
يترقب عشاق الفلك في جميع أنحاء العالم، وخاصة في المنطقة العربية، حدثاً فلكياً نادراً ومثيراً للإعجاب: الخسوف الكلي للقمر الذي سيتحول فيه بدر شهر سبتمبر إلى ما يعرف بـ”القمر الدموي”. هذا المشهد المهيب، الذي يستقطب اهتمام العلماء والمصورين والهواة على حد سواء، ليس مجرد ظاهرة طبيعية، بل هو فرصة فريدة للتأمل في عظمة الكون ودقة حركاته. ففي هذه الليلة، سيقوم كوكبنا العملاق، الأرض، بإلقاء ظله على رفيقنا الفضائي، ليحجبه عن ضوء الشمس المباشر، ويصبغه بلون أحمر قاني، نتيجة لانكسار أشعة الشمس في غلافنا الجوي.
في هذا التقرير، سنستعرض تفاصيل هذا الحدث الفلكي، ونوضح متى وأين يمكن رؤيته بوضوح في مصر والدول العربية، مع تقديم نصائح عملية للاستمتاع بهذا المشهد بأمان، والإشارة إلى أهمية هذه الظاهرة الفلكية من الناحية العلمية، مع الاستناد إلى أحدث الأبحاث والمصادر العلمية الموثوقة.
ما هو “القمر الدموي”؟
خسوف القمر هو ظاهرة فلكية تحدث عندما يمر القمر في ظل الأرض، مما يحجب عنه ضوء الشمس. يحدث هذا فقط عندما تكون الشمس والأرض والقمر على استقامة واحدة أو شبه استقامة (محاق). أما “القمر الدموي” (Blood Moon) أو الخسوف الكلي للقمر، فيحدث عندما يقع القمر بالكامل داخل الجزء المركزي المظلم من ظل الأرض، المعروف باسم “الظل الداكن” (Umbra). في هذه المرحلة، لا يختفي القمر تمامًا من السماء، بل يكتسب لونًا أحمر أو برتقاليًا محمرًا، وذلك لأن الغلاف الجوي للأرض يعمل على تشتيت الضوء الأزرق من أشعة الشمس، بينما يسمح للضوء الأحمر بالمرور والانحناء (الانكسار) حول الأرض، ليصل إلى القمر ويضيئه. هذه الظاهرة تجعل القمر يبدو وكأنه كرة نارية متوهجة في الفضاء.
الخسوف القمري الأطول في القرن الحادي والعشرين
الخسوف القمري الذي سيحدث في السابع من سبتمبر 2025 (وقت النشر المتوقع) سيكون مميزًا لأنه من المتوقع أن يكون من أطول الخسوفات الكلية للقمر في القرن الحادي والعشرين. من المتوقع أن تستمر مرحلة الخسوف الكلي (عندما يكون القمر بالكامل في ظل الأرض) لمدة تزيد عن 82 دقيقة، مما يمنح المراقبين وقتًا طويلاً للاستمتاع بالمشهد. وفقًا لموقع Time and Date، المتخصص في رصد الظواهر الفلكية، ستبدأ مرحلة الخسوف الجزئي في الساعة 17:30 بتوقيت غرينتش (GMT)، ويبلغ ذروته في الساعة 18:00، وينتهي الخسوف الكلي في الساعة 18:52 بتوقيت غرينتش.
أين يمكن مشاهدة الخسوف في مصر والوطن العربي؟
يُعتبر الوطن العربي من المناطق المتميزة لمشاهدة هذا الخسوف، حيث يمكن للمشاهدين في معظم الدول العربية متابعة الحدث بشكل كامل أو جزئي، حسب الموقع الجغرافي.
في مصر والمنطقة الوسطى (الأردن، لبنان، سوريا، العراق): سيشرق القمر خلال المراحل الأولى من الخسوف. هذا يعني أن القمر سيبدأ بالظهور فوق الأفق الشرقي وهو بالفعل في حالة خسوف جزئي أو كلي. سيكون المشهد مثيراً للغاية، حيث يرتفع القمر وهو بالفعل مضيء بلون أحمر، وهو ما يتطلب رؤية واضحة للأفق الشرقي. يجب على الراغبين في المشاهدة التوجه إلى أماكن مفتوحة ومرتفعة بعيدة عن المباني والأشجار، مع الحرص على عدم وجود عوائق تحجب الأفق.
في المنطقة الشرقية (السعودية، الإمارات، قطر، البحرين، الكويت، عمان): هذه الدول ستكون محظوظة بشكل خاص، حيث سيشرق القمر قبل بداية الخسوف، مما يتيح للمراقبين مشاهدة جميع مراحل الحدث بوضوح، من بداية دخول القمر في شبه الظل (Penumbral Phase) إلى الخسوف الكلي والجزئي، ثم خروجه من الظل.
في المنطقة الغربية (المغرب، الجزائر، تونس): ستشرق الشمس خلال المراحل الأخيرة من الخسوف، وبالتالي قد تكون الرؤية جزئية أو محدودة.
نصائح لمراقبة الخسوف بأمان
على عكس كسوف الشمس، الذي يتطلب نظارات خاصة لحماية العين، فإن خسوف القمر آمن تماماً للمشاهدة بالعين المجردة. لا تحتاج إلى أي أدوات خاصة لمتابعة هذه الظاهرة، ولكن إذا كنت تمتلك منظاراً فلكياً (telescope) أو منظارًا مكبرًا (binoculars)، فإن استخدامها سيمنحك رؤية أوضح وأكثر تفصيلاً لسطح القمر، ويمكنك من تمييز التدرجات اللونية الحمراء بوضوح.
التوقيت: تأكد من معرفة توقيت شروق القمر في مدينتك، خاصة إذا كنت في منطقة ستشرق فيها الشمس أثناء الخسوف.
الموقع: اختر مكاناً مفتوحاً بعيداً عن أضواء المدينة التي قد تقلل من وضوح المشهد، مع التأكد من أن الأفق الشرقي مكشوف تمامًا.
الطقس: تحقق من حالة الطقس، حيث أن الغيوم الكثيفة قد تحجب الرؤية.
التصوير: إذا كنت من هواة التصوير الفلكي، فإن الخسوف فرصة رائعة لالتقاط صور خلابة. استخدم حاملًا ثلاثي القوائم (tripod) لضمان ثبات الكاميرا، واستخدم إعدادات التعريض الضوئي المناسبة لالتقاط تفاصيل القمر.
دعوة للتأمل في عظمة الكون
يعتبر الخسوف القمري فرصة مثالية لإعادة الاتصال مع الكون من حولنا. هذه الظاهرة الفلكية، التي تذكرنا بمدى دقة حركات الأجرام السماوية، ليست مجرد حدث علمي، بل هي أيضاً لحظة للتأمل الروحي والجمالي. فعندما يتحول القمر الساطع إلى قرص أحمر خافت، فإنه يدعونا للتفكير في موقعنا في هذا الكون الفسيح، وفي جمال الظواهر الطبيعية التي تحيط بنا. سواء كنت فلكيًا محترفًا أو مجرد شخص يستمتع بجمال السماء ليلاً، فإن “القمر الدموي” هو دعوة مفتوحة للجميع للاستمتاع بعرض سماوي نادر لا يتكرر كثيراً.
المصادر العلمية:
- NASA Science: https://science.nasa.gov/
- Time and Date: https://www.timeanddate.com/
- Space.com: https://www.space.com/
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :