طب

هل يمكن أن يتحول الجنين إلى حجر؟

داخل أروقة إحدى مستشفيات الدار البيضاء بالمغرب، شاهدت زهرة إحدى النساء وهي تموت أمام عينيها أثناء ولادتها القيصرية، لم تدع زهرة المجال وفرت سريعًا من المشفى خوفًا من أن يحدث لها مثل ما حدث مع المرأة الأخرى. هدأت زهرة وهدأ معها ألمها ولكن لم تكن تعرف أن الطفل الذي تحمله بين أحشائها سيظل لغزًا يحير الأطباء.

 على الرغم من أنها ظلت في الغالب غير منزعجة من العبء المروع الذي حملته على مدى عقود، إلا أن ظهور ألمٍ مفاجئ في بطنها دفعها في النهاية إلى زيارة الطبيب؛ الذي ظن في البداية أن الكتلة الصلبة التي عثر عليها هي ورم في المبيض! لكن عمليات المسح اللاحقة كشفت عن طفلها الحجري الذي حملته لما يقرب من نصف قرن.[1]

لم تكن حالة زهرة هي الأولى من نوعها، بل تم اكتشاف العديد من الحالات على مر التاريخ. كما اكتشف الأطباء في السنوات الأخيرة حالات أخرى حملت جنينها الحجري لأكثر من 60 عامًا.[2]

هل يمكن أن يظل الجنين داخل جسم أمه لسنوات؟

«الليثوبيديون» أو «الطفل الحجري» هو إحدى مضاعفات الحمل النادرة التي تحدث عندما يموت الجنين ولا يحدث له إنزال خارج جسم الأم، أو يصبح كبيرًا جدًا بحيث لا يمكن للجسم إعادة امتصاصه، وبالتالي يتكلس ويتحول إلى حجر.[3]

يعتبر الليثوبيديون حالة طبية نادرة جدًا، وفي الواقع لم تُوثّق سوى 400 حالة في جميع المؤلفات والدراسات الطبية، إذ يبقى عادة الجنين المتكلس في أجساد النساء لأكثر من 50 عامًا، كما يبلغ عمر متوسط النساء المصابات بهذه الحالة حوالي 50 عامًا.[4]

وفي عام 1582م اُكتشفت أول حالة لجنين الحجر وكانت لامرأة فرنسية تبلغ من العمر 68 عامًا والتي تم تشريح جثتها بعد موتها، إذ بقيت طوال حياتها تعاني من آلام غريبة في بطنها، وبعد وفاتها طلب زوجها بتشريح جسدها، وكانت المفاجأة أن وجدوا بداخلها جسمًا صلبًا وبيضاويًا، اعتقدوا في البداية أنه ورم من نوع ما، ثم ما لبثوا أن اكتشفوا أنه جنين متكلس حملته بداخلها لمدة 28 عامًا.[5]

كيف يتكون جنين الحجر؟

عندما تخرج البويضة من مبيض المرأة ثم تنتقل عبر قناة فالوب يحدث الإخصاب، ثم تنتقل البويضة الملقحة «الزيجوت» إلى الرحم وتلتصق بجداره، ولكن في بعض الأحيان، يحدث أن تعلق البويضة الملقحة في مكان آخر غير جدار الرحم، كأن تعلق بالمبيض أو قناة فالوب أو في أي مكان آخر في البطن، ويطلق على هذا الحمل اسم «الحمل خارج الرحم» أو «الحمل البطني». 

من النادر جدًا أن يؤدي الحمل البطني إلى ولادة طفل سليم، السبب الرئيسي هو عندما يبدأ الجنين بالنمو في أي مكان آخر غير الرحم، فإنه لا يحصل على ما يكفي من الدم والمساحة للنمو بشكل صحيح، إذا لم يمت الجنين من تلقاء نفسه، فعادة ما يقترح الأطباء إنهاء الحمل طبيًا.[6]

وفي بعض حالات الحمل خارج الرحم يحدث أن يموت الجنين والذي يكون أكبر من أن يمتصه جسم الأم فيعامله الجهاز المناعي كجسم غريب فيحاط الجنين بأملاح الكالسيوم لمنع تحلله، حتى يتحول الجنين في النهاية إلى حجر.[7]

أسباب تكون الجنين الحجري

  1. الحمل خارج الرحم.
  2. موت الجنين بعد 3 أشهر من الحمل خارج الرحم سواء في المبيض أو قناة فالوب أو في أي مكان داخل البطن.[8]

أعراضه:

في الغالب لا توجد أعراض ثابتة لليثوبيديون، ولكن ذكر الأطباء وجود بعض الأعراض الملحوظة مثل:

  1. النزيف.
  2. الحيض المفاجئ.
  3. مشاكل التبول بسبب الضغط علي المثانة.
  4. انتفاخات غير مبررة في البطن.[9]
  5. ألم بطني مستمر.
  6. انسداد في الأمعاء.
  7. خراج الحوض.
  8. تكوين ناسور المستقيم أو المهبل.[10]

أنواع الجنين المتحجر:

في عام 1881م أشار الطبيب الألماني “كوتشينمايستر” إلى أن التكلس قد يشمل إما الجنين أو الأغشية أو المشيمة أو مزيج من الثلاثة وعليه صنفت مقالته الجنين المتحجر إلى ثلاثة أنواع:

Related Post
  1. ليثوكليفوس :حيث تتكلس الأغشية فقط وتشكل قشرة صلبة تحيط بالجنين، ولكن الجنين لا يشارك في عملية التكلس.
  2. ليثوكيليفوبيديون: حيث تتكلس كل من الأغشية والجنين.
  3. ليثوبيديون حقيقي: حيث يتكلس الجنين، بينما تتكلس الأغشية بصورة ضئيلة.[11]

كيف يمكن لأمرأة أن تحمل جنينًا حجريًا لسنوات دون أن تعرف؟

في بعض الحالات يلعب الاهمال أو نقص الرعاية الطبية دورًا، ففي بعض الدول التي لا تتوافر فيها الرعاية الطبية اللازمة، من الممكن ألا تدرك النساء حالتهن حتى تتسبب الكتلة المتكلسة بمشكلة صحية خطيرة.[12]

ولكن اليوم يعتبر حدوث الليثوبيديون نادرًا للغاية، ومع التقدم الطبي والتكنولوجي أصبحت جراحة استئصال جنين الحجر ليست حالة تهدد الحياة.[13]

المراجع:

(1)sciencedirect

(2),(5)atlasobscura

(3)pubmed

(4),(6),(9),(13)scienceabc

 (7),(8),(10)ncbi

(11)pubs

(12)nbcnews

Author: Asmaa Wesam

حاصلة على الماجستير في الصحافة، مهتمة بقضايا الصحة والبيئة.

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Asmaa Wesam

حاصلة على الماجستير في الصحافة، مهتمة بقضايا الصحة والبيئة.

View Comments

Share
Published by
Asmaa Wesam

Recent Posts

أسرار “الذهب الأسود”: القهوة العربية.. كنز علاجي لمكافحة السكري ومفتاح للسعادة

ارتبطت القهوة، هذا المشروب العتيق الذي يوقظ الحواس ويدفئ الأرواح، بالطقوس الصباحية واللقاءات الاجتماعية. لكن…

يوم واحد ago

القاهرة عاصمة الابتكار الأفريقية: جامعة القاهرة تتصدر المشهد بحضور أكاديمي رفيع من أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا

في إنجاز علمي وتكنولوجي جديد يؤكد على مكانة مصر المتنامية كمركز إقليمي ودولي للابتكار، أعلنت…

يومين ago

التكاثر في الفضاء: حلم المستقبل أم كابوس الأجيال القادمة؟

دراسة يابانية رائدة تفتح آفاقاً جديدة وتثير مخاوف جوهرية كان التوسع خارج كوكب الأرض حلماً…

3 أيام ago

ثورة الأنسجة الذكية: علماء يبتكرون حاسوبًا متكاملًا في خيط قماش قابل للغسل!

لوقت طويل كانت الأنسجة الذكية حلمًا يراود العلماء والمبتكرين، ومؤخرا، تطورت فكرة دمج التكنولوجيا المتطورة…

4 أيام ago

حلم “أفاتار” يصبح حقيقة: علماء صينيون يبتكرون نباتات عصارية تضيء الظلام

لم يعد مشهد الغابات المتلألئة في فيلم "أفاتار" مجرد خيال علمي بعيد المنال، بل بات…

5 أيام ago

المصريون والذكاء الاصطناعي: ثورة تكنولوجية وثقة متزايدة

أظهرت دراسة شملت 47 دولة حول العالم أن المصريين هم رابع أكبر الشعوب استخدامًا للذكاء…

6 أيام ago