Ad

في سنة 2006، وبالتحديد في الأول من نوفمبر، حدث أول اغتيال سياسي باستعمال مواد مشعة. وكان العميل السابق في الاستخبارات الروسية ألكساندر ليتفينينكو الذي هرب من بلاده وصار يفضح سياسات بلاده غير الأخلاقية الضحية لهذه الجريمة. استعملت روسيا في تنفيذ هذا الاغتيال أندر وأفتك سم على الإطلاق: وهو مادة البولونيوم المشع. فما هو هذا السم؟ وكيف يؤثر على جسم الإنسان؟ وكيف تم استخدامه في اغتيال ألكساندر ليتفينينكو؟

ما هي مادة البولونيوم المشع؟

ينتج البولونيوم المشع عن التحلل الإشعاعي لمادة اليورانيوم-238. ويعتبر من أندر المواد الموجودة في الطبيعة. حيث نجد فقط 0.0001 غرام من البولونيوم المشع (Po-210) في طن من اليورانيوم الخام. ويعتبر هذا العنصر شديد النشاط إشعاعيًا، إذ يبلغ النشاط الإشعاعي لغرام واحد فقط من هذه المادة1 661 014Bq . ويبعث Po-210 جسيم ألفا أثناء تحلله بطاقة تصل إلى 5.304MeV وبزمن نصف (المدة الازمة لتحلل نصف الكمية) يقدر بـ 140 يومًا. ويتم تصنيع هذه المادة في المفاعلات النووية من أجل استخدامها في بعض الصناعات. ولا تتجاوز الكمية التي ينتجها العالم من البولونيوم المشع 100 غرام في السنة، لذلك فنادرًا ما نسمع بتسمم أحدهم بالبولونيوم المشع [1].

سمية البولونيوم المشع

لا تنشأ سمية البولونيوم المشع عن تفاعل كيماوي مع جسم الإنسان بل عن الإشعاعات التي يبعثها، والتي قد تؤدي إلى الموت خلال أيام أو أسابيع. و يعتبر البولونيوم المشع أفتك السموم على الإطلاق. حيث تزيد سُمِّيتُه بحوالي 250 مليار مرة عن سُمِّية سيانيد الهيدروجين الذي يُستعمل في صناعة الأسلحة الكيماوية. ويكفي غرام واحد من البولونيوم المشع لقتل 50 مليون شخص وللتسبب في إصابة 50 مليون آخرين. وبالنسبة لشخص واحد، فتكفي كمية أقل بمليون مرة (بحجم ذرة غبار) للتسبب بمقتله. ولحسن الحظ، فإن هذا السم لا يشكل خطرا إلا عند ابتلاع السم أو استنشاقه. ويرجع هذا إلى عدم قدرة الإشعاعات ألفا التي يبعثها على اختراق المادة، حيث تنجح قطعة ورق في إيقاف هذا الإشعاع [2].

ويؤدي التعرض لإشعاعات ألفا التي يبعثها البولونيوم إلى تضرر الحمض النووي وبالتالي موت الخلية أو التسبب في أضرار غير قابلة للإصلاح فيها. وكلما زادت الجرعة زادت معها كمية الخلايا المتأثرة بالإشعاعات وبالتالي زادت معها سرعة التأثر التي قد تمتد من بضع دقائق إلى عدة أسابيع قبل أن يفقد الشخص حياته [2].

آثار البولونيوم على الجسم

يتلقى جسم الإنسان  نسبة قليلة من البولونيوم المشع الطبيعي عن طريق الطعام. ولا تشكل هذه النسبة أي خطر على جسم الإنسان لأنها لا تصل إلى الجرعة القادرة على إحداث الضرر. ويسبب التدخين رفع الجرعة التي يمتصها الجسم من هذه المادة، حيث يراكم البولونيوم المشع في الرئتين، مما قد يؤدي إلى الإصابة بسرطان الرئة [2].

وفي حالة التسمم بالبولونيوم، فإنه يتركز في خلايا الدم قبل أن ينتشر بعدها إلى الكبد و الكلى والنخاع العظمي وباقي الأعضاء الأخرى. وتتجلى أعراضه في الغثيان والقيء وفقدان الشهية بادئ الأمر. ثم تتطور فتشمل تساقط الشعر وانخفاض عدد الخلايا البيضاء والإسهال وتلف النخاع العظمي. بعد ظهور هذه الأعراض، يبدأ المريض الشعور بالتعافي، لكن النخاع العظمي يستمر بالتضرر متسببًا في انخفاض عدد الكريات البيضاء وبالتالي ضعف مناعة الجسم. في النهاية، تنتشر آثار الإشعاعات في مختلف أجهزة الجسم بما في ذلك الجهاز الهضمي والجهاز القلبي الوعائي. وحين يصل الأثر إلى الجهاز العصبي تموت الضحية [2].

اغتيال ألكساندر ليتفينينكو

كان ألكساندر ليتفينينكو ضابطا في جهاز الاستخبارات السوفييتي ثم عميلا في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي قبل أن يتحول إلى صف المعارضة ويطلب اللجوء في بريطانيا. وكان عمله منكبا على فضح السياسات الإرهابية لروسيا. حيث تم اغتياله أثناء تحقيقه في علاقات بين إسبانيا والمافيا الروسية بعد عدة محاولات فاشلة.

ألكساندر ليتفينينكو قبل وبعد تسممه

محاولات الاغتيال

وكانت المحاولة الأولى في 16 أكتوبر 2006 حين التقى ألكساندر ليتفينينكو بالعميلين الروسيين أندريه لوغوفوي وديمتري كوفتون. ادعى لوغوفوي أنه شريك تجاري يقدم المشورة للشركات التي تسعى للاستثمار في روسيا. وبعدما طلبوا الشاي، أفرغ المشتبه فيهم –حسب ما تقوله بريطانيا-السم في كأس ألكساندر ليتفينينكو. لكن هذا الأخير لم يشرب كأسه ذلك اليوم. بعد هذه المحاولة الفاشلة، دبر أندريه لوغوفوي لقاء مع ألكساندر ليتفينينكو لكنه لم ينجح في وضع السم في إبريق الشاي [3].

العميلان المشتبه فيهما أندريه لوغوفوي وديمتري كوفتون

في 1 نوفمبر 2006، نجح العميلان في جعل المعارض ألكساندر ليتفينينكو يشرب الشاي المسمم. أحس بعدها ألكساندر ليتفينينكو بغثيان وتوعك في جسمه ثم أخذ للمشفى قبل أن يلقى حتفه بعد 21 يوما من تسميمه [4].

إبريق الشاي الذي تسمم به ألكساندر ليتفينينكو

اتهام روسيا

واتهمت السلطات البريطانية روسيا بضلوعها في عملية الاغتيال، لكن روسيا أنكرت أية علاقة لها بالأمر. ويرجع هذا الاتهام إلا استحالة الحصول على المادة من قبل المشتبه فيهما إلا بمساعدة السلطات الروسية. بعد عشر سنوات من الحادثة أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق النسان ما توصلت إليه بريطانيا من تحقيقات حول اغتيال ألكساندر ليتفينينكو لكن روسيا رفضت تسليم أي من المشتبه بهم [4].

وبتتبع أثر الإشعاعات، استطاع المحققون كشف الأماكن التي زارها المشتبه فيهما خلال جميع محاولاتهما لاغتيال ألكساندر ليتفينينكو. ذاك أن آثار الإشعاع كانت منتشرة في كل بقعة لمساها. ويبدو أن المشتبه فيهما لم يكونا على علم بأن السم إشعاع. ويتبدّى ذلك واضحًا من خلال تعاملهما مع السم، حيث كانا يتخلصان منه في حمام الفنادق التي أقاما فيها عحين لا تنجح خطة الاغتيال. وقد وصف تصرفهما مع هذا الفتاك بالانتحراري [3].

في النهاية، إذا حالفك الحظ وتم اغتيالك بسم البولونيوم المشع، فتذكر أنك تموت بأندر وأنفس مادة فتاكة على الإطلاق!

المصادر

[1] Impact du polonium 210 sur l’homme

[2] ?Polonium-210: Why is Po-210 so dangerous

[3] Alexander Litvinenko and the most radioactive towel in history

[4] Russia behind Litvinenko murder, rules European rights court – BBC News 

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء

User Avatar

مريم بلحساوية


عدد مقالات الكاتب : 27
الملف الشخصي للكاتب :

شارك في الإعداد :
تدقيق لغوي : صفاء بلحساوية

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق