محتويات المقال :
هل يمكننا رصد الخلايا العصبية المفردة لفهم سلوك اليرقات؟
تمكن فريق من العلماء من رصد نشاط الخلايا العصبية المفردة لفهم سلوك اليرقات أثناء تحركها في بيئتها، تواجه الكائنات الحية دائمًا معادلة صعبة، هل يببحثون في بيئتهم عن مصادر الغذاء المختلفة؟ أم عليهم أن يكفوا عن البحث ويستغلوا الموارد التي يملكونها والفرائس التي يعرفون طريقها و يسهل الوصول إليها؟ توقفت قدرتنا على دراسة هذين النوعين من السلوك على مراقبة الكائنات الحية ورؤية أي مسلك تسلك، ولكن دراسة واعدة بدورية نيتشر «Nature» منذ عدة أيام جعلتنا قادرين دراسة النشاط العصبي وراء سلوك يرقات أسماك الدنيو المخططة «zebrafish» .
كيف يمكننا رصد نشاط الخلايا العصبية؟
لعل التحدي الأكبر لهذه الدراسة يكمن في القدرة على مراقبة الخلايا العصبية لمخ اليرقة كاملًا أثناء حركة اليرقة، فرغم التقدم الحادث في التقنيات الحديثة لمراقبة المخ، إلا أنها إما تتم باستخدام مسح كاملٍ للمخ غير قادر على تحديد نشاط الخلايا العصبية المفردة، أو مراقبة للنشاط الكهربائي في الخلايا العصبية المفردة في منطقة محددة دون توافر معلومات كاملة عن باقي خلايا المخ.
فقام الفريق البحثي بقيادة ماركوس وزملائه بإضافة كالسيوم مشع معدل جينيًا «genetically modified calcium indaicators» إلى جسم اليرقات، فعند وضعها تحت الميكروسكوب يمكنك رؤية الخلايا العصبية النشطة تضيء تحت الميكروسكوب في المخ كاملًا، ولكن هذه التقنية تطلبت أن لا تتحرك اليرقة، أو تكون مشلولة تمامًا حتى تمكث تحت العدسة الميكروسكوبية، مما يجعل دراسة سلوك اليرقة الطبيعي وطريقة تعاملها مع العوامل التي تجدها في بيئتها أمرًا مستحيلًا، ولكن الفريق البحثي استخدم تقنية حديثة التطوير (قام نفس الفريق بتطويرها) باستخدام ميكروسكوب قادر على تتبع حركة اليرقة في بيئتها «Tracking fluorescence microscope»، ومن ثَمَّ مراقبتها ومراقبة خلاياها العصبية مباشرة أثناء حركتها.
صنف الباحثون سلوك اليرقات إلى عدة أنواع، فإذا سبحت بشكل حر ولمسافات واسعة دون استغلال الموارد المتاحة لها فهي في حالة الاكتشاف والبحث عن الموارد «Exploratory State»، أما إذا صغر مدى حركتها وبدأت في استغلال الغذاء والفرائس المتوفرة السهلة فهي في حالة الاستغلال «Exploitation State»، في الحقيقة فإن قرار الاكتشاف أم الاستغلال يعد قرارًا صعبة، فالبحث عن موارد قد يمكن اليررقة من توفير الغذاء بكميات أكبر من الآن، ولكنها تدفع الثمن من طاقتها ومجهودها، أما سلوك الاستغلال فهو موفر لهذا المجهود، ولكن يجب أولًا أن تتوافر الفريسة لها كي نستطيع استغلالها، و من هنا فيعتمد أي السلوكين ستسلك اليرقة على جوعها، وعلى قدرتها على إيجاد الفريسة على القرب منها.
ثلاث فئات مختلفة للنشاط الدماغي
تمكن الباحثون من رصد نشاط الخلايا العصبية المفردة لفهم سلوك اليرقات أثناء حركتها الحرة تحت الميكروسكوب، ومراقبة أي سلوك وأي نشاط دماغي مصاحب لحالات جوعها وحالات توافر الفريسة في بيئتها، قاموا برصد حالات عشرات آلاف الخلايا العصبية، مراقبين كيف يتغير هذا النشاط مع تغير سلوك اليرقات، أظهر لنا هذا الرصد ثلاثة فئات محددة من النشاط الدماغي.
في الفئة الأولى توزع نشاط الخلايا العصبية على المخ كاملًا، بلا زيادات عالية في النشاط في أي منطقة منهم، مما يظهر أن هذه الحالة مختصة بسلوك الاكتشاف، في الفئة الثانية وجدوا نشاطًا زائد في منطقة مخية تسمى الدورسال رافي «Dorsal raphe»، يزداد نشاط هذه المنطقة بشدة في بداية سلوك الاستغلال، وتقل مع مرور الوقت. أما الفئة الثالثة فيظهر النشاط الدماغي في مناطق مختلفة من أدمغة اليرقات، وتظهر عند الانتقال سلوك الاكتشاف إلى سلوك الاستغلال، مما يظهر أنها هي المسؤولة عن تفعيل سلوك الاستغلال هذا ومنها يمكن التنبؤ بالمدة التي سيستمر بها.
من المتوقع كما قلنا أن يزداد سلوك الاستغلال والنشاط الدماغي المصاحب له عند جوع اليرقات وتوفر فريسة سهلة لها، درس الباحثون هذه الفرضية، فوجدوا نشاط السلوك الاستغلالي لليرقات عند تعرض لضوء يبين لها الفرائس الموجودة من حولها بعد فترة من الظلام، تنشط منطقة الدورسال رافي مما يفيد سيطرة السلوك الاستغلالي، ولكن -عكس ما توقعنا- عندما يزداد جوع اليرقة فإنها تنشِّط سلوك الاكتشاف حتى مع وجود الفرائس السهلة حولها.
رغم أن تقنية الكالسيوم المشع تمكننا من الكثير من الأشياء التي لم تكن سهلة لنا من قبل، فإنها لا تقرب من أن تكون ثمالية، فهي لا تظهر إلا النشاط الدماغي في لحظات بعينها، ولكنا لا تظهر نشاط أي منطقة من المخ أدى إلى تنشيط باقي أجزائها، ولكنها مع ذلك تظهر توفر مجالًا واسعًا لدراسة الخلايا العصبية ونشاطها في الحالات المختلفة وبناء معرفة أقوى عن التركيب التشريحي للمخ وانتقال المعلومات المختلفة من خلاله.
المصدر: Nature
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :