Ad

في اكتشاف مذهل، استطاع العلماء الكشف عن تعقيدات التواصل بين النباتات، وكيفية تلقي التحذيرات المحمولة جواً من رفاقها المجاورين والاستجابة لها. كانت هذه الظاهرة التي عرفت  باسم “الثرثرة النباتية”، موضع اهتمام منذ الثمانينيات، حيث تم اكتشاف أكثر من 80 نوعًا من النباتات تمتلك هذه القدرة الفريدة.

لقد حقق باحثون من جامعة سايتاما في اليابان، بقيادة علماء الأحياء الجزيئية يوري أراتاني وتاكويا أويمورا، قفزة كبيرة إلى الأمام، حيث قاموا بنشر تقنيات التصوير في الوقت المناسب لكيفية استقبال النباتات للإنذارات الجوية والاستجابة لها. ومن خلال تجهيز مضخة لنقل المركبات المنبعثة من النباتات المصابة والممتلئة بالحشرات إلى النباتات المجاورة غير المصابة، واستخدام المجهر الفلوري لمشاهدة الاستجابة، قدم الفريق لمحة عن عالم التواصل بين النباتات.

تلقي هذه الدراسة الرائدة، المنشورة بمجلة Nature Communications، الضوء على الآليات التي تتلقى النباتات من خلالها إشارات الخطر وتستجيب لها، وكيف يتم نقل هذه الإشارات الكيميائية وفك شفرتها، مما يفتح آفاقا جديدة للاستكشاف في مجالات علم النبات والبيئة والتكنولوجيا الحيوية.

اللغة الخفية للنباتات: تاريخ علمي

الكشف عن التواصل النباتي ليس مفهومًا جديدًا. في الواقع انبهر العلماء بالطرق الغامضة التي تتفاعل بها النباتات مع محيطها لعدة قرون. ففي وقت مبكر من القرن السادس قبل الميلاد، لاحظ الفيلسوف اليوناني ثيوفراستوس أن النباتات تنحني نحو ضوء الشمس، فيما يعرف بظاهرة الانحناء الضوئي. ومع ذلك، لم يبدأ الباحثون في كشف اللغة المعقدة للنباتات إلا في القرن العشرين.

في السبعينيات، اكتشف مور عالم فسيولوجيا النبات أن النباتات تستجيب للموجات الصوتية، وهو اكتشاف أدى إلى مزيد من البحث في القدرات الحسية للنباتات. وخلال الثمانينيات، اكتشف العلماء إطلاق مركبات عضوية متطايرة (VOCs) بواسطة النباتات تعمل على تنبيه النباتات المجاورة للتهديدات المحتملة.

منذ ذلك الحين، تم العثور على أكثر من 80 نوعًا من النباتات تنتج مركبات عضوية متطايرة، والتي لا تردع الحيوانات العاشبة فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى تكوين سلسلة من الاستجابات الدفاعية في النباتات القريبة.

في التسعينيات أثبت الدكتور إيان بالدوين، عالم الأحياء في معهد ماكس بلانك للإيكولوجيا الكيميائية في ألمانيا، وأحد الرواد في أبحاث التواصل النباتي، أن النباتات يمكنها التواصل من خلال المركبات العضوية المتطايرة، مما يؤدي إلى استجابة نظامية، والإعداد لأي هجمات محتملة.

ومع استمرار العلماء في الكشف عن تعقيدات التواصل بين النباتات، بدأوا في طرح المزيد من الأسئلة: كيف تدرك النباتات هذه الإشارات الكيميائية وتستجيب لها؟ ما هي المركبات؟ وكيف تتفاعل مع الآليات الخلوية للنبات؟

فك رموز الكود الكيميائي للدفاعات النباتية

لعقود من الزمن، ظل الباحثون يكشفون أسرار  الإنذارات الجوية، التي تسمح للنباتات بالتواصل وحماية نفسها من الحيوانات المفترسة.

ولفك الشفرة، لجأ الباحثون إلى تقنيات التصوير المتطورة. من خلال استخدام المجهر الفلوري حيث يمكن تصور الرقص المعقد لأيونات الكالسيوم داخل الخلايا النباتية.

ولتحقيق هذا الإنجاز، استخدم الباحثون إعدادًا مبتكرًا يتضمن ضخ المركبات المحمولة جواً من النباتات المصابة إلى النباتات المجاورة غير المصابة، مع مراقبة استجابات النباتات المتلقية في الوقت نفسه، واستخدم الباحثون نباتات الأرابيدوبسيس المعدلة وراثيًا والتي تصدر وميضًا باللون الأخضر عند اكتشاف أيونات الكالسيوم مما يمكنهم من تتبع تدفق الإشارات داخل الخلايا النباتية.

وكانت النتائج رائعة حيث استجابت النباتات السليمة لدفعات إشارات الكالسيوم التي امتدت عبر أوراقها، كما لو كانت تتلقى نداء استغاثة من جيرانها المصابين. ومن خلال تحليل المركبات المحمولة جواً، حدد الباحثون اثنين من المسببين الرئيسيين وهما: Z-3-HAL وE-2-HAL، واللذان  يحفزان إشارات الكالسيوم في نباتات الأرابيدوبسيس.

تأثير التواصل النباتي على فهمنا للبيئة والزراعة

اكتشاف التواصل بين النباتات يمكن أن يحدث ثورة في الطريقة التي نتعامل بها مع الزراعة. على سبيل المثال يمكن للمزارعين المجهزين بمعرفة لغة النبات أن يزرعوا محاصيل من شأنها تنبيه بعضها البعض بالآفات والأمراض، مما يعمل على تقليل الحاجة إلى استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة. وهذا يعني ممارسات زراعية أكثر استدامة وصديقة للبيئة.

علاوة على ذلك، فإن فهم التواصل بين النباتات يمكن أن يساعدنا في مكافحة القضية الملحة المتمثلة في الأمن الغذائي. فمن خلال تطوير المحاصيل القادرة على تنبيه بعضها البعض بشأن التهديدات المحتملة، يصبح بوسعنا زيادة إنتاجية المحاصيل، والحد من الهدر، وبالتالي حصول المزيد من الناس على الغذاء.

ويمتد التأثير إلى ما هو أبعد من الزراعة. في علم البيئة، يمكن أن يساعدنا فهم التواصل النباتي في إدارة النظم البيئية بشكل أفضل والحفاظ على التنوع البيولوجي. فمن خلال التعرف على شبكات الإتصال المعقدة بين النباتات، يمكننا تطوير استراتيجيات حماية أكثر فعالية، وحماية الأنواع المعرضة للخطر، والحفاظ على النظم البيئية الحساسة.

في الختام، اكتشاف التواصل بين النباتات ليس مجرد فضول علمي؛ لكن من الممكن أن يدفعنا لإبتكار أساليب جديدة للحياة المستدامة، وبينما نواصل الكشف عن أسرار لغة النبات، قد نكشف عن رؤى جديدة حول شبكة الحياة التي تدعم كوكبنا.

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


بيئة

User Avatar

Asmaa Wesam

حاصلة على الماجستير في الصحافة، مهتمة بقضايا الصحة والبيئة.


عدد مقالات الكاتب : 52
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليق