يتمتع الناس بثمار الحضارة مع تقدّم العلم والتقنيات الذكية، بينما يعانون في نفس الوقت من العقوبات الطبيعية مثل أزمة الطاقة والاحتباس الحراري والتغيّر المناخي. نتيجةً لذلك، نشأت فكرة العودة إلى الطبيعة ويثير هذا النوع من التفكير رغبة الإنسان في إعاده بناء بيت أخضر. إلا أن الأضرار التي تلحق بالبيئة في تزايد مستمر، وأصبح الناس يبتعدون أكثر فأكثر عن الشمس، والهواء. بسبب ذلك يفكر المعماريون اليوم في كيفية دمج العمارة مع الطبيعة، وإدخال الضوء الطبيعي في العمارة.
محتويات المقال :
أهمية الضوء الطبيعي في العمارة
يعتبر الضوء الطبيعي في العمارة عاملًا أساسيًا للرفاهية البصرية، والصحية، ويعزز كذلك الاستهلاك الرشيد للطاقة. وقد أبرزت بعض الدراسات أهمية ضبط، وتصميم الضوء الطبيعي للحد من استهلاك الكهرباء، وضمان توفر ظروف الإنارة المناسبة لمختلف الأنشطة، والوظائف ولاسيما في المدارس من أجل نهج تصميم أكثر استدامة.[1]
الإشعاع الضوئي والاستضاءة
يعد الإشعاع الضوئي، والاستضاءة المفهومين الأولين الذين يجب النظر فيهما من أجل مراعاة إدخال الضوء الطبيعي في العمارة. ويشير مصطلح الإشعاع إلى الطاقة الكلية التي يعكسها، أو ينقلها، أو يستقبلها سطح ما لكل زاوية في كل منطقة. وهو مقياس يُقيّم مستويات معينة من الضوء في يوم ووقت محددين مسبقًا محاكيًا ظروف السماء المحلية.[2]
من ناحية أخرى، تقيس الاستضاءة كمية الضوء المنبعث من مصدر ما، والمستقبل من سطح ما. أي التدفق الضوئي في وحدة المساحة، وتقاس باللوكس (لومن لكل متر مربع). [2]
نمذجة ضوء النهار
يعتمد المهندسون المعماريون اليوم على برامج محاكاة 3D متقدمة لتصميم مشاريعهم. وتقدّم بعضها خيارات تسمح بنمذجة ضوء النهار من خلال تحديد موقع المشروع بدقة، والعوامل المحيطة. ويستطيع المعماريون تقييم، ومقارنة خيارات التصميم المختلفة، مثل توجه المبنى، أو حجم النوافذ ومواقعها، أو مواد البناء. وتمكّنهم كذلك من التحقق من مستويات الإنارة في المساحات، أو حتى التنبؤ بمصادر الوهج المفرط، والتي تكون غير سارة للشاغلين.[2]
تقدّم أنظمة تقييم المباني الخضراء GBRSs أيضًا لوائح تتعلق بالضوء الطبيعي في العمارة لمنح درجات الاستدامة مثل BREEAM، وLEED، وCHPS.
مقاييس الإضاءة الرئيسية
الإضاءة النهارية المفيدة UDI
يحسب المقياس النسبة المئوية للمساحة التي تقع في مستوى الاستضاءة المطلوب خلال أكثر من نصف الوقت المدروس. وتعد عمومًا مستويات لوكس التي تكون أقل من 100 غير كافية لمعظم المهام. في حين أن 200-300 لوكس كافية لكن قد تتطلب إضاءة اصطناعية إضافية. ويقع مستوى الاستضاءة المطلوب في نطاق 300-3000 لوكس، بينما تجاوز هذا الحد قد يؤدي إلى عدم الراحة البصرية والحرارية.[2]
استقلالية حيز ضوء النهار SDA
يقيس SDA كمية الضوء الطبيعي النهاري على مدار السنة، والتي تتجاوز الاستضاءة فيها المستوى المطلوب. على سبيل المثال 300 لوكس في منطقة معينة خلال 10 ساعات في اليوم على مدار السنة.[2]
التعرض السنوي للضوء ASE
يساعد ASE على الحد من التعرض المفرط لضوء الشمس، والذي يمكن أن يسبب الوهج، وزيادة الحرارة. ويمثل المقياس النسبة المئوية للمساحة التي يتجاوز فيها التعرض المباشر لأشعة الشمس مستوى استضاءة محدد مسبقًا. على سبيل المثال، 1000 لوكس لعدد معين من الساعات خلال السنة.[2]
احتمال الوهج البصري DGP
يساعد هذا المقياس على تحديد مناطق الوهج التي تعتبر مصدر قلق وخاصةً في مجالات العمل، والدراسة. وتتراوح درجاته من ملاحظ إلى اضطراب، وغير محتمل.[2]
ضرورة وجود الضوء الطبيعي في العمارة
يعتبر الضوء الطبيعي في العمارة مصدرًا آمنًا، ونظيفًا للإنارة إذ يسمح للناس بإدراك الحجوم، والأشكال، والنسب، والألوان، وما إلى ذلك. ويتميز بخصائص الإضاءة الموحدة، وإمكانية الوهج المنخفض، واللون الجيد. بالإضافة إلى ذلك، يوفر الضوء الطبيعي الموارد والطاقة. فبدأ المزيد من المعماريين باستخدام الإنارة الطبيعية من أجل تحسين راحة المستخدمين، والحد من استهلاك الكهرباء. ووفقًا لإحصاء اللجنة الدولية للإضاءة، يستهلك العالم حوالي 23.398 مليار كيلو واط ساعة من الكهرباء سنويًا، منها أكثر من 15% على الإضاءة الاصطناعية. وسوف يطلق هذا أكثر من 10 مليار طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، وأكثر من 10 ملايين طن من الغازات الضارة مثل ثاني أكسيد الكبريت. [3]
لطالما أساء الناس فهم الضوء الطبيعي بسبب تأثيره الحراري لأنه يُسخن الفراغ. لكن في الواقع، إذا تم توفير نفس الاستضاءة من منبع طبيعي وآخر صناعي، فستكون الحرارة الناتجة عن الضوء الطبيعي أقل من معظم منابع الضوء الاصطناعي. نتيجةً لذلك، تساعد النسبة الفعّالة من الضوء الطبيعي في العمارة على تقليل حمل تكييف الهواء. لذلك يعتبر التأثير الحراري للضوء سيف ذو حدين، فقد تختلف نتائجه بسبب اختلاف زاوية الإشعاع الشمسي، أو الوقت، أو التوجيه. بينما يستطيع توفير حرارة مجانية للمبنى في المناطق المعتدلة، والباردة.[3]
التأثير السلبي للضوء الطبيعي في العمارة
- التلوث الضوئي: تشرق الشمس بقوة فتعكس الجدران الزجاجية، وجدران الطوب والرخام المصقول الضوء الأبيض الساطع مما يبهر أعين الناس. ووجدت الدراسات أن الأشخاص الذين يعملون، ويعيشون في بيئة التلوث الضوئي الأبيض لفترة طويلة سيعانون من درجات متفاوتة من تلف شبكية العين والقزحية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتلوث الأبيض أن يعرض الناس للدوخة، والقلق، والأرق، وحتى انخفاض الشهية، والاكتئاب.
- الإشعاع المفرط: يسبب آثارًا سلبيةً ولاسيما في مناطق الصيف الحار والشتاء البارد. حيث تستمر درجة الحرارة العالية لفترة طويلة في الصيف، ويدخل الإشعاع الشمسي المباشر الغرفة ويتداخل بشكل كبير مع جهود أجهزة التبريد. كما يفاقم الزجاج أحادي الاتجاه هذه المشكلة.
- الجزر الحرارية الحضرية: تحدث عندما تحل المدن محل المساحات الخضراء، فتزداد الأرصفة، والمباني البيتونية التي تمتص الحرارة وتحتفظ بها. وتخزن المباني الزجاجية كذلك المزيد من الحرارة، وينعكس هذا الإشعاع الحراري بين المباني فترتفع درجات الحرارة.[3]
اعتبارات تصميمية مهمة
ينبغي عند دراسة الإنارة الطبيعية النظر في عوامل مثل وظيفة المبنى، والمناخ، واتجاه الرياح السائد، والطبوغرافيا. ويمكن التعامل مع كل اتجاه من المنشأة بشكل مختلف مثل اختيار النوافذ، والشرفات، والكاسرات الشمسية المناسبة.[1]
يجب عند تصميم غرفة ما توزيع الاستضاءة بشكل متساوٍ لتجنب التعب البصري وتداخل الوهج. وتلعب أبعاد الغرفة وارتفاعها عاملًا رئيسيًا في عملية التصميم، واختيار حجم، واتجاه، وأبعاد النوافذ. على سبيل المثال؛ تتطلب غرفة القراءة نسبة استضاءة عالية، ويجب أن تمثل النوافذ بين 1/4-1/6 من مساحة الغرفة. بينما تمتلك غرفة المعيشة متطلبات منخفضة نسبيًا للاستضاءة، وتحتاج النوافذ فقط إلى 1/8-1/10 من مساحة الغرفة.[3]
لا يتطلب تصميم الضوء الطبيعي الناجح بالضرورة نوافذ واسعة النطاق، إذ تعتبر الموازنة بين المتطلبات الوظيفية، والمناخ المحلي العامل الأهم للتصميم الجيد. ويمكن كذلك الاعتماد على نوافذ السقف لإنارة المساحات الكبيرة والعميقة مثل قاعات العرض، والمصانع، والمباني العامة. كما قد تحتاج إلى مناور وباحات مكشوفة.[3]
التأثير البصري للضوء الطبيعي في العمارة
يؤثر الضوء الطبيعي على كيفية إدراكنا وتفاعلنا مع الفراغ من حولنا. مثلًا صمم ستيفن هول مهجع الطلاب في جامعة MIT في أمريكا على شكل هيكل مسامي ليعمل كإسفنجة تمتص الضوء من خلال سلسلة من الفتحات الكبيرة. وأشار إليها في رسوماته الأصلية على أنها رئتا المبنى لأنها ستجلب الضوء الطبيعي، والتهوية. لكن لسوء الحظ لم يُنفذ التصميم الأولي بسبب لوائح مكافحة الحرائق، إلا أن هول حافظ على المفهوم الأساسي بالاعتماد على نوافذ أصغر، فخلقت النوافذ وميضًا مستمرًا من الضوء. [4]
تحتوي كل غرفة سكن على 9 نوافذ قياس كل منها حوالي 60*60 سم، ويمكن فتحها بشكل منفصل. فيستطيع الطلاب بهذه الطريقة اختيار النافذة وفقًا لاحتياجاتهم الخاصة.[4]
يتمكن المعماريون من جذب انتباه الناس عن طريق كسر وحدة الفضاء المتجانس، والضوء هو أفضل طريقة لخلق الاختلاف. فيمكن تشكيل تباين بصري بين اللون الفاتح والداكن عن طريق إضاءة نقطة معينة، وغالبًا ما يضاء الجزء الذي يحتاج المعماري إلى إبراز أهميته وتأكيده. على سبيل المثال؛ كنيسة جامعة MIT في أمركيا من تصميم إيرو سارينين، حيث صنع سارينين فتحةً دائريةً فوق المذبح مباشرةً من أجل السماح للضوء الطبيعي بالسقوط رأسيًا على المذبح.[3]
بالإضافة إلى ذلك، فقد علّق العديد من العاكسات المصنوعة من الأسلاك الحريرية الرفيعة كحاملات للضوء. وعند مقارنة المذبح مع محيطه المعتم فهو واضح جدًا، وإيجابي، ومليء بالسحر.[3]
بشكل عام يعد الضوء الطبيعي قضيةً يجب الاهتمام بها، حيث ينبغي وزن الإيجابيات، والسلبيات وفقًا لعوامل شاملة مثل وظيفة المبنى، والبيئة، والاقتصاد، من ثم اختيار التصميم المستدام الأفضل.
المصادر
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :