Ad

في إنجاز علمي وتكنولوجي جديد يؤكد على مكانة مصر المتنامية كمركز إقليمي ودولي للابتكار، أعلنت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) عن نتائج تقرير مؤشر الابتكار العالمي لعام 2025. التقرير كشف عن قفزة نوعية لتجمع القاهرة، الذي ارتقى إلى المرتبة 83 عالميًا ضمن قائمة أفضل 100 تجمع للعلوم والتكنولوجيا والابتكار (Global Innovation Index)، متقدماً 12 مركزاً عن ترتيبه في العام الماضي. هذا التقدم الملحوظ لم يكن مجرد رقم عابر، بل هو شهادة دولية على الجهود الوطنية المتكاملة التي تبذلها مصر لتعزيز بيئتها الابتكارية وتحويل المعرفة إلى قيمة اقتصادية ملموسة. والأهم من ذلك، أن القاهرة أصبحت الكتلة الابتكارية الوحيدة في أفريقيا والعالم العربي التي تظهر في هذه القائمة المرموقة، وهو ما يعكس ريادتها على الخريطة العالمية.

قفزة نوعية وإنجاز فريد: دلالات التقرير

تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية لعام 2025 جاء ليعلن عن تحول استراتيجي في منظومة الابتكار المصرية. فبعد أن كانت القاهرة في المرتبة 95 في عام 2024، أصبحت الآن في المركز 83، وهو تقدم يعكس تحسنًا كبيرًا في عدة مؤشرات رئيسية. وفقًا للتقرير، تميز تجمع القاهرة في مجالات حيوية مثل التكنولوجيا الطبية والكيمياء، حيث سجلت العاصمة المصرية أداءً لافتاً في عدد طلبات براءات الاختراع الدولية(PCT)، وكمية الأبحاث العلمية المنشورة، وصفقات رأس المال المخاطر .

هذا الإنجاز لم يأت من فراغ، بل هو نتاج تضافر جهود مؤسسية وأكاديمية وحكومية. فكما أكدت الدكتورة جينا الفقي، المشرف العام على بنك المعرفة المصري والقائم بأعمال رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، فإن تواجد القاهرة في هذه القائمة الدولية يمثل دليلاً على الكثافة العالية للمواهب والبحوث والشركات الناشئة التي تزخر بها العاصمة المصرية. وقد أظهر التقرير تفوق القاهرة في مؤشرات محددة، مثل تسجيل 7  طلبات براءة اختراع دولية و1,115 بحثا علمياً منشوراً، إلى جانب21 صفقة لرأس المال المخاطر لكل مليون نسمة.

جامعة القاهرة في صدارة المشهد الابتكاري

تلعب الجامعات والمؤسسات البحثية دوراً محورياً في هذا الإنجاز. وقد أشار التقرير بوضوح إلى أن جامعة القاهرة كانت القوة الدافعة الرئيسية وراء هذا التقدم. فقد احتلت الجامعة المرتبة الأولى بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية الأكثر نشراً للأبحاث من تجمع القاهرة، حيث نشرت 6,059 بحثاً علمياً، وهو ما يمثل 24% من إجمالي الإنتاج البحثي في العاصمة. هذا الدور الرائد يؤكد على التزام الجامعة بتحويل مخرجات البحث العلمي إلى تطبيقات عملية وصناعات مبتكرة، وهو ما أشار إليه الدكتور محمد سامي عبدالصادق، رئيس جامعة القاهرة، من خلال تأسيس شركة الجامعة لإدارة واستثمار الأصول المعنوية.

ولم تكن جامعة القاهرة الوحيدة التي ساهمت في هذا الإنجاز، فقد جاءت جامعة عين شمس في المرتبة الثانية بنسبة 14% من إجمالي المقالات العلمية المنشورة، تلاها المركز القومي للبحوث بنسبة 13% . هذه الأرقام تعكس التنافسية الإيجابية بين المؤسسات الأكاديمية المصرية والتركيز على رفع جودة الإنتاج البحثي.

من براءات الاختراع إلى الشركات الناشئة: قاطرة الابتكار

الابتكار ليس مجرد أبحاث أكاديمية، بل هو منظومة متكاملة تشمل تحويل الأفكار إلى منتجات قابلة للتسويق. وفي هذا السياق، أظهر تقرير “الوايبو”  تقدماً ملحوظاً في مجال براءات الاختراع والشركات الناشئة. فوفقاً للتقرير، كانت شركة “ساي وير للأنظمة” (Cyware Systems) هي الأكثر تقدماً في مجال طلبات براءات الاختراع، تليها الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ثم شركة “إنبي” للبترول والصناعات التكميلية. هذا التنوع بين الشركات الخاصة والمؤسسات الأكاديمية يؤكد على ديناميكية البيئة الابتكارية في مصر، والتي تشجع على التعاون بين مختلف القطاعات.

كما أن مؤشر تمويل رأس المال المخاطر (Venture Capital)، الذي يعكس مدى استعداد المستثمرين للمخاطرة في الشركات الناشئة، شهد تحسناً كبيراً. هذا المؤشر يعكس ثقة المستثمرين في الأفكار المبتكرة والقدرة على تحويلها إلى مشاريع تجارية ناجحة، وهو ما يصب في صالح الاقتصاد القائم على المعرفة.

سياسات وطنية داعمة للابتكار: رؤية مصر 2030

هذا التقدم في مؤشر الابتكار العالمي يتسق تماماً مع أهداف رؤية مصر 2030، التي تضع الابتكار والبحث العلمي في صميم استراتيجيتها لتحقيق التنمية المستدامة. وقد استعرضت الدكتورة جينا الفقي، في فعالية الإعلان عن نتائج التقرير، الجهود التي تبذلها الدولة المصرية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتعزيز البيئة الابتكارية. ومن أبرز هذه الجهود:

  • زيادة تمويل البحث العلمي: حيث زادت نسبة تمويل البحث العلمي من إجمالي الدخل القومي، مما يعكس التزاماً سياسياً واضحاً ببناء اقتصاد قائم على المعرفة.
  • إطلاق السياسة الوطنية للابتكار المستدام 2030: وهي أول سياسة وطنية شاملة تهدف إلى دعم دورة الابتكار كاملة، من “المعمل إلى المصنع”.
  • المبادرة الرئاسية “تحالف وتنمية: والتي تهدف إلى خلق شراكات استراتيجية بين الصناعة والأكاديميا والحكومة، مع التركيز على مجالات ذات أولوية مثل التكنولوجيا الطبية والكيمياء.

هذه المبادرات تسعى إلى تمكين الكتل البحثية الناشئة في محافظات أخرى مثل الإسكندرية ومدن القناة وصعيد مصر، وهو ما يهدف إلى توسيع قاعدة المشاركة الإقليمية في عملية الابتكار وعدم اقتصارها على القاهرة فقط.

شبكات عالمية وتعاون دولي

الابتكار لم يعد حكراً على دولة بعينها، بل أصبح عملية عالمية تتطلب التعاون وتبادل الخبرات. وقد أظهر تقرير WIPO أن الابتكار في مصر يزداد انفتاحاً على التعاون الدولي. فوفقاً للتقرير:

  • 23% من طلبات براءات الاختراع تمت بالشراكة مع مخترعين في كتل ابتكارية رائدة عالمياً مثل لندن، وبوسطن كامبريدج، وسان خوسيه سان فرانسيسكو.
  • 39% من الأبحاث العلمية نُشرت بالشراكة مع مؤسسات في الرياض، وإسلام آباد، وبكين.

هذه الأرقام تعكس اندماج القاهرة في الشبكات العالمية للبحث العلمي، وهو ما يعزز نقل المعرفة وتوطين التكنولوجيا الحديثة. هذا التعاون يتيح للباحثين المصريين الوصول إلى أحدث المعارف والتكنولوجيات، ويفتح الباب أمام فرص جديدة للتمويل والاستثمار.

إن صعود القاهرة إلى المرتبة 83 عالمياً في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2025 ليس مجرد إنجاز لحظي، بل هو إشارة واضحة على أن مصر تسير في الطريق الصحيح نحو بناء اقتصاد معرفي تنافسي. هذا الإنجاز يؤكد أن الابتكار لم يعد ترفاً، بل أصبح ركيزة أساسية للتنمية المستدامة وجسراً يربط بين البحث العلمي والصناعة، وخطوة كبرى نحو تحويل مصر إلى لاعب رئيسي في الاقتصاد العالمي المبني على المعرفة.

الجهود التي تضافرت بين الجامعات والمراكز البحثية والشركات الناشئة والسياسات الحكومية الداعمة، تؤكد أن مصر قادرة على بناء منظومة ابتكار قوية ومتكاملة. هذا الإنجاز يجب أن يكون حافزاً لمزيد من العمل والتعاون، لتوسيع نطاق الابتكار ليشمل كافة محافظات الجمهورية، وتكرار تجربة القاهرة في مدن أخرى، بما يضمن تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.

المصادر:

  • المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO): تقرير مؤشر الابتكار العالمي 2025. https://www.wipo.int/global-innovation-index/en/2025/
  • أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا المصرية: بيان صحفي حول نتائج تقرير مؤشر الابتكار العالمي 2025.
  • جامعة القاهرة: بيانات رسمية وبيانات صحفية حول الأبحاث المنشورة والدور في الابتكار.
طارق قابيل
Author: طارق قابيل

يمثل الدكتور طارق قابيل نموذجًا بارزًا للعالم المصري الملتزم بتطوير العلوم. فمن خلال مسيرته الحافلة بالإنجازات، استطاع أن يساهم بشكل كبير في مجال الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية في مصر. وقد ساهم بشكل كبير في تطوير هذا المجال، وحقق إنجازات بارزة على الصعيدين المحلي والدولي. حصل الدكتور قابيل على درجة الدكتوراه في الهندسة الوراثية من جامعة القاهرة بالتعاون مع جامعة كليمسون الأمريكية، حيث أجرى أبحاثًا رائدة في زراعة الأنسجة النباتية. عمل كأستاذ زائر في جامعة كليمسون وشارك في العديد من المشاريع البحثية الوطنية والدولية. يشغل الدكتور قابيل حاليًا منصب مقرر لجنة الآداب والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية بمكتب التقييم الفني لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر، وأمين مجلس الثقافة والمعرفة بالأكاديمية الباحث الرئيسي لخريطة طريق التواصل العلمي، حيث يساهم في صياغة السياسات العلمية وتوجيه البحث العلمي نحو تحقيق التنمية المستدامة. كما أنه عضو في العديد من الجمعيات العلمية، مما يؤكد مكانته البارزة في المجتمع العلمي المصري والعربي. للدكتور طارق قابيل أكثر من 1000 مقال في تبسيط العلوم في أهم المجلات والجرائد العربية، ويعتبر رائدًا من رواد الثقافة العلمية في مصر، وتجسد إنجازات الدكتور قابيل التزامه العميق بتطوير العلوم ورفع مستوى البحث العلمي في مصر والعالم العربي. وبفضل جهوده المتواصلة، أصبح الدكتور طارق قابيل رمزًا للباحث المصري المبدع، الذي يسعى دائمًا إلى تطوير...

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


أكاديمية البحث العلمي

User Avatar

د. طارق قابيل

يمثل الدكتور طارق قابيل نموذجًا بارزًا للعالم المصري الملتزم بتطوير العلوم. فمن خلال مسيرته الحافلة بالإنجازات، استطاع أن يساهم بشكل كبير في مجال الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية في مصر. وقد ساهم بشكل كبير في تطوير هذا المجال، وحقق إنجازات بارزة على الصعيدين المحلي والدولي. حصل الدكتور قابيل على درجة الدكتوراه في الهندسة الوراثية من جامعة القاهرة بالتعاون مع جامعة كليمسون الأمريكية، حيث أجرى أبحاثًا رائدة في زراعة الأنسجة النباتية. عمل كأستاذ زائر في جامعة كليمسون وشارك في العديد من المشاريع البحثية الوطنية والدولية. يشغل الدكتور قابيل حاليًا منصب مقرر لجنة الآداب والعلوم الاجتماعية والثقافة العلمية بمكتب التقييم الفني لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر، وأمين مجلس الثقافة والمعرفة بالأكاديمية الباحث الرئيسي لخريطة طريق التواصل العلمي، حيث يساهم في صياغة السياسات العلمية وتوجيه البحث العلمي نحو تحقيق التنمية المستدامة. كما أنه عضو في العديد من الجمعيات العلمية، مما يؤكد مكانته البارزة في المجتمع العلمي المصري والعربي. للدكتور طارق قابيل أكثر من 1000 مقال في تبسيط العلوم في أهم المجلات والجرائد العربية، ويعتبر رائدًا من رواد الثقافة العلمية في مصر، وتجسد إنجازات الدكتور قابيل التزامه العميق بتطوير العلوم ورفع مستوى البحث العلمي في مصر والعالم العربي. وبفضل جهوده المتواصلة، أصبح الدكتور طارق قابيل رمزًا للباحث المصري المبدع، الذي يسعى دائمًا إلى تطوير علمه وخدمة مجتمعه. وقد ترك بصمة واضحة في مجال العلوم الأساسية، وفتح آفاقًا جديدة للباحثين الشبان.


عدد مقالات الكاتب : 65
الملف الشخصي للكاتب :

التالي

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *