هل سيؤثر الذكاء الاصطناعي على المسار التطوري للنوع البشري؟

تأثير الذكاء الاصطناعي على تطور البشر

لم يعد مفهوم الذكاء الاصطناعي الذي يغير العالم مجرد خيال علمي، بل حقيقة تتكشف بسرعة. مع تنوع تقنيات الذكاء الاصطناعي وتغلغلها في كل جانب من جوانب حياتنا، فمن الضروري النظر في تأثير الذكاء الاصطناعي على تطور البشر. من سنصبح في عالم تنتشر فيه البيئات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد؟

وفي بحث نُشر مؤخرًا في “The Quarterly Review of Biology”، يتم استكشف الطرق متعددة الأوجه التي قد يؤثر بها الذكاء الاصطناعي على الانتقاء الطبيعي والبيئات الفيزيائية والبيولوجية والاجتماعية، وبالتالي التطور البشري.

لقد توقع الكثير من المفكرين سيناريوهات مثيرة، مثل الانقراض أو الاستيعاب الناجم عن الذكاء الاصطناعي، ولكن ماذا لو اتخذ مستقبل الذكاء الاصطناعي مسارًا تطوريًا أكثر دقة؟ ومع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، من الضروري النظر في التأثيرات التحويلية المحتملة على التطور البشري.

محتويات المقال :

الانتقاء الطبيعي في عصر الذكاء الاصطناعي

غالبًا ما يُنظر إلى التطور على أنه عملية بطيئة وغير محسوسة، ولكنه يحدث في كل مكان حولنا، طوال الوقت. بدءًا من الطريقة التي تستجيب بها أجسامنا للمناخ المتغير إلى الطريقة التي تتكيف بها جيناتنا مع الأمراض الجديدة، يعمل التطور باستمرار على تشكيل الجنس البشري. ولكن ماذا يحدث عندما نقدم الذكاء الاصطناعي في رقصة التطور هذه؟

الانتقاء الطبيعي هو نتيجة حتمية للاختلافات الجينية في التكاثر بين الأفراد. تنشأ هذه الاختلافات من التفاعلات مع البيئة المادية، والأنواع الأخرى، وحتى الأعضاء الآخرين من نفس النوع. على سبيل المثال، عندما بدأت الذئاب الرمادية الآسيوية بالتسكع حول البشر منذ حوالي 30 ألف عام، تم طرد الذئاب الأكثر تفاعلاً أو قتلها. لقد أدى هذا إلى تقليص جينات التقلب والعدوان، وبدأت عملية تدجين الكلاب.

وبنفس الطريقة، قد يشكل الذكاء الاصطناعي عن غير قصد تطور العقول البشرية والسلوك البشري. وبينما نتفاعل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، قد نبدأ في التكيف مع أشكال جديدة من ضغوط الاختيار، مثل التوافر المستمر للمعلومات أو طبيعة العمل المتغيرة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في بيئاتنا المادية والاجتماعية، والتي بدورها يمكن أن تؤثر على مسار الانتقاء الطبيعي.

علاقة تكافل

إن النظر إلى العلاقة بين البشر والذكاء الاصطناعي باعتبارها شكلاً من أشكال التكافل ــ حيث يستفيد الطرفان ــ يشكل إطاراً مفيداً. فالحواسيب تتفوق في العمليات الحسابية المعقدة، وتوفر مزايا كبيرة للمستخدمين من البشر، وهذه المزايا سوف تزداد فقط مع تقدم الذكاء الاصطناعي.

تاريخياً، كان تبادل المعرفة من خلال الثقافة والكتابة سبباً في تخفيف العبء على الذاكرة البشرية الفردية، مما أدى إلى انخفاض حجم الدماغ على مدى آلاف السنين. ومن الممكن أن تعمل الذكاء الاصطناعي ومحركات البحث على الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية، التي “تتذكر” الأحداث والتفاعلات بفعالية، على تخفيف هذا العبء. وبالتالي، قد تستمر أدمغة البشر في التطور نحو أحجام أصغر مع التركيز بشكل أقل على تخزين الذاكرة الفردية.

وهذا لا ينبغي أن يكون سبباً للقلق. فالأدمغة الأصغر حجماً تقدم فوائد مثل الولادة الآمنة لكل من الأم والطفل. ومع قيام الحواسيب والذكاء الاصطناعي بإدارة مخازن المعلومات المتزايدة باستمرار، فإن البشرية سوف تظل قادرة على تحقيق إنجازات فكرية ملحوظة، شريطة أن تحافظ على إمكانية الوصول إلى موارد الذكاء الاصطناعي هذه.

تأثير الذكاء الاصطناعي على تطور البشر

علاقة تطفلية

العلاقات التكافلية قد تتحول وتصبح طفيلية، حيث يستفيد كائن حي على حساب كائن حي آخر (المضيف). وتقدم منصات التواصل الاجتماعي مثالاً محتملاً. ففي البداية، قدمت أدوات قيمة للتواصل (التبادلية)، لكنها أصبحت فعالة للغاية في جذب الانتباه لدرجة أن العديد من المستخدمين يضحون الآن بالوقت اللازم للتفاعل الاجتماعي وجهاً لوجه والنوم (الطفيلية).

إذا طورت الذكاء الاصطناعي أساليب أكثر تطوراً لجذب انتباه المستخدم، على سبيل المثال من خلال استغلال المشاعر مثل الغضب وتأجيج المقارنة الاجتماعية، فقد يكون لهذا عواقب تطورية، تؤثر على من يعيش ويموت ويتكاثر. وفي سيناريو أقل تفاؤلاً، قد تصبح القدرة على مقاومة جاذبية وسائل التواصل الاجتماعي أو البقاء غير متأثر بالمحتوى التحريضي ضغطًا انتقائيًا أقوى، مما يدفع التطور البشري في اتجاه محدد.

كيف سيغير الذكاء الاصطناعي العلاقات الإنسانية؟

في حين لعبت التفاعلات مع الأنواع الأخرى دورًا في التطور البشري، فإن التفاعلات مع البشر الآخرين كانت أكثر أهمية. والآن، تدخل الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد مجالنا الاجتماعي.

إن التطور السريع لـ “الألفة الاصطناعية”، التقنيات المصممة لمحاكاة السلوكيات الاجتماعية البشرية مثل الصداقة والعلاقات الرومانسية، هو مجال مذهل للتقدم في مجال الذكاء الاصطناعي. لم يطور البشر آليات اجتماعية للتفاعل مع أجهزة الكمبيوتر، لذلك نطبق بشكل طبيعي نفس الاستراتيجيات الاجتماعية التي نستخدمها مع الآخرين على هذه الآلات، وخاصة عندما يتواصلون من خلال النص أو الصوت أو الفيديو.

وفي التفاعلات البشرية، ندرك دائمًا إمكانية عدم الإخلاص. في حين يفتقر “الصديق الافتراضي” للذكاء الاصطناعي إلى المشاعر الحقيقية، غالبًا ما يتفاعل المستخدمون معه كما لو كانوا يمتلكونها.

يمكن أن تؤدي الألفة الاصطناعية إلى زيادة الحذر في التفاعلات التي تتم عبر الهواتف أو الشاشات. بدلاً من ذلك، قد يؤدي ذلك إلى شعور الأجيال القادمة بقلة الحاجة إلى الرفقة البشرية، مما قد يؤدي إلى أن يصبح البشر أكثر عزلة.

تأثير الذكاء الاصطناعي على تطور البشر وما يعنيه أن تكون إنسانًا

بينما ننظر إلى المستقبل، من الضروري أن نأخذ في الاعتبار الآثار العميقة للذكاء الاصطناعي على التطور البشري. هل سنصبح كائنات ذات أدمغة أصغر حجمًا، ولكنها مرتبطة بشكل كبير، ونعتمد على الذكاء الاصطناعي لتخزين المعلومات ومعالجتها؟ أم أننا سنتطور لمقاومة الطبيعة الإدمانية لوسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي؟ فالاحتمالات لا حصر لها، وستكون العواقب المترتبة على تأثير الذكاء الاصطناعي على جنسنا البشري بعيدة المدى.

حيث سيتكيف البشر مع العيش جنبًا إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي، وتتطور أدمغتنا لتحديد أولويات المهام التي تتطلب الإبداع والتعاطف والتفكير النقدي. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يزيد من قدراتنا المعرفية، ويحررنا لمتابعة حياة أكثر فنية وإبداعًا وتفاعلًا اجتماعيًا. وبدلاً من ذلك، قد نصبح معزولين بشكل متزايد، ونعتمد على الذكاء الاصطناعي لإدارة علاقاتنا ومهننا وحياتنا اليومية، مما يؤدي إلى انخفاض المهارات الإنسانية الأساسية مثل التواصل والثقة والحميمية.

هناك شيء واحد مؤكد، الذكاء الاصطناعي سوف يغير بشكل كبير معنى أن تكون إنسانًا. وبينما نواصل التفاعل مع الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى إعادة تعريف قيمنا، وإحساسنا بذاتنا، ومكانتنا داخل النظام البيئي. ومن خلال الاعتراف بالتأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي على التطور البشري، يمكننا أن نبدأ في تشكيل مستقبل حيث تعمل التكنولوجيا على تعزيز إنسانيتنا، بدلا من التقليل منها.