أظهرت دراسة جديدة أن المرضى يجدون الذكاء الاصطناعي أكثر تعاطفاً وتفهماً من الأطباء النفسيين وخبراء الصحة العقلية. حتى عندما عرف المشاركون أنهم يتحدثون إلى آلة، قيّم المقيِّمون الخارجيون استجابات الروبوت بدرجة أعلى.
في الدراسة، التي نُشرت في 10 يناير في دورية “علم نفس الاتصال”، أجرى العلماء سلسلة من أربع تجارب. حاولوا معرفة كيف قام عدد من المشاركين بتقييم الاستجابات الناتجة عن التفاعل مع الذكاء الاصطناعي، مقابل تلك التي يقدمها المحترفون.
كشفت الاختبارات أن استجابات البشر للروبوت كانت أكثر تعاطفا من تلك التي يقدمها المستجيبون المحترفون للأزمات. حتى عندما تم الكشف عن مؤلف الردود للمشاركين. في المتوسط، تم تصنيف الاستجابات الناتجة عن الروبوتات على أنها أكثر تعاطفاً بنسبة 16% من الاستجابات البشرية. وكانت مفضلة بنسبة 68% من الوقت، حتى عند مقارنتها بـالمستجيبين المدربين للأزمات.
محتويات المقال :
رعاية الصحة العقلية
على الصعيد العالمي، تعاني رعاية الصحة العقلية من أزمة، وتثير الدراسة إمكانية قيام التطور الاصطناعي بسد الثغرات. وفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من ثلثي الأشخاص الذين يعانون من حالات الصحة العقلية لا يحصلون على الرعاية التي يحتاجون إليها. وفي البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل يرتفع هذا الرقم إلى 85%.
لكن العثور على استجابات أكثر تعاطفاً من الآلة لا يأتي بدون مخاطر. حذرت إليانور واتسون، أحد المشاركين في الدراسة، من شبح التحفيز الخارق. وهو الميل إلى الاستجابة بقوة أكبر. وقالت إن الذكاء الاصطناعي مغرِ للغاية لدرجة تحويله للمشاركين إلى مفتونين به، فهو يمكن أن يغازل، ومفيد، ويمكن الوصول إليه بسهولة.
التعاطف في الذكاء الاصطناعي
لقد كان مفهوم التعاطف في الذكاء الاصطناعي (AI) موضوع اهتمام منذ فترة طويلة في المجتمع العلمي. التعاطف، وهو القدرة على فهم ومشاركة مشاعر الآخرين، هو سمة معقدة تعتبر ميزة فريدة من نوعها للبشر. ومع ذلك، مع التقدم التكنولوجي السريع، عمل الباحثون على تطوير آلات يمكنها محاكاة التعاطف الذي يشبه التعاطف البشري.

أحد التحديات الرئيسية في صناعة الذكاء الاصطناعي المتعاطف هو فهم الفروق الدقيقة في المشاعر الإنسانية. يتمتع البشر بقدرة مذهلة على التقاط الإشارات الدقيقة، مثل نبرة الصوت، وتعبيرات الوجه، ولغة الجسد، لفهم ما يشعر به شخص ما. ومن ناحية أخرى، تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على الخوارزميات وتحليل البيانات لمعالجة المدخلات العاطفية والاستجابة لها.
للتغلب على هذا التحدي، قام الباحثون باستكشاف أساليب مختلفة، بما في ذلك معالجة اللغة الطبيعية، والتعلم الآلي، والحوسبة المعرفية. تمكن هذه الأساليب أنظمة الروبوتات من تحليل كميات هائلة من البيانات، وتحديد الأنماط، وتوليد استجابات مصممة خصيصًا للحالة العاطفية للفرد.
تحوٌّل في رعاية الصحة العقلية التقليدية
لطالما اعتمد النموذج التقليدي لرعاية الصحة العقلية بشكل كبير على المعالجين والمستشارين البشريين. يقتصر الممارسون البشريون على خبرتهم السريرية، وتحيزاتهم المعرفية، وقابليتهم كبشر للتعب والإرهاق. وفي المقابل، تستطيع الآلة معالجة كميات هائلة من البيانات، مما يوفر نطاقًا من الدعم العلاجي لا يستطع الممارسون البشريون مضاهاته.
علاوة على ذلك، فإن قدرة الذكاء الاصطناعي على توفير رعاية يمكن الوصول إليها وبأسعار معقولة يمكن أن يغير قواعد اللعبة بالنسبة للأشخاص غير القادرين على الوصول إلى خدمات الصحة العقلية. وكما لاحظ الباحثون، فإن “توافر الآلات يعد عاملاً مهما، خاصة بالمقارنة مع الممارسين المكلفين الذين يكون وقتهم محدودًا”. بالإضافة إلى ذلك، قد يجد الأشخاص أن التعامل مع الآلة أقل صعوبة، خاصة عند مناقشة موضوعات حساسة. مما قد يؤدي إلى زيادة الإقبال على خدمات الصحة العقلية المُدارة بواسطة الذكاء الاصطناعي.
تفوق الذكاء الاصطناعي على الخبراء البشريين
أجرى الباحثون في قسم علم النفس بجامعة تورنتو سلسلة من أربع تجارب للتحقيق في كيفية إدراك الناس للاستجابات المتعاطفة الناتجة عن الآلة، مقابل تلك التي يقدمها خبراء الصحة العقلية البشرية. شملت الدراسة 550 مشاركًا شاركوا تجاربهم الشخصية ثم قييموا الاستجابات من حيث التعاطف والاستجابة والتفضيل العام.
في كل تجربة، تم تعيين المشاركين بشكل عشوائي، وصُمم نظام روبوت ذكي لتحديد التفاصيل الدقيقة في قصص المشاركين والاستجابة بتواصل يقظ يحاكي التعاطف. ومن ناحية أخرى، تم تدريب المستجيبين البشريين للأزمات الإنسانية على تقديم استجابات متعاطفة بناءً على خبرتهم السريرية.
وأظهرت النتائج أن استجابات الذكاء الاصطناعي تم تصنيفها باستمرار على أنها أعلى في التعاطف والاستجابة من الاستجابات البشرية، حتى عندما عرف المشاركون أنهم يتفاعلون مع الآلة. يشير هذا إلى أن نظام الروبوت الذكي كان قادرًا على خلق وهم التعاطف، مما يجعل المشاركين يشعرون بأنهم مسموعون ومفهومون.
تحليل الأرقام والنتائج
بالتعمق في نتائج الدراسة، فإن أحد الجوانب المذهلة هو الحجم الهائل لتفوق الذكاء الاصطناعي في التعاطف والاستجابة. في المتوسط، تم تصنيف الاستجابات الناتجة عن الآلة على أنها أكثر تعاطفاً بنسبة 16% من الاستجابات البشرية. ويشير هذا الهامش الكبير إلى أن الذكاء الاصطناعي يتمتع بقدرة فريدة على تحديد الإشارات العاطفية والاستجابة لها، ويتفوق في الأداء حتى على المستجيبين المدربين للأزمات.
علاوة على ذلك، كان تفضيل استجابات الذكاء الاصطناعي مذهلاً، حيث فضله المشاركون بنسبة 68% من الوقت. وهذا يعني أن الناس لا ينظرون إلى الآلة على أنها أكثر تعاطفًا فحسب، بل يجدون أيضًا استجاباتها أكثر ارتباطًا وجاذبية. تعزو داريا أوفسيانيكوفا، المؤلفة الرئيسية للدراسة، نجاح الذكاء الاصطناعي إلى قدرته على البقاء موضوعيًا ومنتبهًا، وتوليد استجابات تم ضبطها بدقة لتناسب احتياجات المستخدم.
تضيف الدكتورة إليانور واتسون، أحد المشاركين في الدراسة، أن قدرة الذكاء الاصطناعي على معالجة كميات هائلة من البيانات تغير بشكل أساسي معادلة الدعم العلاجي. وهذا يمكن أن يمكّن المرضى من اكتساب وجهات نظر أو أساليب جديدة ربما لم يتم تدريب معالجهم البشري عليها.
مستقبل الصحة العقلية
ومع تزايد الحاجة إلى رعاية الصحة العقلية، فإن قدرة الذكاء الاصطناعي على تقديم استجابات متعاطفة يمكن أن تغير الكثير. على سبيل المثال، لا يحصل أكثر من ثلثي الأشخاص الذين يعانون من أمراض الصحة العقلية على الرعاية التي يحتاجون إليها، وهي أزمة خطيرة بشكل خاص في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
في حين أن هناك مخاطر يجب أخذها في الاعتبار، مثل احتمال أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم مشكلات الخصوصية وخلق توقعات غير واقعية، فإن الفوائد المحتملة للتطور التكنولوجي في رعاية الصحة العقلية لا يمكن إنكارها. مع استمرار العلماء والخبراء في الابتكار والتطوير، قد نكون على أعتاب ثورة في رعاية الصحة العقلية – ثورة يمكن أن تجلب الأمل والشفاء لملايين الأشخاص حول العالم.
المصادر:
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :