Ad

قد يكون الاكتشاف الرائد الذي قام به الباحثون في كلية دارتموث هو الخطوة الأولى نحو تحقيق عالم ينخفض ​​فيه خطر الإجهاض وتشوهات الكروموسومات ويوفر الحمل الآمن للنساء من جميع الأعمار وللنساء الكبار بالخصوص. حقق الفريق بقيادة البروفيسور شارون بيكل تقدمًا كبيرًا في فهم كيفية قيام بويضات ذبابة الفاكهة، أو الخلايا البيضية (oocytes)، بإصلاح وتجديد الكروموسومات، وهي عملية يمكن تكرارها في البشر.

وقد وجد الباحثون أن بويضات ذبابة الفاكهة لديها القدرة على تكوين روابط تماسك (Cohesive linkages) جديدة بين الكروموسومات، لتحل محل النسخ الأصلية، طوال فترة تطورها. تضمن عملية التجديد هذه بقاء الكروموسومات متصلة، مما يقلل من خطر حدوث أخطاء أثناء انقسام الخلايا. ولكن ماذا يعني هذا بالنسبة للبويضات البشرية، وهل يمكن أن يحمل هذا الاكتشاف المفتاح لتقليل المخاطر المرتبطة بشيخوخة البويضات؟

كيف تتشكل البويضات؟

عملية تكوين البويضة هي عملية معقدة ورائعة. تتكون البويضات أو خلايا البيضية في الرحم، ويحتوي كل منها على 23 زوجًا من الكروموسومات. ومع نموها وتطورها، تظل هذه البويضات في حالة سبات، في انتظار نضجها وإطلاقها أثناء الإباضة الشهرية. خلال هذا الوقت، يتم ربط الكروموسومات داخل البويضة ببعضها البعض عن طريق روابط التماسك، مما يضمن أن كل بويضة تحتوي على العدد الصحيح من الكروموسومات.

تخيل رقصة دقيقة، حيث تتحرك الكروموسومات في انسجام تام، ويرتبط كل زوج بشريكه من خلال هذه الروابط الهشة. عندما تنقسم البويضة، يجب أن تنفصل الكروموسومات وتعود معًا، كل ذلك مع الحفاظ على ترقيمها الدقيق. إنها عملية دقيقة ومعقدة، مع وجود مجال ضئيل للخطأ.

ولكن ماذا يحدث عندما تبدأ هذه الروابط في الانهيار؟ مع تقدم المرأة في السن، تشيخ البويضات لديها أيضًا، ويزداد خطر حدوث أخطاء في الكروموسومات. ولهذا السبب تكون النساء الأكبر سناً أكثر عرضة للإجهاض أو إنجاب أطفال يعانون من تشوهات في الكروموسومات، مثل متلازمة داون.

تأثير عمر الأم

إن اكتشاف تأثير عمر الأم، حيث تكون النساء الأكبر سنا أكثر عرضة للإجهاض وتشوهات الكروموسومات مثل متلازمة داون، كان مصدر قلق طويل الأمد في مجال علم الأحياء الإنجابي. لعقود من الزمن، حاول العلماء فهم سبب حدوث هذه الظاهرة. وتكمن الإجابة في روابط التماسك بين الكروموسومات في البويضات.

أظهرت الأبحاث أن هذه الروابط يتم إنشاؤها قبل الولادة وهي ضرورية لضمان العدد الصحيح للكروموسومات في البويضة. مع تقدم المرأة في العمر، تتقدم البويضات أيضًا في العمر، مما يؤدي إلى فقدان روابط التماسك. وهذا يزيد من خطر حدوث التشوهات، مما يجعل من الصعب على النساء الأكبر سنًا أن ينجبن طفلًا سليمًا.

لقد أظهرت الدراسات باستمرار أن خطر حدوث تشوهات الكروموسومات يزداد بشكل ملحوظ بعد سن الثلاثين. ولكن لماذا يحدث هذا؟ هل هي عملية طبيعية لا يمكن عكسها، أم أن هناك طريقة لإبطاء هذا الانحدار أو حتى عكس اتجاهه؟
إن اكتشاف باحثي دارتموث أن بويضات ذبابة الفاكهة يمكن أن تشكل روابط تماسك جديدة لتحل محل الروابط الأصلية قد ألقى ضوءًا جديدًا على هذا السؤال. كما أنها أثارت أسئلة مهمة حول ما إذا كانت البويضات البشرية لديها نفس القدرة، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي الآليات المشاركة في هذه العملية؟

قدرة ذباب الفاكهة على إصلاح الكروموسومات

آلة صغيرة ومعقدة تقوم بنسخ نفسها بدقة، مما يضمن أن النسخة الناتجة هي نسخة طبق الأصل من النسخة الأصلية. هذا ما يحدث لكروموسومات بويضات ذبابة الفاكهة، وذلك بفضل عملية رائعة اكتشفها باحثو دارتموث. لأول مرة، لاحظ العلماء أن روابط التماسك الجديدة يمكن أن تتشكل على الكروموسومات لتحل محل النسخ الأصلية، وهي ظاهرة يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على فهمنا لتطور البويضات البشرية.

وفي بويضات ذبابة الفاكهة، وجد الباحثون أن بروتينات محددة داخل المجمع المتماسك (cohesin complex)، وهي مجموعة البروتينات التي تتوسط الروابط بين الكروموسومات، هي المسؤولة عن عملية التجديد هذه. مع تطور البويضة، تتشكل روابط جديدة لتحل محل النسخ الأصلية، مما يضمن توصيل الكروموسومات وفصلها بشكل صحيح أثناء انقسام الخلايا. يثير هذا الإنجاز تساؤلات حول ما إذا كانت الكائنات الحية الأخرى، بما في ذلك البشر، تستخدم آلية مماثلة للحفاظ على تماسك الكروموسومات.

ومما يزيد من روعة هذا الاكتشاف هو التشابه بين تأثيرات الشيخوخة على بويضات ذبابة الفاكهة والبويضات البشرية. ويقترح الباحثون أنه إذا كانت البويضات البشرية لديها القدرة على تجديد روابط التماسك، فإن هذه الآلية قد تصبح أقل كفاءة بسبب الضرر التأكسدي الناجم عن الشيخوخة. ويمكن أن يؤدي التراجع في عملية التجدد (rejuvenation) إلى خسارة إجمالية في روابط الكروموسومات. مما يزيد من خطر الإجهاض وتشوهات الكروموسومات مثل متلازمة داون.

هل من الممكن إصلاح البويضات البشرية؟

لمعالجة هذا اللغز، يحتاج العلماء إلى تحديد البروتينات والآليات الكامنة وراء تجديد روابط التماسك في بويضات ذبابة الفاكهة. يمكن لهذه المعرفة أن تساعد في تطوير استراتيجيات علاجية لتعزيز تجديد بويضات النساء الأكبر سناً، مما يؤدي في النهاية إلى إبطاء فقدان التماسك.

ستكون الخطوة التالية هي التحقق مما إذا كانت البروتينات اللازمة للتجديد في بويضات الذبابة موجودة أيضًا في البويضات البشرية. إذا كان الأمر كذلك، فقد يكون هذا إنجازًا حاسمًا في فهم كيفية إصلاح البويضات البشرية.

كيف يمكن لهذا الاكتشاف أن يغير كل شيء؟

تخيل مستقبلًا تحدث فيه ثورة في الصحة الإنجابية للمرأة، حيث يصبح الخوف من الإجهاض وتشوهات الكروموسومات بسبب تقدم عمر الأم شيئًا من الماضي. هذا الاكتشاف الرائد الذي توصل إليه الباحثون في دارتموث لديه القدرة على جعل هذا المستقبل حقيقة.

يمكن أن يكون لهذا الإنجاز تأثير عميق على علاجات الخصوبة، مما يسمح للنساء بإنجاب أطفال أصحاء في الثلاثينيات والأربعينيات من عمرهم. الاحتمالات لا حصر لها، ربما لم تعد المرأة بحاجة إلى الحمل في سن مبكرة ويمكن تخفيف القلق المحيط بالعقم المرتبط بالعمر. علاوة على ذلك، يمكن لهذا الاكتشاف أيضًا تسليط الضوء على الآليات الأساسية لحالات الإجهاض، مما يوفر وسيلة جديدة للبحث والعلاجات المحتملة.

ومع المزيد من الأبحاث، من الممكن أن نتمكن من تطوير استراتيجيات علاجية لتعزيز تجديد البويضات البشرية، وإبطاء فقدان التماسك وتحسين نتائج انقسام الخلايا. وهذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في تشوهات الكروموسومات، مما يمنح الأزواج فرصة أفضل لإنجاب طفل سليم.

المصادر:

Study on fruit flies could benefit eggs of older women / science daily

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


أحياء طب صحة

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 538
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *