Ad

أحد أشهر تطبيقات نظرية الألعاب، لم حازت مساهمات تطوير نظرية المزاد على نوبل للاقتصاد 2020؟

من المشاهد المألوفة لدينا، هي المعارض الانجليزية أو الأوروبية عموماً التي يحضرها رجال أنيقون ونساء ارستقراطيات بقبعات مائلة، لتعرض لوحة لفنان شهير أو أحد مقتنيات المشاهير أو تحف. وتبدأ المزايدة بسعر وتتبعه صيحات بأسعار أعلى حتى يربح العرض صاحب أعلى سعر وذلك بعد أن يختتم المسؤول عن المزاد ب “1، 2، 3” وإن لم يقاطعه أحد بسعر أعلى، يُقفل المزاد.

من جهة ثانية، إن كان في الدولة بعض الفاسدين والمرتشين من أصحاب المهن العليا كالقضاة، فإن الرشاوي يمكن أن تغير مسار العدالة وتتبع صاحب الرشوة الأعلى، فبوجود طرفين في المحكمة، قد يرشي كلاهما القاضي ولكن لا علم لأي منهما بالمبلغ الذي سيدفعه الآخر، وفي النهاية، سينهي القاضي القضية لصاحب الرشوة الأعلى.

كيف يرتبط المشهدان السابقان المألوفان، وكثير من الخطوط العريضة الأخرى في حياتنا اليومية، بنظرية المزادات، التي منح لتحسينها وابتكار أشكال جديدة لها بول ميلجروم وروبرت ويلسون جائزة نوبل للاقتصاد لسنة 2020. لنر معاً أهمية تلك النظرية وأسباب منحهما الجائزة.

نظرية المزاد في سطور

لمعرفة لم حظيت مساهمات ميلجروم وويلسون في نظرية المزاد بجائزة نوبل للاقتصاد 2020، يجب أولاً فهم ما نعني بهذه النظرية وما مدى تأثيرها على حياتنا.

عند عرض مادة/سلعة ما (an object) للمزاد، يكون ناتج هذا المزاد معتمداً على ثلاثة عوامل رئيسية:

الأول هو قوانين المزاد، ونعني بذلك هل عرض المزاد بالظروف المفتوحة (أسعار مكشوفة) أم المغلقة؟ وهل يسمح أن يتقدم المشاركون بأكثر من مرة للمزاد أم مرة واحدة؟ وما السعر الذي يدفعه الفائز – هل يدفع السعر الذي فاز به أم ثاني أعلى سعر؟ يجب هنا ألا يختلط عليك الأمر بين كلمتي “مزاد” و”مناقصة”، إذ أن المناقصة هي أحد أشكال المزاد.

العامل الثاني يتمثل في ما هو المعروض للمزاد، فهل تختلف قيمته بين المزايدين أم أنه ذو قيمة واحدة؟

والعامل الثالث هو عدم اليقين، أو مدى معرفة المزايدين بقيمة الشيء المعروض للمزاد.

إن استيفاء المزاد وتحديده للعوامل الثلاث السابقة تحدده نظرية المزاد، وهذا ما يؤثر على استراتيجية المزايدة وبالتالي على ناتج هذا المزاد. كما تعرض النظرية لنا كيفية تصميم المزاد وتحقيق أثر كبير على قيمة المادة المعروضة للمزاد. ويصبح الموضوع معقداً عندما تتم المزايدة في الوقت ذاته على أكثر من قطعة مرتبطة ببعضها البعض. وهنا يأتي دور الحائزين على الجائزة، إذ طورا أشكالاً لجعل الموضوع أكثر تخصصًا وعملي بدرجة أكبر.

بعض أنواع المزادات التي لا بد من معرفتها

المزاد على الطريقة الانجليزية: تعتمد دور المزادات حول العالم لبيع القطع فرادى على الطريقة الانجليزية في المزايدات، إذ يبدأ المزاد بسعر منخفض ليتم تدريجياً اقتراح أسعار أعلى وأعلى من قبل مقدمي العطاوات الراغبين بالفوز بالقطعة المعروضة، وفي النهاية يفوز مقدّم العطاء صاحب أعلى سعر ويدفع السعر الذي زايد فيه. بينما هذا الموضوع يختلف كلياً في المزاد الهولندي، إذ يبدأ بعرض أعلى سعر ثم تنقص الأسعار تدريجياً إلى أن تباع القطعة المعروضة. 

تحليل بول ميلجروم وبالمشاركة مع روبرت ويبر للشكلين السابقين: سيلاحظ المشاركون في المزاد الانجليزي انسحاب بعض المشاركين الآخرين عن المزايدة عند وصول القطعة إلى سعر معين وهذا يعطيهم معلومات عن تقدير الآخرين لقيمة القطعة، بينما في المزاد الهولندي لن يضفي تقليل قيمة القطعة أي معلومات عن مدى تقييم المشاركين لها. وهذا ما سنرى أثره على “لعنة الفائز” لاحقاً.

من الواضح أن شكل المزاد في الطريقتين الانجليزية والهولندية هو المزاد المكشوف، إذ أن الأسعار مكشوفة للمزايدين، بينما في نطاق الأعمال والتوظيف، فالشكل المتبع هي المزادات المغلقة (المظاريف المغلقة)، إذ يرسل أصحاب العطاءات عروضهم المالية بظروف مغلقة، وغالباً ما يتم الإرساء على العطاء الذي يلتزم بتقديم الخدمة بأقل سعر، بفرض أنه يستوفي شروط الجودة المطلوبة. في بعض المناقصات المغلقة يكون السعر النهائي هو السعر الأعلى (مناقصات السعر الأعلى)، فيما بعضها الآخر يرسي على ثاني أعلى سعر (مناقصات ثاني أعلى سعر).

هل يمكن تحديد أي شكل هو الأفضل؟ كما نرى، إن الأسلوب الأفضل يعتمد على صاحب المزاد، فبينما يهتم البائع الخاص بالبيع لأعلى سعر، يقوم البائعون العامة بالبيع لمن يضمن أكبر فائدة لأطول فترة. لذا فإن مهمة البحث على أفضل شكل مزاد شغلت الاقتصاديين لمدة طويلة. يمكن تخصيص مشكلة تحليل المزادات في تقييم كل من أصحاب العطاءات للمادة المعروضة للمزاد، وهل تعكس العطاءات المختلفة مدى العلم الكافي لمقدمي العطاوات بخصائص المادة المعروضة أو قيمتها؟ وهل يمكن لأصجاب العطاءات التلاعب فيما بينهم والتعاون ليبقى سعر المناقصة النهائي أدنى؟

القيم الخاصة والقيم المشتركة

سنوضح مفاهيم القيمة الخاصة والقيمة المشتركة بمثالين:

لنقل أن جمعية أعلنت عن عشاء خيري باستضافة أحد حائزي جائزة نوبل (أو أي شخصية مرموقة أخرى)، إن المبلغ الذي ستدفعه لقاء حضورك لهذا العشاء هو أمر شخصي، ولا يتأثر بقيمة هذا العشاء لأصحاب العطاءات الآخرين. هنا لا يجب أن تقدم عطاء بأكثر مما يمكن أن يعنيه هذا العشاء لك، ولكن هل ستقدم أقلّ عرض مقابل هذا العشاء؟ هذا ما نعنيه بالقيمة الخاصة، وهي محدودة بحالات معينة.

بينما على الجانب الآخر، معظم المزايدات تكون لديها أيضاً قيم مشتركة، وسنبسط ذلك بالمثال التالي:

لنفرض أنك تاجر للألماس، وتعتزم – مع تجار آخرين- بالتقدم لشراء قطعة ألماس خام في سبيل تقطيعها وبيع القطع الناتجة على حدى. إن جاهزيتك للدفع لقطعة الألماس الخام تعتمد فقط على سعر قطع الألماس التي ستبيعها منها، وهذا السعر يرتبط بدوره بعدد القطع وجودتها. إن لتجار الألماس آراء مختلفة حول هذه القيمة المشتركة لقطعة الألماس، وذلك حسب مهارتهم وخبرتهم والوقت الذي قضوه بفحص الالماس، سيكون من السهل لو علمت تقديرات تقييم باقي التجار لقطعة الألماس ولكنها معلومات سرية يفضلون الاحتفاظ بها.

إن الخطر الذي يقدم عليه مقدم العطاء لمزاد بالقيمة المشتركة محكوم بإن كان مقدمو العطاءات الآخرين ذو معلومات أوفر وأفضل عن السلعة/القطعة المعروضة وبالتالي تحديد قيمتها الصحيحة. فلنفرض أنك في المثال السابق قدمت سعراُ أعلى من الباقي وحصلت على قطعة الألماس، فأنت هنا معرّض لما يعرف بلعنة الفائز، إذ أنك دفعت سعراً كبيراً لم يكن ليدفعه أقرانك وهذه تعد صفقة خاسرة ولكنك ربحت القطعة على أية حال.

يصف روبرت ويلسون، الحائز على نوبل للاقتصاد 2020، الاستراتيجية عروض الأسعار الأمثل (حالة السعر الأعلى) عندما تكون القيمة المشتركة الحقيقية غير يقينة. وسنبين تحليله فيما يلي:

سيعرض المشاركون سعراً أدنى من أفضل سعر يقدرونه للقطعة، لتجنب عقد صفقة خاسرة وتعريض أنفسهم للعنة الفائز،  ومع زيادة عدم اليقين من القيمة الحقيقية للقطعة سوف يزيد حذر مقدمي العروض وتقل عروض الأسعار المحلية. يوضح ويلسون أن المشاكل التي تسببها لعنة الفائز تكون أعظم عندما يكون لدى بعض مقدمي العروض معلومات أفضل من غيرهم. أولئك من هم في وضع غير موات للمعلومات سوف يقدمون عروض أسعار أقل أو يمتنعون عن المشاركة أساساً تجنباً للمخاطر.

لنتفق على أن معظم المزادات تشمل كلا عنصري القيمة الخاصة والقيمة المشتركة، بالعودة إلى تحليل ميلجروم للمزايدات الانكليزية والهولندية، فإن المشاكل المتعلقة بلعنة الفائز في الطريقة الهولندية ذات أثر أكبر لأنها تؤدي إلى انخفاض الأسعار.

إن نتيجة اختلاف جودة شكل المزادات بالتعامل مع لعنة الفائز تعكس مبدأ عاماً: كلما قدم شكل المزاد عائدات أعلى كلما ازداد الرابط بين العطاءات والمعلومات الخاصة لأصحاب العطاءات عن المعروض في المزاد. كما رأينا في طريقتي المزاد الانجليزي والهولندي تماماً، لذا يكون من مصلحة البائع أن  يكون لأصحاب العطاءات أكبر قدر من المعلومات عن قيمة القطعة المعروضة قبل بدء المزاد.

أفضل المزادات المستخدمة عملياً، مساهمات ميلجروم وويلسون المبتكرة

لنستعرض قصة الرابحين بول ميلجروم وروبرت ويلسون بابتكار أشكال مزادات جديدة لمشاكل لم تكن أشكال المزادات المعروفة آنذاك قادرة على حلّها، ولعلّ أشهر قصة لهما هي مساهمتهما في تصميم مزاد لصالح اسلكات الأميركية لبيع ترددات الراديو لمشغلي الاتصالات.

الترددات الراديوية التي تسمح بالاتصالات اللاسلكية (الاتصالات الخلوية ودفوعات الانترنت ولقاءات الفيديو) هي ملك للحكومة، ولكن القطاع الخاص قادر على توظيفها واستعمالها بشكل أكفأ. لذا على الحكومة تخصيص بعض الباقات الترددية لهذه الجهات.

لقد مر سوق الاتصالات بتجارب غير مسرة بالنسبة للمستثمرين وشركات الاتصالات، فقد اعتمدت لجنة الاتصالات الفيدرالية لتوزيع النطاقات الترددية مرة على طريقة جلسات الاستماع أو “beauty contest”  إذ تقوم كل شركة بتقديم حجج لما هي بالتحديد تستحق الرخصة للوصول للنطاقات الترددية.وهذا ما أدى إلى إنفاق أموال الشركات في الضغط للحصول على الرخصة.  ومع توسع قطاع الاتصالات والموبايلات الخلوية في التسعينات، غيرت لجنة الاتصالات الفيدرالية -بعد أن استنزفت أسباب الدفاع عنها- طريقة جلسات الاستماع واتجهت لبطاقات اليانصيب لتخصيص نطاقات التردد لشركات الاتصالات. وبهذا استبدلت جلسات الاستماع بطريقة عشوائية تماماً لتخصيص النطاقات التي كما سابقتها عادت بخسائر كبيرة وأرباح محدودة جداً. 

إلى أن تقرر بسنة 1993 أن تباع النطاقات الترددية عن طريق المزادات، والتحدي هنا يكمن بتصميم مزاد يضمن التخصيص الفعال لرخص الاتصالات وتفيد بنفس الوقت دافعي الضرائب لأعلى حد ممكن. كما أن تعدد المواد المرتبطة (ترددات راديوية في مختلف المناطق) زاد من تعقيد التصميمات لمزادات تناسب هذا الغرض.

نظرية المزاد
حقوق الصورة محفوظة للأكاديمية الملكية السويدية للعلوم
The Royal Swedish Academy of Sciences

هنا نشهد أول تصميم للمزاد المتزامن متعدد الجوالات (SMRA) الذي صممه بول ميلجروم وروبرت ويلسون بمشاركة من بريستون مكافي، يقدم هذا المزاد جميع العروض (وهي هنا نطاقات الترددات الراديوية في مختلف المناطق) في وقت واحد. تمكن هذا المزاد عن طريق البدء بأسعار منخفضة والسماح بعطاءات مكررة، من تقليل المشاكل المرتبطة بعدم اليقين ولعنة الفائز. وعند استخدام لجنة الاتصالات الفيدرالية مزاد SMRA لأول مرة في يوليو 1994،  باعت 10 تراخيص في 47 جولة مزايدات بإجمالي مبيعات بلغ 617 مليون دولار أميركي. هذه العوائد جاءت من مخصصات كانت الحكومة الأميركية توزعها تقريباً بشكل مجاني بطريقة اليانصيب!

لقد اعتبرت التجربة الأميركية لمزاد SMRA لأطياف الراديو ذو نجاح باهر وبدأت دول العالم بتطبيق نفس التصميم لمزادات الطيف الخاصة بها أيضاً. بلغة الأرباح والأموال، فقد عاد هذا التصميم على الحكومة الأميركية خلال عشرين سنة 1994-2014 بما يزيد عن عشرين مليار دولار، وعالمياً عاد بيع الطيف ب 200 مليار كما لم يقتصر استخدامه في سوق الاتصالات فقط بل في نطاق الكهرباء والغاز الطبيعي أيضاً.

وكما يقول جوزيف ستيجليتز، الحائز جائزةَ نوبل، عن البروفيسور ميلجروم: «إن من بين الثورات الحديثة في عالم الاقتصاد إدراك أن الأسواق لا تعمل بشكل ٍجيد من تلقاء نفسها؛ فالتصميم مهم، وتصميم مزاد لجنَة الاتصالات الفيدرالية للطيف الراديوي الذي أبدعه ميلوجروم إنما كان انطلاقاً  لعهد ٍ جديد لتصميم السوق باستخدام النظرية الاقتصادية لجعل الأسواق الحقيقية تعمل بشكل أفضل.» (كتاب قوة الاقتصاد)

خاتمة

يجب اعتبار أعمال ميلجروم وويلسون بمثابة أبحاث أساسية، فهما قاما بتطوير نظرية الألعاب (باعتبار المزادات قسم من نظرية الألعاب) لتحليل كيف تتصرف الجهات المختلفة استراتيجياً عندما كل منعم لديه وصول لمعلومات مختلفة. وشكلت المزادات –مع أدوارها الواضحة في التحكم بالتصرف الاستراتيجي- مساحة طبيعية لأعمالهما. قدمت الرؤى الأساسية من نظرية المزاد الأساس الواجب التطوير عليه أشكال جديدة للتغلب على التحديات الجديدة. وإن جائزة نوبل للاقتصاد لسنة 2020 تذكرنا كيف تؤثر الأبحاث الأساسية بابتكار أفكار تفيد المجتمع، الميزة الفريدة التي تمتع بها ميلجروم وويلسون أنهما عملا على الصعيد النظري والعملي لبحثهما مما عاد بالفائدة على الباعة والشراة والمجتمع ككل.

المصادر:

كتاب قوة الاقتصاد
كتاب نظرية الألعاب
Nobel Prize

اقرأ المزيد: ما هي إنجازات الحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2020؟

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


اقتصاد جوائز

User Avatar

Samra Nofal


عدد مقالات الكاتب : 21
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق