إن شمسنا نجم غريب. ففي حين أن معظم النجوم توجد في أنظمة ثنائية، توجد شمسنا لوحدها دون رفيق. لقد أثارت هذه العزلة الغريبة فضول العلماء، مما دفعهم إلى التساؤل، هل كانت دائمًا نجمًا منعزلاً، أم أن الشمس كانت موجودة في نظام ثنائي؟
محتويات المقال :
تكون النجوم
لفهم رحلة شمسنا، دعونا نتعمق في عالم تكوين النجوم وتطورها. تولد النجوم داخل سحب ضخمة من الغبار والغاز، تسمى السدم، والتي قد تمتد لعشرات السنين الضوئية. داخل هذه “الشرانق” من المادة، تتسبب الجاذبية في تكتل المادة وانهيارها في مناطق كثيفة بشكل متزايد. وعلى مدى ملايين السنين، تسخن هذه الكتل المنهارة، مما يؤدي في النهاية إلى اندماج نووي في قلبها، مما يشير إلى ولادة نجم أولي. ويشكل الغبار والغاز المتبقيان قرصًا دوارًا حول النجم الأولي، وهذا القرص هو الذي يشكل الكواكب.
وفي هذا السياق، تصبح طبيعة شمسنا المعزولة أكثر إثارة للاهتمام. هل تشكلت شمسنا في منطقة بها عدد أقل من النجوم، أم أنها كانت ذات يوم جزءًا من نظام متعدد النجوم تفرق مع مرور الوقت؟
رفيق غامض
داخل هذه السُدُم، يمكن أن تتشكل مناطق صغيرة ذات كثافة أعلى، مما يؤدي إلى انهيار وتكوين نجوم متعددة، وهي العملية المعروفة باسم التجزئة (fragmentation). إذا كانت هذه النجوم المتكونة منفصلة على نطاق واسع، فقد لا تتفاعل بشكل كبير أبدًا. ومع ذلك، إذا كانت أقرب إلى بعضها البعض، يمكن لجاذبيتها المتبادلة أن تربطها في نظام ثنائي.
وتشير الأبحاث إلى أن جميع النجوم قد تتشكل في البداية كثنائيات، مع بقاء بعضها مرتبطًا إلى أجل غير مسمى، بينما ينفصل البعض الآخر بسرعة نسبية، في غضون حوالي مليون عام. وعلى الرغم من أن فترة الانفصال هذه قصيرة مقارنة بعمر النجم الذي يبلغ عدة مليارات من السنين، إلا أنها فترة حاسمة تحدث خلالها تغييرات كبيرة. وهذا يثير احتمال أن شمسنا أيضًا كان لها رفيق ذات يوم.
أدلة في سحابة أورت
تحتوي سحابة أورت، وهي عبارة عن قشرة ضخمة من الأجسام الجليدية المحيطة بنظامنا الشمسي، على أسرار حول ماضي شمسنا. حيث يعتقد الباحثون أن سحابة أورت قد تحتوي على أدلة للنجم المرافق الافتراضي لشمسنا.
يقترح البعض أنه إذا كان للشمس رفيق، فإن ذلك من شأنه أن يفسر وفرة الكواكب القزمة مثل بلوتو في النظام الشمسي الخارجي، وربما وجود كوكب افتراضي أكبر مثل الكوكب التاسع. حيث أن العدد الهائل من الأجسام في سحابة أورت من الصعب تفسيره دون تأثير جاذبية لنجم مصاحب. كما يُعتقد أن رفيقًا ربما يسهّل أسر المذنبات وحتى كوكب مثل الكوكب التاسع في الأطراف الخارجية لنظامنا الشمسي.
ويُعتقد أن سحابة أورت هي من بقايا المادة التي شكلت نظامنا الشمسي، ويمكن أن يحمل هيكلها أدلة حول الحياة المبكرة للشمس. وهناك اقتراح يتضمن أن الحافة الداخلية لسحابة أورت يمكن تفسيرها من خلال نجم مرافق. حيث تُظهر عمليات المحاكاة الحاسوبية أن الأجسام عندما تتشتت، تبدأ في التفاعل مع النجم المرافق الثنائي. ويمكنها أن تنفصل عن مدارات المشتري وزحل وتعلق في سحابة أورت الداخلية. وقد يترك هذا توقيعًا في بنية سحابة أورت، والذي يمكن اكتشافه من خلال الرصد المستقبلي.
ميل الشمس
إن الميل الطفيف للشمس بمقدار سبع درجات تقريبًا بالنسبة لمستوى النظام الشمسي هو مؤشر محتمل آخر لوجود رفيق ثنائي في الماضي. فالتأثير جاذبية نجم آخر قد يكون السبب وراء هذا الميل، حيث لوحظ تأثير الميل هذا في أنظمة نجمية ثنائية أخرى في جميع أنحاء المجرة.
حتى لو تم تأكيد الأدلة الموجودة التي تدعم ماضي الشمس كنجم ثنائي، فإن تحديد موقع رفيقها السابق سيكون صعبًا للغاية. فمن المرجح الآن أن يكون من الصعب تمييز أي رفيق من هذا القبيل عن النجوم الأخرى التي لا تعد ولا تحصى والتي يمكن رؤيتها في سماء الليل.
أشقاء آخرين
إن النجوم التي ولدت في نفس منطقة الفضاء التي ولدت فيها شمسنا قد يكون لها تكوين مماثل لأنها تكونت من نفس مزيج الغازات والغبار، مما يجعلها جميعًا أشقاء حقيقيين. وفي عام 2018، تم اكتشاف نجم بحجم وتركيب مماثل بشكل ملحوظ لشمسنا في غضون 200 سنة ضوئية. ولكن سحابة ولادة الشمس ربما أنتجت مئات أو حتى آلاف النجوم ذات التركيبات المماثلة، مما يجعل من المستحيل تحديد أي منها على أنه الشريك الثنائي الفعلي للشمس. وعلاوة على ذلك، فإن رفيق الشمس ربما لم يكن نجمًا يشبه الشمس على الإطلاق؛ فقد يكون قزمًا أحمر أصغر أو نجمًا أكثر سخونة وزرقة.
آثار وتداعيات وجود الشمس في نظام ثنائي
رغم أن تحديد موقع رفيق الشمس المحتمل يشكل تحدياً كبيراً، فإن احتمال وجود علاقة ثنائية سابقة له تداعيات مهمة على الكواكب الخارجية (الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى). ففي المقام الأول، يشير هذا إلى أن وجود نجم مرافق لم يمنع تطور الحياة واستقرار الكواكب في نظامنا الشمسي. كما أن العديد من أنظمة الكواكب الخارجية المعروفة هي في الواقع أنظمة ثنائية.
ومع ذلك، يمكن للرفاق الثنائيين أحيانًا تعطيل مدارات الكواكب. يوضح لي أن قرب الرفيق هو عامل رئيسي. يمكن للرفيق الأقرب أن يغير مدارات الكواكب بشكل كبير، مما يجعلها أكثر إهليلجية بدلاً من دائرية. في حين أن الانحراف العالي لا يزعزع استقرار مدار الكوكب دائمًا، إلا أنه يمكن أن يؤدي إلى اختلافات شديدة في درجات الحرارة مع تغير مسافة الكوكب عن نجمه بشكل كبير.
وفي حالتنا، يبدو أن الوجود المحتمل لنجم مرافق في الماضي لم يمنع نشوء الحياة على الأرض. ومع استمرار العلماء في استكشاف الأطراف الخارجية لنظامنا الشمسي، فقد يجدون المزيد من الأدلة على هذا الرفيق المفقود. وإذا كان الرفيق لا يزال موجودًا، فقد يكون قريبًا نسبيًا، أو قد يكون على الجانب الآخر من المجرة، غير قابل للاكتشاف تمامًا بالنسبة لنا. كما قد يكون له حتى نظام كوكبي خاص به.
المصدر
Our Sun may once have had a twin. What happened to this stellar sibling? | bbc
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :