إذا كنت تعيش في مصر، فقد قمت بالتأكيد بتغيير الساعة يوم الخميس 31 أكتوبر واختبرت الساعة 11 مساء مرتين، هذا هو ما يعرف بالتوقيت الصيفي حيث نقوم بتعديل الساعة مرتين في العام، مرة أثناء الربيع ومرة أثناء الخريف. إن حوالي ثلثي بلدان العالم لا تجري أي تعديل للوقت على الإطلاق. لم يبدأ اعتماد التوقيت الصيفي الحديث إلا منذ حوالي 100 عام لتسهيل الحياة على الأشخاص الذين يشاركون في أنشطة تتأثر بالتغيرات الموسمية في ضوء النهار. فما هو أثر التوقيت الصيفي علينا؟
محتويات المقال :
الساعة البيولوجية
هل سبق لك أن تساءلت لماذا تشعر بمزيد من اليقظة في الصباح والخمول في الليل؟ ذلك لأن جسمك لديه ساعة داخلية تسمى الساعة البيولوجية (Circadian rhythm) تنظم إيقاعاتك اليومية. يتم التحكم في هذه الساعة الداخلية من خلال مجموعة صغيرة من الخلايا في الدماغ تسمى النواة فوق التصالبة (SCN).
تستجيب النواة فوق التصالبة للإشارات الضوئية من البيئة لمزامنة وظائف الجسم مع دورة الليل والنهار على مدار 24 ساعة. تؤثر هذه الساعة الداخلية على كل شيء بدءًا من دورة النوم والاستيقاظ وحتى إفراز الهرمونات ودرجة حرارة الجسم والتمثيل الغذائي.
إن النواة فوق التصالبة موجودة في منطقة المهاد في دماغنا حيث تتلقى المدخلات مباشرة من أعيننا، وبهذه الطريقة يضبط دماغنا فترة الدورة اليومية عند حوالي 24 ساعة.
تعمل النواة فوق التصالبة على تشغيل بنية صغيرة في دماغنا، تسمى الغدة الصنوبرية (Pineal gland)، لإطلاق المزيد من مادة كيميائية تحفز النوم تسمى الميلاتونين في نفس الوقت تقريبًا كل مساء. حيث يرتفع مستوى الميلاتونين ببطء ليصل جسمك إلى أقصى قدر من النوم العميق في الليل، ثم ينخفض ببطء عند اقتراب موعد استيقاظك. يؤدي التحول من الظلام إلى ضوء النهار في الصباح، والذي يتسبب في استيقاظك، إلى إطلاق النورإبينفرين (norepinephrine)، والذي يعمل مع مواد كيميائية أخرى على إيقاظك.
تاريخ مبسط لبداية التوقيت الصيفي
تعود فكرة ضبط الساعات للاستفادة بشكل أفضل من ضوء النهار إلى الحضارات القديمة، بما في ذلك الرومان والصينيون. ومع ذلك، فإن المفهوم الحديث للتوقيت الصيفي تم اقتراحه لأول مرة من قبل بنجامين فرانكلين في عام 1784. واقترح أنه يمكن للناس الحفاظ على الشموع من خلال الاستيقاظ في وقت مبكر أثناء فصل الصيف.
لم يكتسب هذا المفهوم الكثير من الاهتمام حتى الحرب العالمية الأولى، عندما طبقت ألمانيا والنمسا التوقيت الصيفي كوسيلة للحفاظ على الطاقة. وسرعان ما حذت دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، حذوها. وكانت الفكرة هي تقديم الساعة بمقدار ساعة واحدة في أشهر الصيف، عادةً من مارس إلى أكتوبر، للاستفادة بشكل أفضل من ضوء النهار الطبيعي خلال أيام الصيف الأطول. وهذا من شأنه أن يقلل الحاجة إلى الإضاءة الاصطناعية، وبالتالي توفير الطاقة.
وفي الولايات المتحدة، تم تطبيق التوقيت الصيفي لأول مرة في عام 1918، لكنه قوبل بالرفض وتم إلغاؤه في نهاية المطاف في عام 1919. ولم يعود التوقيت الصيفي إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تم تطبيقه في معظم الولايات منذ ذلك الحين. اليوم، أكثر من 70 دولة حول العالم تطبق التوقيت الصيفي بشكل ما، على الرغم من أن تواريخ البدء والانتهاء قد تختلف.
تأثير اضطراب الرحلات الجوية الطويلة
إن المثال الأكثر تطرفاً على أثر التوقيت الصيفي على الساعة الداخلية الرئيسية في الجسم يأتي من خلال عبور مناطق زمنية متعددة بسرعة، كما يحدث عندما تسافر بالطائرة لمسافات طويلة. إن ساعتك الداخلية مضبوطة على المنطقة الزمنية التي بدأت منها. وعندما تسافر عبر عشر مناطق زمنية، على سبيل المثال، من سان فرانسيسكو إلى إسطنبول، تصبح ساعتك الداخلية مضطربة إلى حد كبير.
حيث يبدو كأن الليل والنهار قد تبدلا تقريبًا، وهذا يجعل سلوكياتنا أثناء الاستيقاظ والنوم غير متزامنة مع إنتاج المواد الكيميائية في المخ التي تؤثر على يقظتنا ومزاجنا.
تشمل الأعراض المعروفة لاضطراب الرحلات الجوية الطويلة تغير المزاج وصعوبات في الوظائف الإدراكية (التركيز واتخاذ القرار والذاكرة)؛ ومشاكل المعدة (فقدان الشهية والغثيان والإمساك والإسهال)؛ ومشاكل النوم (الأرق والنعاس والقلق).
إن أولئك الذين يسافرون مثل هذه المسافات بوتيرة أبطأ، ربما على متن سفينة بحرية، لديهم مشاكل أقل بكثير حيث يقومون ببطء بإجراء تعديلات يومية في ساعتهم البيولوجية.
أثر التوقيت الصيفي
إن تغيير الوقت لا يؤثر عليك في اضطراب الرحلات الجوية الطويلة فقط، فالتوقيت الصيفي يتطلب إعادة ضبط إيقاع النواة فوق التصالبة في الدماغ. إن عقولنا وأجسادنا حساسة للغاية لهذه الإيقاعات لدرجة أن التعديلات الصغيرة نسبياً التي تطرأ على ساعاتنا الميكانيكية أثناء بداية ونهاية التوقيت الصيفي كل ربيع وخريف تسبب لبعض الناس إزعاجاً كبيراً.
الأمر يشبه الانتقال فجأة من العمل في نوبة النهار إلى النوبة الليلية. ففي البداية، سوف تواجه الكثير من المشاكل، إلى أن يتكيف جسمك مع إيقاعاتك الجديدة. ومع ذلك، حتى إذا كنت تعمل في نوبة ليلية لفترة طويلة، فإن عمال النوبة الليلية يميلون إلى أن يكونوا أكثر قلقاً واكتئاباً قليلاً من الأشخاص الذين يستيقظون للعمل صباحًا.
ماذا تفعل بشأن تغير التوقيت؟
أولاً، ابدأ بتعديل جدول نومك قبل أيام قليلة من تغيير الوقت. حاول الذهاب إلى السرير قبل 10 إلى 15 دقيقة أو متأخرًا كل ليلة لضبط جسمك على الإيقاع الجديد. سيساعد ذلك ساعتك البيولوجية على التكيف مع الوقت الجديد، مما يقلل من احتمالية الشعور بالترنح والارتباك.
ثانيا، الاستفادة القصوى من التعرض للضوء الطبيعي. حيث يساعد على تنظيم إيقاعات الساعة البيولوجية لدينا، لذا حاول الخروج في الصباح أو بعد الظهر للحصول على بعض ضوء الشمس.
ثالثًا، تناول طعامًا مغذيًا وحافظ على رطوبة جسمك. إن اتباع نظام غذائي صحي وتناول الكثير من الماء يمكن أن يساعد جسمك على التكيف مع تغير الوقت. وتجنب الوجبات الثقيلة والكافيين عند اقتراب وقت النوم، لأنها يمكن أن تعطل أنماط نومك.
من الطبيعي أن تشعر ببعض الضيق بعد تغيير الوقت، لذا لا تقس على نفسك إذا لم تتكيف على الفور. خذ فترات راحة، ومارس تقنيات الاسترخاء، وأعط الأولوية لمساعدة جسمك وعقلك على التكيف مع الإيقاع الجديد.
المصدر
How Seasonal Time Changes Mess With Our Brains | psychology today
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :