انبعاثات غاز الميثان والتخفيف من آثار تغير المناخ
إن اكتشاف البكتيريا الهوائية المؤكسدة للميثان في المياه الخالية من الأكسجين يقدم بصيص أمل في مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. وتتمتع هذه الكائنات الحية الدقيقة بالقدرة على تقليل انبعاثات غاز الميثان من البحيرات بشكل كبير، وهي خطوة حاسمة في الحد من الارتفاع الحالي في درجة الحرارة.
ومن خلال تحليل غاز الميثان إلى ثاني أكسيد الكربون، يمكن للبكتيريا الهوائية المؤكسدة للميثان تقليل كمية الغازات الدفيئة القوية المنبعثة في الغلاف الجوي. على الرغم من أن ثاني أكسيد الكربون لا يزال أحد الغازات الدفيئة، إلا أن تأثيره على تغير المناخ أقل من تأثير الميثان.
ونظرًا لأنه من المتوقع أن تزداد ظروف نقص الأكسجين في البحيرات المعتدلة، فإن أهمية هذه البكتيريا في تحلل الميثان ستزداد. وستقدم هذه البكتيريا مساهمة كبيرة في تخفيف الغازات الدفيئة وتخزين الكربون في المستقبل. ومن خلال تسخير قوة البكتيريا، يمكننا إطلاق حل طبيعي لتقليل انبعاثات غاز الميثان والتخفيف من تغير المناخ.
وتمتد آثار هذا الاكتشاف إلى ما هو أبعد من البحيرات، مما يوفر حلاً محتملاً لانبعاثات غاز الميثان من البيئات الأخرى التي تعاني من نقص الأكسجين، مثل الأراضي الرطبة ومدافن النفايات. من خلال فهم التنوع الأيضي للبكتيريا المؤكسدة للميثان، يمكننا تطوير استراتيجيات جديدة لإزالة الميثان والتخفيف من آثاره.
المصادر
Bacteria in lakes fight climate change | science daily
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :